حينما ضربت كارثة الزلازل المدمرة جنوب تركيا في فبراير/شباط الماضي، وأودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص فضلاً عن تشريد الملايين وإلحاق الدمار بـ11 ولاية، انهالت التحليلات المحلية والدولية بتوقعات حول تأثير ذلك على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات، وكيف يمكن أن تتراجع شعبيته بالنظر لحجم الكارثة.
لكن، جاءت نتيجة الانتخابات مخالفة لكل تلك التوقعات وأثبتت خطأها الفادح، إذ حقق أردوغان وتحالف الشعب فوزاً مريحاً في العديد من الولايات المنكوبة بالزلازل، بل حتى في مركز الكارثة قهرمان مرعش ومناطق أخرى تضررت بشدة، مثل ملاطية، وغازي عنتاب، وعثمانية، وكيليس وهطاي.
وتصدّر أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الأصوات في 8 ولايات متضررة من أصل 11، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على السواء، فيما لم يتصدر كمال كليجدار أوغلو، المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري، إلا في ولايتين فقط هما أضنة وديار بكر وبفارق ضئيل.
في هاطاي، حقق كليجدار أوغلو تفوقاً طفيفاً في الانتخابات الرئاسية، بينما تمكن حزب العدالة والتنمية من انتزاع فوزاً ساحقاً، إذ حصل على 34 بالمئة من الأصوات مقابل 28 بالمئة لحزب كليجدار أوغلو.
عقب وقوع الكارثة، زار الرئيس أردوغان المناطق المنكوبة عدة مرات، وسرعان ما أعلن عن إطلاق مشروع بناء ضخم لإعادة إعمار الولايات المتضررة، حيث تداعت أو تضررت بشدة عشرات آلاف البنايات.
تخطط حكومة الرئيس أردوغان لبناء 650 ألف وحدة سكنية، تتضمن 143 ألف بيتاً ريفياً في القرى التي ضربتها الزلازل وسببت دماراً هائلاً في الأرواح والممتلكات.
وقد تعهدت الحكومة بتسليم 319 ألف وحدة سكنية على الأقل خلال عام واحد، فيما تم توفير آلاف المنازل المؤقتة أو الخيم كمأوى للمتضررين لحين تسليم منازلهم.
وقد أظهرت نتيجة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أن تلك الجهود الاستثنائية قد أثمرت، إذ وضع الناخبون في غالبية تلك المناطق ثقتهم في التحالف الذي يقوده الرئيس أردوغان، ومنحوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية.
لنلقٍ نظرة على تصويت الولايات المتضررة في الانتخابات التي جرت يوم 14 مايو/أيار الجاري:
قهرمان مرعش
تعد قهرمان مرعش، التي يعيش فيها نحو مليون نسمة، من أكثر الولايات التي تضررت جراء الزلازل المدمرة، حيث كانت مركز هزتين أرضيتين متتاليتين بقوة 7.7 و7.6 على مقياس ريختر، في فبراير/شباط الماضي.
ومنح نحو 72 بالمئة من السكان أصواتهم للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، بينما لم يحصد كمال كليجدار أوغلو سوى 22 بالمئة فقط من الأصوات.
أما في الانتخابات البرلمانية، فقد حقق حزب العدالة والتنمية أيضاً نجاحاً لافتاً بحصوله على 48 بالمئة من الأصوات مقابل 16 بالمئة فقط لصالح حزب الشعب الجمهوري، فيما حصد حزب الحركة القومية وحليف العدالة والتنمية، على 16 بالمئة من الأصوات، متعادلاً بذلك مع الشعب الجمهوري في مركز وقوع الكارثة.
حرص الرئيس أردوغان على زيارة قهرمان مرعش عدة مرات، وأكد أكثر من مرة في خطاباته هناك، أن أهلها ممن فقدوا أحبائهم وبيوتهم لن يكونوا وحدهم، وفي مارس/آذار الماضي، وضع الرئيس أردوغان بنفسه حجر الأساس لبناء 7 آلاف و353 وحدة سكنية و620 بيتاً ريفياً في قهرمان مرعش.
أدي يامان
تعدّ تلك الولاية التي تقع في الجنوب الشرقي، أحد معاقل حزب العدالة والتنمية، وقد تضررت بشدة أيضاً جراء الزلازل التي ضربتها، رغم ذلك فقد منحت غالبية أصواتها للرئيس أردوغان بواقع 66 بالمئة من الأصوات في الانتخابات، فيما لم يحصل كليجدار أوغلو سوى على 31 بالمئة فقط.
وفي الانتخابات البرلمانية، فقد حصل حزب العدالة والتنمية أيضاً على 52 بالمئة من الأصوات مقابل 19 بالمئة فقط للتحالف اليساري.
ومثل قهرمان مرعش، أطلقت حكومة الرئيس أردوغان مشروعاً ضخماً لإعادة بناء المنازل المدمرة.
وفي مارس/ آذار الماضي، أثناء وضع حجر الأساس لبناء 4 آلاف و431 وحدة سكنية، قال الرئيس التركي: "عدد المباني السكنية التي نعتزم بنائها في أدي يامان حوالي 50 ألف، بالإضافة إلى 23 ألف و640 بيتاً ريفياً".
ملاطية
هذه الولاية تتشابه أيضاً مع قهرمان مرعش وأدي يامان، فهي معقل حزب العدالة والتنمية منذ سنوات، وهو الأمر الذي لم يتغير رغم تضررها البالغ بالكارثة.
فقد منح 69.39 بالمئة من سكان ملاطية أصواتهم للرئيس أردوغان مقابل 27.02 بالمئة فقط لكليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، فيما انحازوا لحزب العدالة والتنمية على حساب حزب الشعب الجمهوري بفارق كبير في الانتخابات البرلمانية.
في منتصف أبريل/نيسان الماضي، حضر الرئيس أردوغان إطلاق مشروع بنائي ضخم في ملاطية، حيث تعتزم الحكومة بناء 70 ألف وحدة سكنية و25 ألف و300 بيتاً ريفياً للناجين من الزلازل.
هطاي
أما تلك الولاية الحدودية، التي تحتوي على الميناء الحيوي والهام إسكندرون، فقد ضربتها الزلازل بقوة وتسببت في دمار واسع طال حتى بعض المواقع التاريخية في مركز الولاية، أنطاكية.
ورغم أن عمدة الولاية ينتمي لحزب الشعب الجمهوري، فقد تقاربت نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ حصل كلاً من أردوغان وكليجدار أوغلو على حوالي 48 بالمئة من الأصوات بفارق ضئيل.
أما في الانتخابات البرلمانية، فقد تفوق حزب العدالة والتنمية على حزب الشعب الجمهوري بفارق كبير، إذ حصد 34 بالمئة من الأصوات مقابل 28 بالمئة فقط للأخير.
ولايات أخرى
بجانب هذه الولايات التي تعدّ الأكثر تضرراً بالهزات الأرضية المدمرة، فقد انتزع الرئيس أردوغان فوزاً حاسماً في غازي عنتاب (60/35)، وشانلي أورفة (62/32)، وعثمانية (62/31)، وكيليس (66/27)، وإلازيغ (67/28)، فيما استمرت بقية الولايات المتضررة معاقل لحزب العدالة والتنمية مثلما كانت دون أن تتأثر بالكارثة.
وفي هذه الولايات الخمس، حصد حزب العدالة والتنمية الأصوات البرلمانية بفارق كبير عن منافسيه.
وبأضنة وديار بكر تفوق حزب العدالة والتنمية على حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البرلمانية.