وصفت منظمة الصحة العالمية الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، بأنها "أكبر كارثة خلال قرن في أوروبا"، معتبرة أن التعافي منها سيستغرق "وقتاً وجهداً هائلَين".
الزلزال بقوة 7.7 درجات، خلف عشرات آلاف القتلى، وأكثر من 50 ألف مبنى مرشح للهدم في تركيا وحدها، و26 مليون إنسان تأثروا مباشرة بآثار الزلزال في البلدين، حسب منظمة الصحة العالمية، وهو ما يعادل عدد سكان أستراليا.
فكلما كان الدعم الدولي سريعاً وكبيراً، ساعد ذلك على إنقاذ أكبر قدر من الأرواح البشرية، سواء أولئك الذين تحت الأنقاض ومن هم مشردون بلا مأوى وبلا غذاء أو دواء، فحياة الإنسان على المحكّ، ولا مجال للتأخُّر أو التردُّد.
هل لتقديم الدعم إلزام قانوني؟
ليس في القانون الدولي ما يُلزِم الدول تقديم مساعدات إنسانية بحجم معين في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تضرب أي دولة في العالم، بل التزام أخلاقي من الدول والمنظمات غير الحكومية تجاه تقديم المساعدات الإنسانية "من أجل إنقاذ جماعة بشرية في حالة خطر مؤكد".
فكل دول العالم معرَّضة للكوارث الطبيعية المدمّرة مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير، ناهيك بالتسونامي، ما يخلّف خسائر بشرية ومادية متفاوتة يصعب في بعض الأحيان على أي دولة مواجهتها بمفردها، بخاصة إذا كانت الكارثة كبيرة بحجم زلزال قهرمان مرعش، أو كانت قدرات الدولة متواضعة مثلما هو الحال في سوريا.
هذا الوضع يحتّم على الحكومات بحث آليات جديدة للتضامن الدولي في الكوارث والأزمات الطبيعية، سواء خلال مرحلة البحث والإنقاذ، أو مرحلة إعادة الإعمار.
هذا التضامن الدولي متفاوت الحجم، يفتح باب النقاش حول وجود حد أدنى من الإلزام القانوني إلى جانب الالتزام الأخلاقي للدول من أجل تقديم مساعدات إنسانية للمجموعات البشرية التي تواجه كوارث مهددة للحياة أو تؤثّر في طبيعة الخدمات الأساسية للناس.
فالمجتمع الدولي بحاجة إلى طرح أفكار جديدة وتحويلها إلى آليات تنفيذية عاجلة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية وحتى الصحية مثل الأوبئة التي تهدد الحياة البشرية.
كأن يؤسَّس صندوق دولي للمساعدات الإنسانية تساهم فيه كل دولة بنسبة حسب ناتجها الداخلي الخام، تكون له القدرة على الاستجابة السريعة لمثل هذه الكوارث التي تهدد الأرواح البشرية.
فزلزال قهرمان مرعش دقّ جرس الإنذار بضرورة أن يتعاون المجتمع الدولي لتنظيم وتقنين المساعدات الإنسانية بمختلف أشكالها حتى تكون أسرع وأكثر فاعلية في إنقاذ الأرواح البشرية في الحالات الطارئة والمستعجلة، وإعادة إعمار ما دمّرته الكوارث الطبيعية، وتقديم الخدمات المناسبة لمواجهة الحاجات الأساسية للمتضررين.
اتفاقية دولية لم ترَ النور بعد
والأمم المتحدة، عَبْر لجنتها للقانون الدولي، تبذل جهودا لوضع اتفاقية دولية بشأن "حماية الأشخاص في حالات الكوارث".
ففي 2007 أدرجت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة موضوع "حماية الأشخاص في حالات الكوارث" ضمن برنامج عملها، وعيّنَت "إدواردو فلنسيا أوسبينا" مقرراً خاصاً.
وشرعت اللجنة منذ ذلك التاريخ في إعداد دراسة حول الموضوع وتقديم مشروع قانون بشأن "حماية الأشخاص في حالات الكوارث"، ومناقشتها مادة مادة مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لتصبح اتفاقية ذات طابع إلزامي للدول الموقعة عليها مستقبَلاً.
لكن بعض موادّ مشروع القانون لم يَحظَ بالإجماع، وشهد معارضة عدد من الدول التي لا تريد أن يكون لبعض موادّ هذا القانون طابع إلزامي من شأنه أن يمسّ سيادة الدول واستقلال قرارها.
ومن شأن وضع اتفاقية دولية أو أي إطار قانوني ينظّم عملية تقديم المساعدات الإنسانية المساهمة في تقليل آثار الكوارث الطبيعية والبيئية، لكن ذلك يحتاج أيضاً إلى آليات قانونية تجعل الحكومات أكثر انخراطاً في تقديم الدعم والإعانات للدول المتضررة.