تسعى إسرائيل لتنفيذ مخطط استيطاني يُعرف بمنطقة "إي واحد" (E1)، وذلك من خلال بناء مستوطنة جديدة تربط مستوطنات مدينة القدس المحتلة بمستوطنة معاليه أدوميم.
ويؤكد باحثون أنّ هذا المخطط ليس جديداً، وقد أعلنت بلدية القدس مرات عدة محاولتها تنفيذه.
وصدّقت الحكومة الإسرائيلية على تعديل قانون يختصر مراحل إقرار البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، ومنحت بتسلئيل سموتريتش وزير المالية وزعيم حزب الصهيونية المتطرف صلاحيات التصديق على قرارات البناء الاستيطاني دون الحاجة إلى موافقة وزير الدفاع وفقاً للإجراءات المعمول بها سابقاً.
وحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة بما فيها القدس 726 ألفاً و427 مستوطناً موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (غير شرعية)، منها 86 بؤرة رعوية زراعية حتى بداية 2023.
مخطط "E1"
ويقضي المخطط الاستيطاني ببناء 3412 وحدة استيطانية، تستوعب 14 ألفاً و500 مستوطن على أراضٍ فلسطينية شرقي القدس. من شأن ذلك أن يؤدي إلى عزل مدينة القدس المحتلة من جانبها الشرقي، وتقسيم الضفة الغربية إلى جزأين منفصلَين، ومنع التواصل بين جنوب الضفة وشمالها.
إسرائيل تنتهج الهدم الفردي للمنازل بواقع 30 إلى 40 منزلاً ومنشأة في القدس شهرياً، كما يوجد رابط بين تصعيد سياسة الهدم ومخطط "E1".
وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد أرجأت أكثر من مرة التصديق على إقامة المشروع الاستيطاني بسبب معارضة الإدارة الأمريكية.
في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2012 أمرت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بدفع الإجراءات التخطيطية الخاصّة بآلاف الوحدات الاستيطانية في إطار المخطط "E1" في المنطقة التي تربط معاليه أدوميم بالقدس.
وترى واشنطن أنّ المخطط يقضي على حلّ الدولتين ويعزل القدس عن الامتدادات الفلسطينية الأخرى، ويقطع أجزاءَ الضفة بعضها عن بعض، لكنّ حكومة تل أبيب الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو تعمل على تسريع وتيرة الاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، مدفوعة بأجندة يمينية متطرفة.
في السياق، نددت الخارجية الفلسطينية بالمشروع، وأكدت أنّه يقطع الطريق أمام فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض بعاصمتها القدس الشرقية تطبيقاً لمبدأ حل الدولتين.
وفي هذا الصدد يوضّح الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي أنّ الهدف من مخطط "E1" هو "الوصول إلى أغلبية إسرائيلية وأقلية عربية في القدس".
ويضيف لـTRT عربي بأنّ إسرائيل تعتبر القضية الديمغرافية هي أساس كل شيء "بعد أن تمّت السيطرة على 87% من مساحة القدس التي جرى توسيعها بعد عام 1967".
ويشير التفكجي إلى ما يتناوله بعض مراكز الأبحاث بأنّ عام 2040 سيكون فيه أغلبية فلسطينية تقارب 55% مقابل 45% يهود على أراضي القدس، معرباً عن اعتقاده بأنّ هذه الأبحاث "أشعلت الضوء الأحمر أمام إسرائيل لتصعيد هدم المنازل وطرد الفلسطينيين وسحب الهويات وحرمان المقدسيين من منازلهم، بحجة قانون أملاك الغائبين وغيره".
ويرى الخبير في شؤون الاستيطان أنّ كل ما يتعلق بهذا المخطط هدفه تقليل نسبة الفلسطينيين في القدس، لتصل إلى 12% مقابل 88% أغلبية إسرائيلية، حسب التفكجي.
وكان من المقرّر أن تعقد اللجنة الفرعية للاعتراضات في المجلس الأعلى للتخطيط والبناء الاستيطاني جلسة استماع بشأن مخطط "E1"، لكنها أرجأتها هذا الأسبوع.
22 ألف منزل مُهدَّد
وفي جلسة الحكومة الأسبوعية، طالَب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية بضغط دولي على إسرائيل لوقف تنفيذ المخطط، تزامناً مع تصريحات لمستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي، قال فيها إنّ ما يقارب 22 ألف منزل فلسطيني في القدس مُهدَّد بالهدم من إسرائيل في إطار تهويد المدينة.
