تباطؤ بنمو الناتج القومي والصادرات.. اقتصاد إسرائيل يعاني إثر الحرب على غزة
تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بإلقاء ضرباتها على اقتصاد تل أبيب، إذ أدى العدوان المستمر للشهر الحادي عشر إلى تباطؤ نمو ناتج الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثاني من 2024 مع تباطؤ الصادرات والاستثمارات، وفق ما أفادت به وسائل إعلام عبرية.
احتجاجات في تل أبيب ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو / صورة: Reuters (Reuters)

وأظهرت بيانات أصدرها المكتب المركزي للإحصاء أمس الأحد أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 1.2% على أساس سنوي في الفترة من أبريل/نيسان حتى يونيو/حزيران، ويقل ذلك عن تقديرات استطلاع لوكالة رويترز لنمو نسبته 4.4%، وتقديرات خبراء الاقتصاد في وكالة بلومبيرغ الذين توقعوا نمواً بنسبة 5.9%.

وتحدث تقرير لموقع "تايمز أوف إسرائيل" أن الحرب المطولة في غزة أثرت في الاقتصاد الإسرائيلي وتسببت في تباطؤ كبير بالنمو وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني على أساس نصيب الفرد منه بمقدار 0.4% في الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران.

وكان الاقتصاد الإسرائيلي شهد تحسناً في بداية العام، إذ نما بنسبة سنوية بلغت 17.3% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام بعد انكماش بنسبة 20.6% في الربع الأخير من عام 2023، عندما أدى اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي والتجارة والاستثمار بشكل حاد، وفق "تايمز أوف إسرائيل".

أبرز العوامل التي ساهمت في التباطؤ كانت الصادرات، إذ تراجعت 7.1% للربع الثالث على التوالي بعد استثناء الألماس والشركات الناشئة، بالإضافة إلى الجمود في استثمارات الأصول الثابتة. كذلك انخفضت الواردات، باستثناء الواردات العسكرية والسفن والطائرات والألماس بنسبة 7.3%.

وحذر تحليل اقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، اليوم الاثنين، من أن انخفاض النمو سيؤدي إلى تأثر الاقتصاد، وانخفاض الخدمات المقدمة للسكان، وكذلك خطر إغلاق المصانع والبيوت التجارية وتسريح العمال، إذ تشير الأرقام إلى أن عدد السكان في الربع الثاني من العام نما بمعدل أسرع من الاقتصاد، ما يعني أن الأداء العام لجميع فروع الاقتصاد انخفض وبالتالي من المتوقع انخفاض مستوى المعيشة.

"ضرر كبير"

وقال كبير خبراء الاقتصاد في بنك "مزراحي تيفاهوت"، رونين مناحيم، إن نصيب الفرد انكمش من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالربع السابق ومقارنة بالربع المقابل من العام الماضي، "وهو رقم يشير بوضوح إلى الضرر الكبير الذي تسببه الحرب الجارية للاقتصاد"، حسب تعبيره.

من جهته، صرح جوناثان كاتس كبير المحللين لدى "ليدر كابيتال ماركتس" لوكالة رويترز أن الاقتصاد يواجه صعوبة في التعافي بسبب الحرب، ويرجع ذلك بالأساس إلى مشكلات العرض وليس الطلب، ومشيراً إلى أن النقص في العمالة الفلسطينية منذ اندلاع الحرب في غزة يحول دون حدوث تعاف كامل للاستثمار في بناء المساكن.

وأظهرت الأرقام الصادرة يوم الخميس الماضي ارتفاع معدل التضخم إلى 3.2% في يوليو/تموز من 2.9% في يونيو/حزيران، وهو ما تجاوز هدف التضخم السنوي الذي حددته الحكومة بين 1 و3% ووفق وكالة رويترز، من المقرر أن يتخذ بنك إسرائيل المركزي قراره المقبل بشأن أسعار الفائدة في 28 أغسطس/آب الحالي.

وفي غضون ذلك، سلطت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الضوء على التصعيد المتبادل بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على تعطيل القوى العاملة في مناطق شمال إسرائيل وذلك بسبب نزوح عشرات الآلاف من السكان بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتسبب الوضع الأمني ​​في تعطيل القوى العاملة.

كما أشار جوناثان كاتس كبير المحللين لدى "ليدر كابيتال ماركتس" إلى أن "إغلاق الأنشطة التجارية في الشمال والجنوب (الزراعية والتجارية) يؤثر أيضاً في النمو".

وتأتي بيانات النمو الضعيفة في أعقاب تخفيض وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني لإسرائيل من A+ إلى A الأسبوع الماضي، التي حذرت من أن "النزاع في غزة قد يستمر حتى عام 2025 مع وجود مخاطر من اتساعه إلى جبهات أخرى".

وأشارت إلى أنه "بالإضافة إلى الخسائر البشرية، قد ينتج عن ذلك إنفاق عسكري إضافي كبير وتدمير للبنية التحتية وأضرار أكثر استدامة للنشاط الاقتصادي والاستثمار، ما يؤدي إلى مزيد من التدهور في مقاييس الائتمان الإسرائيلية".

