غزة ـــ للفقر ألمٌ موجع لا يمكن تحمّله، داءٌ ينخر في جسد العائلات التي تعاني منه وتنتظر الدواء على هيئة فرج لربما ينقذهم من مطبّاتِ الحياة. إذ زادت نسبة الفقر في غزة حسب آخر أرقام جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني من 38.8 % في سنة 2011 ليصل إلى 53.0 % في سنة 2017. السببُ هو الحصار الذي أغلق المنافذ أمام الغزيين وحرمهم من العمل والنهوض بحياتهم الاقتصادية، كما أجبر الآلاف من العائلات على العيش تحت خطّ الفقر وفي بيوت منهكة تنتظر المساعدات من أجل إطعام أطفالها.
بيوت متفتّتة
هيكل بيوت الفقراء لا يتحمل صيفا حاراً ولا برد شتاء، لا تحمي ساكنيها من أيّ شيء، تجلب لهم المعاناة وتثقل كاهليهم بالأوجاع، تشعر الأمّ بضيق الحال عندما ترى بيتها لا يحتمل الجلوس فيه، كأنه من كثرة الهموم بدأ يتساقط على رأسها متفتتاً.
تحكي أم أحمد سامر (38 عاماً) لـTRT عربي: "أنظر حولي فأرى البيت فارغاً، لا يحتوي حتى على الضروريات الأساسية للحياة. الثلاجة فارغة. أحاول كلّ يوم أن أُنسيَ أطفاليَ الجوع بخبز الزعتر والدقة، أعلم أنهم أطفال ومن حقهم أن يأكلوا مختلف أنواع الطعام، لكنّ هذه الظروف التي فُرضت علينا منذ أكثر من عشر سنوات لا تسمحُ بذلك. زوجي عاطلٌ عن العمل منذ أكثر من خمس سنوات ونعيش على بعض المساعدات البسيطة".
كلّ امرأةٍ تحلُم بأن يكون لها بيت جميل ومستقر وهادئ، لكنّ الظروف كانت عكس ما حلمت به أم محمد. تقول بأسى: "حلمي الوحيد أن يكون لديّ بيت مناسب، صبرت كثيراً علّ يوماً يأتي لأرتاح. أشعرُ بالحسرة عندما أدخل إلى المطبخ ولا أجد مياهاً ولا طعاماً، وأبكي من شدّة القهر".
البطالة.. وَجع الآباء
تعاني غزة من ارتفاع نسبة البطالة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض منذ عام 2007 على القطاع. إذ أغلقت جميع منافذ فرص العمل في مختلف المجالات، خاصّةً المجالين التجاري والصناعي، ولا يملك المواطنون دخلاً يساهم في سير العجلة الاقتصادية. ذكر الإحصاء المركزي أيضاً بأن نسبة البطالة في غزة ارتفعت نحو 52 % خاصةً في صفوف خريجي الجامعات الذين لم يجدوا فرص عمل لعولِ أسرهم.
"ما معي" كلمتان يكره الأطفال سماعهما من آبائهم، وفي أغلب الأوقات يُفضّلون عدم طلب أي شيء منهم حتى لا يسمعوهما. يحكي أبو أحمد سامر (45 عاماً) لـTRT عربي: "قبل سنوات الحصار كنت أعمل في مجالات الزراعة والبناء من أجل توفير احتياجات أطفالي، وكان دخلي يومياً يقارب سبع دولارات، وكان يكفيني على الأقلّ لإطعام أطفالي، أمّا الآن فقد اختلف الأمر تماماً".
أماكن التنزّه عبارة عن مزابل
الأطفال في هذه المناطق الفقيرة لا يخرجون من بيوتهم ومناطقهم، لأنهم لا يملكون المال للتنقّل إلى مناطق أخرى حيث يوجد البحر وأماكن التنزّه، ويضطرون أحياناً إلى قطع مسافاتٍ طويلة مشياً على الأقدام للوصولِ إلى البحر.
يقول أبو أحمد سامر لـTRT عربي: "يشعر أبنائي طوال الوقت بالملل، كلّ ما يملكونه هو الجلوس على الرمال قرب البيت، على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، والبرد خلال الشتاء. المال الذي معنا لا يكفي حتى للطعام، فكيف بالترفيه؟"
تعوّد الأطفال على الفقر
أصبح الفقر جزءاً من حياة الأطفال في غزة. ينامون ويستيقظون على حياةٍ مؤلمة لا تتغير بتغير الفصول ومرور الزمن. يمرّ الوقتُ ثقيلاً بألعابٍ بسيطة، أو بالرّكض، أو بالجلوسِ مع أهاليهم.
تقول أمّ أحمد سامر: "بعد عصر كلّ يوم نجلس على الرمال أمام المنزل ونتحدث سوياً. من أبنائي مَن يفكر بلعبة يصنعها من الخشب لكي تشغل وقته، ومن يتحدث عن الدراسة. أمّا أنا فأحدّثهم عن أهمّية الدراسة باعتبارها الحلّ الوحيد الذي سينقذهم من هذه الأوضاع الصعبة. ربما سيكون مستقبلهم أفضل مما يعيشونه اليوم".
بيوتٌ في الجحيم
إنّ العيشَ في بيتٍ من الصفيح يشبه العيش في جحيم خلالَ فصل الصيف، أما خلال الشتاء، فالبردُ غير محتمل، والأمطار تتسرّب إلى الداخل، والأطفال يسقطون مرضى طريحي الفراش. يعيش هؤلاء الناس في بيوت مغطاةٍ بأسقفٍ من الصفيح، لأنهم لا يملكون المال لتغطيتها بالإسمنت.
سوزان حنيدق (40 عاماً) تحكي لـTRT عربي قصّتها: "العيش في بيت من الصفيح أشبه بالعيش داخل فرن مشتعل، نقضي طول النهار في الشارع بحثاً عن نسمات هواء بارد خلال الصيف، وفي الشتاء نغرقُ في الأمطار. لا خيار لدينا سوى التحمّل، فزوجي عاطل عن العمل، وأحياناً لا نستطيع توفير حتى الطعام".
هكذا ينظر الفقراء إلى العالم
"أظنّ أنّ الآخرين يستطيعون شراء ما يريدون، وتناول ما يشتهون دون أن يفكروا إذا كانت النقود ستكفي أم لا"، يقول خالد البالغ من العمر اثنتي عشر عاماً،وفي عينيه ألمٌ موجِع وتوسّل.
ويضيف الطفل خالد: "أظنّ أن الأطفال الآخرين يذهبون الى البحر والمنتزهات ويشترون ألعاباً يستمتعون بها خلال العطل الصيفية، وأنهم لا يشعرون بالبرد الشديد، ولا يضطرون لتحمّل المرض طوال الشتاء".