وحسب الرويضي، فإنّ إسرائيل تنتهج الهدم الفردي للمنازل بواقع 30 إلى 40 منزلاً ومنشأة في القدس شهرياً، لافتاً إلى أنّه يوجد رابط بين تصعيد سياسة الهدم ومخطط "E1".
وأضاف بأنّ "عقلية صانع القرار في حكومة إسرائيل تقوم على التطرف وسياسة التهجير القسري والتوسع الاستيطاني، فيما صمت المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية يشجعها على التغول في سياساتها في مجمل الأراضي الفلسطينية، لا سيما في القدس".
يشار إلى أنّ سياسة الهدم الإسرائيلية تركز حالياً -وفق الرويضي- على البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها في شرق مدينة القدس المحتلة، بزعم وجود مخالفات بناء وعدم الترخيص، علماً بأنّ 12% فقط من مساحة المدينة يجري السماح للفلسطينيين بالبناء فيها.
وحول ذلك يقول الباحث في علوم القدس الدكتور عبد الله معروف إنّ "أيّ منزل مُهدَّد بالهدم في القدس، وفي حال هدمِه تجري السيطرة على أرضه مباشرة من قِبل الجماعات الاستيطانية لبناء مستوطنات عليها".
ويؤكد لـTRT عربي أنّ ذلك يساهم في تكثيف الوجود الإسرائيلي في المدينة المقدسة، ويؤدي إلى "فصلها بالكامل، وإحاطة المدينة بحزام من المستوطنات، لعزلها عن محيطها العربي والإسلامي في الضفة الغربية".
سياسة الردع
ويبدو أنّ رقم المنازل المُهدَّدة بالهدم في القدس يتجاوز 22 ألفاً، وقد يصل إلى 26 ألف منزل، حسب الباحث في شؤون القدس الدكتور جمال عمرو.
ويضيف في حديثه لـTRT عربي بأنّ "الإسرائيليين ليسوا في عجلة من أمرهم، فهم يهدمون ضمن سياسة الردع ويحصلون على الأموال من خلال الهدم".
ويُقصَد بسياسة الردع التي تتبعها السلطات الإسرائيلية، الاستراتيجية التي تربط بين هدم المنازل واعتباره عقاباً في محاولة للحد من عمليات الفلسطينيين ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضّح أنّ الفلسطينيين في القدس يُجبَرون "على هدم منازلهم بأيديهم بعد إخطارِهم، وتصل فاتورة أجرة معدّات الهدم الثقيلة التابعة لبلدية الاحتلال بين 100 و160 ألف شيكل (27-44 ألف دولار)"، واصفاً سياسة الهدم التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية بـ"الدجاجة التي تبيض ذهباً".
ويقول عمرو إنّ كثيراً من المقدسيين يلجؤون إلى المحامين والمحاكم، في محاولة لمنع قرار هدم منازلهم، لافتاً بالقول: "تستنزف إسرائيل جيوب المقدسيين الذين هم تحت خط الفقر أساساً، يضطرون إلى دفع مبالغ كثيرة لسنين طويلة وفي النهاية يُصدَر قرار بالهدم، وفي أوقات كثيرة لا يُعطى المواطنون الوقت لإخراج أثاثهم من بيوتهم، وفي بعض الأحيان يُمنحون وقتاً قليلاً للإخلاء قبل إتمام الهدم".
ويؤكد الباحث في شؤون القدس أنّ هذه هي السياسة الإسرائيلية، التي تهدف إلى عزل الفلسطينيين عن التواصل بعضهم مع بعض، ما يعني "الحدّ من مواجهة الاحتلال والتصدي له".
ويضيف: "هذا العزل يُضعِف القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والاقتصادي والصحي والتعليمي، فنحن أمام مخطط مُبرمَج، والاحتلال لا يعذّب الفلسطينيين فقط، بل إنّ هدفه أخطر من ذلك بكثير، فهو يهدف إلى الاستيلاء على الأراضي ومنع الناس من الوصول إلى المناطق، ما يمنح الاحتلال مساحة شاسعة جداً من أراضي الضفة الغربية".
وشهد عام 2023 منذ انطلاقته تصاعداً في هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين. ووفق مراقبين فلسطينيين فإنّ عام 2022 كان من أسوأ السنوات منذ 1967 جراء تصاعد الاستيطان والاعتداءات. ونفّذ المستوطنون 1.187 اعتداء، تراوحت بين مشاركة الجيش الإسرائيلي في اقتحامات للمدن والتجمعات الفلسطينية والاعتداء المباشر على المواطنين وممتلكاتهم.