أعلن الكرملين الاثنين أن الرئيس فلاديمير بوتين صرح لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، بأن روسيا مستعدة لتحرير الشحن البحري وتسهيل تصدير الحبوب دون عوائق من المواني الأوكرانية بالتنسيق مع تركيا.
كان ذلك أثناء مباحثات هاتفية بين الرئيسين، قال بوتين خلالها إن بلاده قد تصدّر "كميات كبيرة من الأسمدة والمواد الغذائية"، مشترطاً من أجل ذلك تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الروسي. ووفقاً لبيان الكرملين: "جرى التركيز على ضمان سلامة الملاحة في البحر الأسود وبحر آزوف والقضاء على تهديد الألغام في مياههما".
وتابع البيان: "أشار فلاديمير بوتين إلى استعداد الجانب الروسي لتسهيل العبور البحري غير المقيد للبضائع بالتنسيق مع الشركاء الأتراك. وهذا ينطبق أيضاً على صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية".
فيما يأتي هذا وسط مخاوف تسود العالم من احتمال حدوث أزمة غذائية كبيرة، لاضطراب سلال توريد القمح والأسمدة جراء الحرب في أوكرانيا، وكذلك ارتفاع أسعارها بفعل المضاربات في السوق العالمية. ما يجعل من الجهود التركية لفكر الحصار عن هذه الصادرات الغذائية طوق نجاة عالمي من خطر الجوع.
جهود تركيَّة لتجنيب العالم من الجوع
وفي هذا الصدد، شرعت الحكومة التركية في جهود تحقيق ما تباحث فيه الرئيسان على أرض الواقع. فأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الثلاثاء زيارة مرتقبة لنظيره الروسي سيرغي لافروف إلى تركيا في 8 يونيو/حزيران المقبل، مشيراً إلى أنها تأتي "لبحث فتح ممر تجاري آمن عبر مواني البحر الأسود يشمل مرور الحبوب".
كل ذلك يضع أنقرة في قلب مسؤولية تاريخية بتجنيب العالم خطر المجاعة، وكضامن لسريان القانون الدولي بخصوص حرية تنقل البضائع والسلع. هذا ما أوضحه جاويش أوغلو بالقول: "نحن الآن نؤدي دوراً مهماً في مغادرة السفن المحملة بالحبوب، من المواني بشكل آمن".
بينما تبقى معيقات أمام هذه الجهود التركية، من بينها نشر أوكرانيا ألغاماً بحرية بمنطقة أوديسا، والثانية العقوبات المفروضة على تأمين السفن الروسية في الملاحة الدولية والخدمات المقدمة لها في المواني.
وأردف وزير الخارجية التركي أنه: "من الناحية التقنية بالإمكان إزالة الألغام بين أسبوع أو أسبوعين، ولكن أوكرانيا لا تريد دخول السفن الحربية الروسية إلى أوديسا، وروسيا لا تريد وصول سفن شحن محملة بالأسلحة إلى المواني الأوكرانية"، وبالتالي "كيف يمكن أن نضمن كل هذا؟ لا بد من آلية مراقبة".
وفي سياق متصل، رحب الرئيس أردوغان بفكرة جعل إسطنبول مقراً لـ"آلية المراقبة". وأبلغ نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في اتصال هاتفي جمعهما الاثنين أنه "يثمن بشكل خاص مشروع إنشاء طريق بحري آمن لتصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية"، مشدداً على أن تركيا مستعدة لدعم أي جهود سلام بين أوكرانيا وروسيا.
أهمية جهود أنقرة
تكمن أهمية جهود أنقرة في أنها تقدم حلاً عملياً لأزمة المحاصيل المكدسة في أوكرانيا وأزمة الغذاء التي تهدد العالم. إذ بلغ مخزون كييف من الحبوب نحو 25 مليون طن، وتواجه البلاد خطر نفاد الطاقة الاستيعابية للمخازن مع قرب موسم الحصاد ودخول محاصيل جديدة.
وأمام أوكرانيا، بدلاً من تصريف تلك الصادرات عبر البحر، ثلاثة حلول أساسية: أولها التصدير عبر مواني رومانيا وبلغاريا، ثانيها التصدير عبر مواني دول البلطيق وبولندا، وثالثها التصدير عبر نهر الدانوب المار بحدودها الجنوبية.
هذا ولم تتمكن أوكرانيا من قبل من تصدير حبوبها إلى الأسواق الأوروبية براً، للاختلافات في كيفية بناء خطوط السكك الحديدية. لكون معظم سكك الحديد الأوكرانية مصممة حسب المواصفات الروسية، تعتمد مسافة أوسع بين قضيبي السكة، عكس مواصفات سكك الحديد داخل الاتحاد الأوروبي.
ما يعني أنه لكي يجري نقل الحبوب الأوكرانية بالقطار إلى معظم أوروبا، يجب أولاً تفريغها على الحدود ووضعها في عربات تتناسب مع متطلبات قياس المسار الأوروبي، وهي مهمة تستغرق وقتاً طويلاً ومكلفة. ما أكده وزير الفلاحة الأوكراني ميكولا سولكيي بحديثه عن المشاكل اللوجستية التي يواجهونها في هذا الصدد.
كذلك فيما يخص التصدير عبر الدانوب، حسب مستشار الداخلية الأوكراني، فإن المُصدّرين يعانون من ارتفاع الرسوم الجمركية لدخول الفضاء الأوروبي، ما يثقل كاهلهم المتعب أساساً من دخول وقف أعمالهم شهره الثالث منذ اندلاع الحرب.
وبالتالي، فإن معظم هذه الحلول ممتنعة، ما يجعل الأفضلية للحل الذي تسعى الجهود التركية لتحقيقه.