اللغة هي الظاهرة الوحيدة التي تميز البشر عن الكائنات الحية الأخرى وتؤرخ لحضارتهم منذ ابتكار الكتابة المسمارية من قبل الآشوريين سنة 3600 قبل الميلاد. إذن، فهل للغة تأثير على التكنولوجيا؟ أو هل للتكنولوجيا تأثير على اللغة؟ وفقاً للخبراء، فإن الإجابة نعم، حيث إن التفاعل بين التكنولوجيا واللغة ملحوظ للغاية، فكلاهما يؤثر على الآخر وبشكل ما على الثقافة أيضاً.
وإذا ما تحدثنا عن التكنولوجيا التركية فإن أول ما يخطر على بال الكثير منا هو المسيّرات التركية التي أحدثت نقلة نوعية في استراتيجيات الحروب ونقلتها إلى بُعد آخر بعيداً عن نمطها التقليدي المعهود منذ ما يقرب قرناً من الزمن. فيما تجاوز تأثير المسيّرات التركية من طراز "بيرقدار" و"أقنجي" و"عنقاء" وغيرها، التي صنعت من أجل التراكيب اللغوية بشكل خاص، ساحات المعارك وحلقت فوق سماء اللغات الأجنبية وثقافاتها.
وعن ظاهرة امتداد تأثير المسيّرات إلى اللغات والثقافات الأجنبية، تحدث موقع (TRT Haber) إلى عضو هيئة التدريس بجامعة باشكنت البروفيسور سوير أكير عن العلاقة بين التكنولوجيا واللغة وانعكاس فعالية اللغة التركية في التكنولوجيا على اللغات والثقافات الأجنبية.
التكنولوجيا وتأثيرها على اللغات والثقافات
الأسبوع الماضي، دعت السلطات الفرنسية إلى استخدام المصطلحات الفرنسية في الألعاب الألكترونية بدلاً من المصطلحات الإنجليزية، في خطوة احتياطية اتخذها الفرنسيون لحماية لغتهم وثقافتهم التي تغذيها التكنولوجيا.
والحقيقة أنه بدون لغة، يمكننا أن نفترض أن حضارة اليوم والتكنولوجيا لن يكونا موجودين. انطلاقاً من وجهة النظر هذه، يمكننا أن نفترض أن حضارة اليوم والتكنولوجيا لن تكون موجودة إذا لم تكن اللغة موجودة، وأن البشر، مثل الكائنات الحية الأخرى، لن يكونوا قادرين على تجاوز كونهم مخلوقات متوافقة تماماً مع الطبيعة.
أما عن تأثير التكنولوجيا على اللغة فقد بدأت على وجه الخصوص بالتزامن مع تراكم تقنيات المعلومات التي بدأت تنشئ واجهة بين الإنسان والآلة في الظهور بعد الخمسينيات. التطورات في تكنولوجيا المعلومات، وبالأخص في بيئة الإنترنت، أصبحت أداة نقل ومشاركة مهمة، حيث مكنت أيضاً من تطوير العالم الرقمي الذي صنعه الإنسان رفقة اللغات الاصطناعية (البرمجة) التي يمكن أن تحل محل الذكاء البشري.
المسيّرات التركية تحلق فوق اللغات والثقافات الأجنبية
يعد اختيار "بيرقدار" كاسم لحديثي الولادة في أوكرانيا من بين أقرب الأمثلة على قوة تأثير التكنولوجيا التركية على اللغات والثقافات الأجنبية.
فحقيقة أن تركيا من بين أكثر الدول تطوراً في العالم في مجال تكنولوجيا المركبات الجوية غير المأهولة مؤخراً، والعلامات التجارية التركية مثل "أقنيجي" و"عنقاء" و"أتاك" و"بيرقدار" إلى جانب أنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى، مكنت اللغة التركية من ترك بصمة على لغات وثقافات الدول التي تشتري وتستعمل هذه التقنيات، وذلك بعد أن جرى إدراج أسماء الذخائر والمعدات في مصطلحات عدة لغات.
وتأكيداً على ما ذكر أعلاه، فبينما يجري إنتاج التكنولوجيا المحلية، سيجري أيضاً إنتاج المصطلحات المحلية بشكل طبيعي في مرحلة ما. كما يمكننا أيضاً التعريج على الآراء القائلة بأن اللغة التركية هي أنسب لغة لبرامج الكمبيوتر كملاحظة. فاللغة التركية، مثل اللغات الأخرى، في وضع ناجح نسبياً في إنتاج لغة التكنولوجيا.
فعالية التركية في لغة التكنولوجيا
مثل كل اللغات الأخرى، تتمتع التركية بالقدرة على إنتاج مصطلحات لا حصر لها بطرق وأساليب مختلفة. بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أن اللغة الإنجليزية أصبحت اللغة الشائعة في مجالات العلوم والاتصالات وتكنولوجيا الشبكات والقنوات إلى حد كبير، أثبتت اللغة التركية مرونة كبيرة وأنتجت مصطلحاتها الخاصة في الكثير من الأحيان.
والمجتمعات التي لا تستطيع إنشاء وتطوير لغتها العلمية الخاصة لا تستطيع الهروب من تأثير اللغات الأخرى. وهذا بطبيعة الحال يعيق التطور العلمي والتكنولوجي ويؤدي إلى الإدمان التكنولوجي، ما يزيد بالتالي من إدمان اللغة، حيث إن كل منتج تكنولوجي مستورد يأتي بمصطلحاته معه.
والاعتماد الكلي على اللغات الأجنبية في المجالات ليس ضعف اللغة، بل ضعف المتحدثين بها. ومثل كل لغة، تتمتع التركية بالقدرة على إنتاج عدد لا يحصى من المصطلحات بطرق وأساليب مختلفة، بما في ذلك النسخ الدلالي.