تجدّدت الاشتباكات الحدودية بين الجيشين السوداني والإثيوبي، بعد أن توقّفت لأكثر من شهرين، فمنذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي لم يعلن البلدان عن أي مواجهات ضمن صراع السيادة على مناطق حدودية.
وكان آخر قتال مُعلن في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، حين أعلن الجيش السوداني تصديه لقوات إثيوبية حاولت التوغّل في قطاع أم براكيت (شرق)، وأجبرها على التراجع، فيما قالت أديس أبابا إنّها لم تنفّذ أي تحرّك عسكري.
تأتي الاشتباكات الجديدة في وقت يشهد فيه البلدان أزمات داخلية مستفحلة تهدّد بشكل كامل وجود نظامَي الحكم فيهما.
ففي السودان تتواصل احتجاجات شعبية حاشدة رافضة لاتّفاق سياسي جرى توقيعه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، إذ تتّهم قوى سياسية وفاعليات شعبية البرهان بالانقلاب والاستيلاء على السلطة، وهو ما ينفيه.
وفي إثيوبيا تواجه السلطات تقدُّم قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" وحلفائها نحو العاصمة أديس أبابا، محقّقة انتصارات كبيرة.
وصباح الأحد أعلن الجيش السوداني مقتل 6 من عناصره في منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا، جرّاء ما قال إنّه هجوم نفذته السبت قوات من الجيش ومليشيات إثيوبية، فيما لم تصدر إفادة رسمية عن الجانب الإثيوبي.
وتبلغ مساحة الفشقة نحو مليوني فدان، وتمتدّ لمسافة 168 كلم مع الحدود الإثيوبية من مجمل المسافة الحدودية لولاية القضارف السودانية مع إثيوبيا، البالغة نحو 265 كلم.
وفي ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، فرض الجيش السوداني سيطرته على أراضي الفشقة، بعد أن استولت عليها لمدّة ربع قرن "عصابات إثيوبية" حسب الخرطوم، فيما تتّهم أديس أبابا السودان بالسيطرة على أراضٍ إثيوبية، وهو ما تنفيه الخرطوم.
وعودة الاشتباكات الحدودية في بلدين مثخنَين بالجروح داخلياً، دفعت خبراء إلى اعتبار أنّ هذا القتال يستهدف إلهاء الشعبين وصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية، عبر التركيز على "العدو الخارجي".
عرقلة قوات تيغراي
قال اللواء السوداني المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، في حديث لوكالة الأناضول، إنّ ما حدث من القوات الإثيوبية في منطقة "الفشقة" السودانية هو محاولة "لإدارة أزمة بأزمة" وشَغْل الشعب الإثيوبي والقوات الّتي تسعى لمحاصرة أديس أبابا.
وتابع: "هي محاولة لتشتيت جهود قوات تيغراي وحلفائها، الّتي تعمل على إسقاط النظام الحاكم في إثيوبيا".
وأردف بأنّ "الحديث عن وجود مليشيات إثيوبية لحماية مزارعين إثيوبيين في هذه المناطق غير صحيح، فليس في الفشقة مزارع واحد يحتاج إلى الحماية من الجيش الإثيوبي".
ورأى مجذوب أنّ ّالتحرّك الإثيوبي في الفشقة يهدف إلى إنشاء نقاط إنذار وعمل أكمنة للإيقاع بقوات تيغراي الّتي تتحرّك في المناطق الحدودية مع السودان ومنعها من التقدّم في هذه المناطق".
والسبت أعلنت الحكومة الإثيوبية أنّ الجيش استعاد السيطرة على منطقتَي بورقا وشيفرا على الحدود بين إقليمي عفر وأمهرة غربي إثيوبيا، وهما متاخمتان للسودان.
واندلعت اشتباكات بين الجيش الإثيوبي وجبهة تيغراي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعدما دخلت القوات الحكومية الإقليم، رداً على ما قالت إنّه هجوم استهدف قاعدة للجيش. ومؤخّراً اشتدّ القتال بين الجانبين.
إفساد موسم الحصاد
ووفق أمير بابكر عبد الله، محلّل سياسي سوداني، فإنّ "القتال الحالي في الفشقة يختلف عن السابق، فالجيش الإثيوبي هو الذي دخل المنطقة، لا المليشيات الإثيوبية كما في السابق".
وأضاف عبد الله أنّ "الاشتباكات الحالية تأتي في وقت حصاد الأراضي الزراعية في الفشقة الّتي استعادها السودان مؤخّراً، ومن ثَمّ يستهدف إفساد موسم الحصاد".
وأردف: "كما أنّ الجيش الإثيوبي يريد الانتشار في المنطقة الغربية من إثيوبيا لقطع الطريق أمام قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بخاصة أنّه أعلن تقدّمه في أكثر من منطقة".
واستطرد: "تأمين المنطقة الغربية في إقليمي عفر وأمهرة يجعل قوات الجيش الإثيوبي تزحف إلى مناطق إقليم تيغراي والنقاط الأخرى وهي مطمئنّة على هذه الحدود".
وحذّر عبد الله من أنّ "إفشال موسم الحصاد الحالي للسودانيين قد يدفعهم إلى تجنّب الزراعة في السنوات المقبلة، ما يتيح للإثيوبيين العودة إلى زراعة هذه الأراضي".
والسبت أعلن الجيش السوداني في بيان، وقوفه بالمرصاد لمحاولة إفشال الحصاد في منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا.
هرب من الأزمة الداخلية
أما وليد النور زكريا، محلّل سياسي سوداني، فيرى أنّ "الاشتباكات المتكرّرة في الفشقة تعود إلى طبيعة الصراع على هذه الأرض الزراعية، والشعب السوداني متفهّم لذلك ويقف مع جيشه".
واستدرك: "أمّا أن تحاول السلطات السودانية كسب تعاطف الشارع للالتفاف حولها، عبر عدو خارجي للهرب من أزمتها الداخلية، فذلك لن يجدي".
وأردف: "ما يحدث في الفشقة لن يؤثّر في حراك الشارع الرافض للانقلاب والاتّفاق السياسي، وسيمضي في طريقه لإسقاط النظام".
وهذا الاتّفاق جرى توقيعه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ويتضمّن 14 بنداً، أبرزها عودة رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهّد الطرفين بالعمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي.
ويحاول هذا الاتفاق معالجة أزمة حادة اندلعت في السودان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، حين أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مما أثار رفضاً من قوى سياسية واحتجاجات شعبية مستمرة تعتبر ما حدث "انقلاباً عسكرياً".
ومقابل ترحيب دول ومنظمات إقليمية ودولية باتّفاق البرهان وحمدوك، أعلن وزراء معزولون وائتلافات وأحزاب سياسية وفاعليات شعبية في السودان رفضهم له، معتبرين أنّه "محاولة لشرعنة الانقلاب" و"الحيلولة دون قيام الدولة المدنية الديمقراطية".