بروبوتات مفخخة ومسيّرات قاتلة.. كيف يهجّر الاحتلال الفلسطينيين من شمال غزة؟
نجا عادل عبد الرحمن صالح وأسرته بـ"أعجوبة" وفق وصفه، بعد أن انهال منزل ابنته إثر قصف للاحتلال استهدف منزلهم ضمن منازل أخرى بحي تل الزعتر، ما اضطره للنزوح من المأوى الأخير للعائلة إلى مدارس أبو تمام التي تحولت إلى مخيم نازحين.
بالروبوتات والمسيّرات القاتلة.. كيف يهجّر الاحتلال الفلسطينيين من شمال غزة؟ / صورة: Reuters (Reuters)

ولم يكد يصل عادل إلى المدرسة حتى بدأت مسيّرات "كواد كابتر" تحوم فوق رؤوسهم، وتطالبهم عبر مكبرات الصوت بإخلاء المكان بشكل فوري والتوجه نحو طريق صلاح الدين الرابط بين شمال غزة وجنوبها.

ومنذ 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدأ الاحتلال قصفاً غير مسبوق على مناطق واسعة في شمال القطاع، وفي اليوم التالي اجتاحه برياً بذريعة "منع حركة حماس استعادة قوتها في المنطقة".

روبوتات قاتلة في كل شارع

ومن ملعب اليرموك وسط مدينة غزة، الذي تحول إلى مخيم إيواء آخر للنازحين، يصف عادل الهلع الذي عاشوه في الشمال "كانت الروبوتات الإسرائيلية تدخل الأحياء وتفجرها بالكامل، تحوّل المنازل إلى رماد في لحظات. الشوارع كانت مملوءة بالدبابات والقصف الذي يطيح بالجدران فوق رؤوس الناس".

يتابع عادل لـTRT عربي وهو يتذكر مشاهد الرعب: "كانت مسيرات كواد كابتر تقنص كل من يتحرك في الشوارع، أطفالاً وشيوخاً، بل حتى من كان في قلب غرفته، ومن لم تقتله كانت تسبب له بتراً في الأطراف وإصابات خطيرة في الرأس".

أسماء صبحي نازحة من بيت لاهيا، وترعى رضيعاً يتيماً بعد ما استشهدت عائلته، تصف اللحظات المؤلمة التي خاضتها في أثناء تهجيرها من منزلها : "كنا نقول (سنموت هنا)، لكن القذائف لم تترك مكاناً آمناً، حتى المدارس التي احتمينا فيها لم تسلم. معنا أطفال صغار، ولم نكن نعرف إلى أين نذهب".

تصف أسماء رحلتها لـTRT عربي: "خرجنا ونحن نركض، لاحقتنا المسيّرات، كانت تقصف الناس في الطريق بلا تمييز. وأصيب بعض النازحين معنا في بطونهم وأرجلهم، لم يسلم أحد. وعلى جانب الطريق، رأيت شيئاً يشبه الدبابات الصغيرة ينفجر وحده بشكل مفاجئ، وقتلت بعض من يسيرون بجانبنا"

في صوتها حزن دفين وهي تكمل: ". كان علينا أن نهرب من المسيّرات فوقنا والروبوتات على الأرض، فلم نأخذ شيئاً معنا، كل ما نملكه تركناه خلفنا، نحن الآن في الشوارع بلا مأوى، ومعي أيتام فقدوا أمهم وأباهم".

ولا تسمح قوات الاحتلال الإسرائيلي للنازحين بحمل أمتعتهم في أثناء النزوح، ما جعل حياتهم داخل الخيام ومراكز الإيواء غاية بالصعوبة، وتفتقر إلى أبسط مقومات العيش الإنساني.

ويسعى الاحتلال لفرض التهجير القسري على السكان الفلسطينيين، في شمال القطاع، مستخدماً أساليب اعتبرتها منظمات دولية أنها جرائم حرب، تحت وطأة قصف دموي ومنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.

مسيّرات القتل تطارد النازحين

رنا غبن، طفلة صغيرة نزحت من بيت لاهيا، تسرد تفاصيل مشابهة لما عاشته أسماء، تقول: "خرجنا من بيتنا بسبب القصف، متوجهين إلى متنزه البلدية بشمال المدينة، لكن على الحاجز، أطلق جنود الاحتلال النار على أقدامنا واعتقلوا والدي، وأصبحنا بلا معيل. أكملنا الطريق ورمينا نصف أمتعتنا لعدم قدرتنا على حملها"

وعن الوضع في الشمال قبل النزوح تقول رنا لـTRT عربي "كان مرعباً، مسيرة الكواد كابتر كانت تطلق النار باستمرار، والقذائف تسقط على المنازل والمدارس، كانوا ينادون علينا في مكبرات الصوت: "اخرجوا من المدارس، اتركوا المنازل".

