عيد السيادة والطفل في تركيا .. تعظيماً لسيادة الأمة وتكريماً لنضال الأطفال
قبل 102 عام، في مبنى قديم وسط العاصمة التركية أنقرة وعلى مقاعد مدرسية متهالكة وتحت أضواء قناديل كازية بسيطة، انعقد أولّ اجتماع إيذاناً بتأسيس مجلس الأمة الكبير (البرلمان التركي).
يصادف اليوم عيد الطفولة والسيادة في تركيا  (AA)

جاء ذلك في خضم حرب الاستقلال التي خاضها الشعب التركي ضد الغزاة الذين كانوا يسيطرون على أجزاء من البلاد من الاتجاهات كافة ليكون دافعاً لانتصار الأمة التركية على الأعداء وتأسيس الجمهورية وليتخلّد شعاره الكبير "السيادة للأمة بلا قيد أو شرط".

هذه الجلسة التي خلّدها التاريخ عُقدت في الثالث والعشرين من أبريل/نيسان عام 1920 لتأسيس مجلس الأمة الكبير الذي لعب دوراً كبيراً في حرب الاستقلال، ويبقى حتى اليوم رمزاً لتعظيم سيادة الأمة وقوة الجمهورية ودوره الحاسم في حماية البلاد من حرب الاستقلال وحتى محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 وما بينهما من أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية مختلفة مرّت بها البلاد حتى اليوم على مدار 102 عام.

ولأهمية هذا اليوم في التاريخ التركي، بدأ الاحتفال بتاريخ تأسيس البرلمان التركي (23 من أبريل/نيسان) باعتباره عيداً للسيادة الوطنية قبل أن يُدمج معه عيد الطفولة تكريماً لنضالهم ولإدخال السعادة على الأطفال الذين استُشهد آباؤهم في حرب الاستقلال ليصبح لاحقاً اسمه "عيد الطفولة والسيادة الوطنية" والذي أهداه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك لأطفال تركيا والعالم، يحتفلون به كلّ عام حتى اليوم.

تأسيس مجلس الأمة الكبير

عقب الهزيمة التي تعرّضت لها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى واحتلال بريطانيا أجزاء من مدينة إسطنبول، حارب الاحتلال البريطاني مجلس النواب التابع للدولة العثمانية والذي كان مقره إسطنبول واعتقل العديد من النواب وأعاق عملهم حتى أغلق المجلس في 18 من مارس/آذار 1920.

في ذكرى عيد الطفل يعتاد الأطفال في تركيا شغل مواقع عامة تكريما لهم  (AA)

عقب ذلك بأيام، طالب أتاتورك بعقد اجتماع لكبار الشخصيات الوطنية في أنقرة يوم الجمعة 23 أبريل/نيسان حيث انعقد المجلس بمشاركة 115 نائباً عقب صلاة الجمعة مباشرة والتي أُقيمت في مسجد " حاجي بيرام " المجاور، وافتُتحت الجلسة بالأدعية وصُوّت على اعتماد اسم "الجمعية التشريعية الكبرى لتركيا" (البرلمان التركي) الذي استقر اسمه لاحقاً على "مجلس الأمة الكبير".

ترأس الجلسة الأولى للمجلس أكبر النواب سناً "السيد شريف" الذي خطب في الجلسة الأولى قائلاً: "أفتتح المجلس القومي الأكبر بصفتي العضو الأكبر سناً لهذا المجلس الأعلى مُعلناً إلى كل العالم الذي بدأ بالإرادة ذاتها، وأضيف مباشرة لمسؤوليته القدر في ظل الاستقلال التام عن الخارج وداخل نوابنا بمساعدة الله"، وفي اليوم التالي جرى انتخاب مصطفى كمال أتاتورك رئيساً للمجلس الذي استمر في منصبه حتى انتخابه رئيساً للجمهورية في 29 أكتوبر/تشرين الأول عام 1923.