مشهد معقد

وفي هذا الصدد يقول الدكتور نصر عبد الكريم، أستاذ العلوم الاقتصادية في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأمريكية، إن "المشهد الاقتصادي الإسرائيلي يتعقد يوماً بعد يوم مع استمرار العدوان على قطاع غزة، واستمرار الاقتصاد في النزيف طوال عشرة الأشهر الماضية".

ويضيف لـTRT عربي: "صحيح أن النزيف تراجع وبدا التباطؤ في النمو الاقتصادي أقل حدّةً مما كان في الأشهر الأولى من العدوان، إذ إن في الربع الأخير من عام 2023 انكمش الاقتصاد الاسرائيلي بـ20%، بينما في الربع الأول والربع الثاني الانكماش كان بحدود 1.5 إلى 2%".

لكن يرى الخبير الاقتصادي أن المشهد الاقتصادي لن يكون مريحاً مع استمرار العدوان واتساع دائرة الضرر، ومتوقعاً أن هذا الأمر ربما يدفع أصحاب المصالح الاقتصادية في إسرائيل، سواء من المصانع أم الإنشاءات أو المزارعين أو أصحاب البنوك، وحتى نقابة العمال إلى زيادة ضغوطها الاحتجاجية في الشارع على بنيامين نتنياهو لإجباره على وقف النار وقبول التهدئة.

ويشير عبد الكريم إلى أن الأوضاع الاقتصادية متردية في إسرائيل، وبالذات ما يتعلق بالدين العام وارتفاعه إلى 70% من الناتج المحلي الإسرائيلي، و"هو نسبة غير مسبوقة على الإطلاق في تاريخ الكيان".

ويلفت إلى أن استمرار وجود عجز في الموازنة أعلى مما كان مقدراً، فقد كان مقدراً للعام الحالي بنسبة 6.5% من إجمالي الناتج المحلي، أما اليوم فنتحدث عن 8% تقريباً على ضوء تنفيذ موازنة لمدة ثمانية شهور، وبالتالي يبدو أنه مرشح على أن تبقى 8 إلى 8.5% العجز مع نهاية العام.

ويقول: "هذا رقم كبير للغاية جرى تمويله بالدين طبعاً أو مساعدات أمريكية، وبالتالي ارتفاع الدين والعجز في الموازنة وعدم الاستقرار المالي والاقتصادي وتزايد المخاطر الجيوسياسية، دفع وكالة التصنيف الائتماني فيتش تخفيض التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي بنقطة واحدة مع استمرار النظرة السلبية المستقبلية، وهذا مهم لأنها ستبقي الاقتصاد تحت المراجعة، وقد تلجأ لتخفيضها من جديد تبعاً للتطورات، وبالتالي أعتقد أن الأوضاع الاقتصادية الإسرائيلية ليست على ما يرام، ومرشحة للمزيد من التردي".

وكان تحليل صحيفة "يديعوت أحرونونت" رسم صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل في ظل استمرار الحرب، مسلطةً الضوء على أن تناقص النمو مع مرور الوقت سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد وإنتاج المصانع أقل وبالتالي تأثر الربح، وتتضرر الصادرات وتنخفض بدلاً من أن تنمو، وهذا يؤثر أيضاً في الدخل المتاح للمواطنين، الذين يشترون منتجات أقل، ما يؤدي إلى دوامة من الضرر والتراجع لأن الشركات والمتاجر نتيجة لذلك قد تواجه صعوبات وتسريح العمال.

وقالت الصحيفة: "ربما لا يبالي الكثيرون بالوضع، لأنهم لم يشعروا بعد بآثار النمو السلبي في جيوبهم، إذ لم يُسرح العمال بعد، فمعدل البطالة الآن منخفض إلى حد ما (ما يزيد قليلاً على 3%)، ولا تزال المصانع والشركات لا تغلق أبوابها بمعدل أعلى من الأيام العادية، ويبدو أن الاقتصاد لا يزال يعمل بمعدل معقول، ولكن الأرقام تشكل إشارات مقلقة لما قد يحدث، إذا لم نستوعب الأمر في الوقت المناسب ونغير الاتجاه".

وأضافت: "استمرار الحرب، إلى جانب الافتقار إلى خطة طوارئ اقتصادية وتجميد مناقشات الميزانية، لا يبشر بالخير، وبدلاً من التفكير في كيفية الخروج من الوضع المخزي الذي نحن بصدده، فإن وزير المالية ورئيس الوزراء مشغولان بأمور أخرى. وإذا بدأ الركود هنا، كما تحاول الأرقام أن تشير إلينا، فإن هذا يعني فترة طويلة نسبياً من تباطؤ النشاط الاقتصادي. وسوف تنخفض التجارة، وينخفض ​​الإنتاج والتشغيل، وسوف يصبح الركود الاقتصادي، الذي ستشعر به كل أسرة في إسرائيل، مسألة وقتٍ فقط".

TRT عربي