في أثناء خروجنا، عندما كنا نمشي، كانت الطائرات تلاحقنا، والقصف لم يتوقف، وتسببت بإصابات خطيرة جداً، البعض كان ينزف حتى الموت لأننا لم نجد من يسعفه".

وفي حديثها عن الوضع الحالي في مخيم النزوح ، تقول رنا بحزن شديد: "وصلنا إلى متنزه البلدية في غرب غزة. لكن هل نحن بأمان الآن؟ لا. لا يوجد مكان آمن.. نحن نعيش وسط خوف مستمر".

ومع إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة والتطهير العرقي بمحافظة شمال قطاع غزة، تتواصل موجات النزوح نحو مدينة غزة، حيث يعيش النازحون أوضاعاً إنسانية قاسية داخل مخيمات إيواء مؤقتة.

وشهدت مدينة غزة انتشار مخيمات جديدة في ساحات عامة ونوادٍ وملاعب لاستقبال النازحين من شمال القطاع، تضم مئات العائلات التي اضطرت إلى النزوح تحت تهديد القصف والموت.

وفي هذه المخيمات، يعاني السكان نقصاً حاداً في إمدادات الطعام والمياه، إضافة إلى الأجواء المناخية شديدة البرودة التي تزيد من معاناتهم.

إبادة ممنهجة وتهجير قسري

منذ 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الاحتلال الإسرائيلي إبادة شاملة على شمال قطاع غزة. القصف العشوائي والوحشي الذي استهدف المنازل والمراكز الصحية والمدارس، أجبر نحو 130 ألف شخص على النزوح القسري، وفق تقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

لكن عملية النزوح لم تكن هروباً إلى بر الأمان، بل كانت رحلة محفوفة بالموت والخطر. تقول أحلام جودة، وهي نازحة من مشروع بيت لاهيا: "استشهد رب العائلة الذي كان يعولنا قبل خروجنا من البيت. القذائف أصابت المطبخ والطابق العلوي، وكان معنا 4 أطفال".

"خرجنا تحت القصف والقذائف فوق رؤوسنا في حالة من الفزع، المسيرات كانت تنادي عبر مكبرات الصوت: "اخرجوا فوراً". كثير من أفراد عائلتي أصيبوا وأخذناهم إلى مستشفى كمال عدوان، لكن الوضع كان مرعباً، لم نكن نعرف إلى أين نتجه".

وتصف أحلام لـTRT عربي، الإصابات التي شاهدتها كانت "مروعة، أصيب الناس في أطرافهم وصدورهم، البعض كان ينزف حتى الموت، لأن المشفى كان عاجزاً عن استقبال الأعداد الكبيرة من الجرحى".

تضيف أحلام بأسى وعجز: "أُصيب أيضاً أطفال من عائلتي، كما استشهد أخي، وشاهدنا جيراننا يستشهدون أمام أعيننا".

وتشير تقارير إلى أن الاحتلال يستخدم تكنولوجيا متطورة، مثل مسيّرات "كواد كابتر" والروبوتات المفخخة، بهدف مطاردة الفلسطينيين وتدمير منازلهم لتهجيرهم، وتواصل هذه الأدوات استهداف كل من يتحرك في الشوارع، حتى بعد إجبار السكان على النزوح.

ويقول الفلسطينيون، إن الاحتلال يسعى لتحويل المناطق المهجورة إلى منطقة عازلة خالية من السكان، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني في شمال القطاع.

ورغم المناشدات الدولية المتكررة لإدخال المساعدات الإنسانية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يواصل منع دخول أكثر من 8 آلاف شاحنة إغاثية إلى القطاع، وفق تقارير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة شمال القطاع "منطقة منكوبة" بعد الدمار الهائل الذي لحق بها.

وفي ظل استمرار الحرب والحصار، يعيش النازحون أوضاعاً إنسانية مأساوية في مراكز الإيواء المؤقتة والخيام التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، إضافة إلى نقص الطعام والماء، والبرد القارس يزيد من معاناتهم، بينما تحاول المبادرات الشعبية سد الفجوة، لكن الإمكانيات محدودة.

TRT عربي