يقول رئيس البرلمان التركي الحالي مصطفى شنطوب في ذكرى التأسيس المئوية قبل عامين: "قبل 100 عام وُلدت تركيا من جديد بعزمها وإصرارها حتى أصبحت اليوم أكثر قوة وأكثر حماساً"، وأضاف: "مجلسنا الذي نحيي مئوية تأسيسه، يعدّ مركزاً للكفاح الوطني".

البرلمان.. رمز السيادة

أسس البرلمان التركي انطلاقاً من شعار "السيادة للأمة بلاد قيد أو شرط"، وخاض النواب منذ اليوم الأول نضالاً كبيراً لدعم حرب الاستقلال في مراحلها كافة وصولاً إلى تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1923 حيث وضع المجلس أسس الجمهورية وأول دستور للبلاد.

ولاحقاً، على مدى العقود الماضية لعب البرلمان دوراً كبيراً في الحياة السياسية التركية وكان بمثابة الضامن لاستقلال البلاد أمام أي تدخلات خارجية أو محاولات اعتداء، ومنح السلطة التنفيذية على الدوام التخويل الكامل الذي حصل عليه من الشعب للقيام بعمليات عسكرية واسعة داخل البلاد وخارجها لمواجهة التهديدات التي تشكّلت عبر مراحل مختلفة من تنظيمات إرهابية وأطراف ودول خارجية، كما كان الضامن لوحدة البلاد وقوتها أمام التحديات الداخلية التي واجهتها البلاد من انقسامات وخلافات وصولاً إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية التي حاولت إلغاء دور البرلمان إلا أنه كان في كل مرة يعود أكثر قوة.

وكانت محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في 15من يوليو/تموز أكبر دليل على قوة ومتانة ودور البرلمان التركي، حيث بادر النواب فور توارد أنباء المحاولة الانقلابية لمبنى البرلمان من الأحزاب السياسية كافة الذين عبّروا جميعاً عن رفضهم لمحاولة الانقلاب وإصرارهم على مقاومتها حتى إفشالها وهو ما أغضب الانقلابين الذين دكوا مبنى البرلمان بقنابل من الطائرات الحربية في محاولة لكسر الإرادة الشعبية والبرلمانية، وفشلت محاولة الانقلاب بتكاتف النواب من الأحزاب كافة التي وضعت خلافاتها جانباً وتوحدت لحماية الديمقراطية في البلاد بينما فشلت المحاولة الانقلابية.

عيد الطفولة أيضاً

وإلى جانب كونه عيداً للسيادة الوطنية، يُحتفل فيه عيداً للطفولة أيضاً بعدما أهدى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك هذا العيد للأطفال الذين اضطروا إلى المشاركة في النضال ضد قوات الاحتلال في حرب الاستقلال واستشهد الكثير منهم في ساحات المعارك، إلى جانب الأطفال الأيتام الذين استُشهد آباؤهم في المعارك، وتكريماً لنضالاتهم ولتكون مناسبة سنوية لرسم البسمة على وجوههم.

مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك بجانب طفل في عيد الطفولة والسيادة  (AA)

ومنذ عقود، تجري سنوياً احتفالات واسعة في عموم البلاد للاحتفاء بهذا العيد وخاصة في المدارس وتتزين مرافق البلاد كافة بالأعلام التركية وصور أتاتورك وتوزّع الهدايا على الأطفال وتُقيم الوزارات والبلديات والجمعيات احتفالات واسعة لإسعاد الأطفال، الذي اعتيد أن تجري فعاليات لمنحهم كبرى المناصب في البلاد في هذا اليوم.

حيث اعتاد الرؤساء الأتراك وخاصة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان على منح مقعد الرئاسة لطفل في هذا اليوم، وكذلك يفعل الوزراء ورئيس البرلمان ورؤساء البلديات، ويمتدّ مفهوم الاحتفال إلى خارج تركيا حيث يُعتبر يوماً للأطفال في تركيا والعالم وتُقيم السفارات التركية احتفالاتها للأطفال في معظم دول العالم كما يجري استقبال أطفال من عشرات الدول ومن الأعراق والأديان والثقافات كافة للاحتفال سوياً في تركيا.

TRT عربي