عن الحياة والقيم والنساء.. خمس روايات نسائية باعثة على الأمل
الحبّ المحرّر، وجين آير، وكبرياء وتحامل... روايات كُتِبت بأقلام نساء عن بطلاتٍ إناث، تتبعُ مساراتهنّ وتطلّعاتهن وهمومهنّ، وتبرز قوتهنّ وقدرتهن على تجاوز الصعاب.
جين آير (Wikipedia)

كثيراتٌ يشعرن بالملل بسبب الجلوس المستمرّ في البيت الناتج عن ظروف جائحة كورونا والحجر الصحي، بعدما تعِبن من مشاهدة الأفلام وتجربة إعداد أطباق جديدة. وهذه أمور قد تبدو جيّدةً لكسر الملل وملء الفراغ، لكنْ، تبقى قراءة الكتب أفضل ما يمكن للمرء أن يفعله، فبالإضافة إلى المتعة التي تحققها، تأخذ الواحد منّا إلى عوالم جديدة وتمنحه فرصة الاطلاع على حيوات آخرين وتجاربهم ومعاناتهم وكيف تجاوزوا مآسيهم.

هي خمس رواياتٍ عميقة ومشوّقة تحتوي تجارب صعبة لشخصياتٍ خيالية وأخرى مستوحاةٍ من الواقع، بأساليب تارةً ساخرة، وطوراً سينمائية، وأحياناً درامية، لكنّ ما يجمعها هو أنها رواياتٌ كُتِبَت عن النساء وبأقلام نساء، وقد تبعث الأمل في قلوب كثيرٍ من النساء.

الحب المحرِّر:

أصدرت الروائية والكاتبة الأمريكية فرانسين ريفرز روايتها "الحبّ المحرِّر" عام 1991، وهي رواية تنتمي إلى التيار الرومانسي، لكنّها بعيدةٌ عن السطحية التي تميّز كثيراً من الروايات الرومانسية.

تدور القصّة في منطقة جبلية في كاليفورنيا عام 1850 حيث يعيش أناسٌ يبيعون أنفسهم مقابل المال والذهب، والنساء أجسادهنّ حتى يحصلن على مكانٍ يعِشن فيه وطعامٍ يسدّ رمقهنّ. وُلِدت بطلة الرواية أنجل خارج إطار الزواج، وجرى التخلّي عنها من طرف أبيها، بينما التجأت والدتُها إلى البغاء كحلّ للعيش.

سلَكت أنجل نفس طريق والدتها، وعاشت تجارب صعبة ومرعبة أفقدتها الثقة في الرجال، لكنّ حياتها تتغيّر جذرياً عندما تلتقي مايكل هوشع، وهو رجلٌ مؤمن ومتديّن، يتقدّم للزواج منها. جعلت مشاعر مايكل القوية أنجل ترتعب خوفاً من نفسِها ومما ارتكبته من خطايا، فبدأ طريقها في محاولة فهم نفسِها والبحث عن محبة الله.

تحمل الرواية في طياتها معاني الرحمة والتسامح، كما تعالج أفكاراً عميقة عن النفس البشرية وطبيعتها الخطاءة.

قيل عن الرّواية إنها "رواية مغيّرة للحياة" و"تضع أمام القارئ حقائق بالغة الدقة عن الفرق بين المقاييس البشرية والمقاييس الإلهية في التعامل مع الأحداث التي يمرّ بها البشر".

"جين آير":

هي أجملُ ما كتبت الروائية البريطانية شارلوت برونتي. نُشرت الرواية أول مرة عام 1847 في لندن تحت اسمٍ مستعار اتخذته شارلوت لنفسها وهو "كيور بيل". وقد أنتِج فيلم يحمل نفس العنوان عام 2011 مستوحى من الرواية.

تتناول الرواية قصّة فتاة تُدعى جين آير بدءاً بطفولتها مروراً بحياتها في مدرسة داخلية وصولاً إلى حياتها في قصر ثورنفيلد حيث عملت مدرّسة لابنة صاحب القصر.

الأخوات برونتي (شارلوت برونتي كاتبة "جين آير" على اليمين) (Wikipedia)

استعملت برونتي في سرد روايتها ضمير المتكلّم، إذ تحكي جين بنفسها الظروف القاسية التي عاشتها طيلة حياتها: طفولتها في جيتسهيد التي عاشت فيها حرماناً عاطفياً بعد وفاة والديها بحمى التيفود وسوء معاملة من طرف عمّتها وأبناء عمّتها، انتقالُها إلى داخلية مدرسة لوود، حيث عاشت تجربة صعبة لكنْ بنّاءة، ثمّ فترة عملها كمربية في قصر ثورنفيلد، حيث وقعت في حبّ ربّ عملها السيد إدوارد روشيستر.

تتميز الرواية بأسلوب سلس، وحساسية عالية في معالجة الأحداث والقضايا، وشخصياتٍ منحوتة بعناية، بخاصّة شخصية جين آير المطبوعة بالقوة والوعي والجدية ويقظة الضمير.

ولا تخلو الرواية من صور الحياة في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر، وطبائع البشر خلال ذلك العصر، وهمومهم ومعاناتهم ورؤيتهم للعالم والأشياء ومنظورهم عن الأخلاق، بالإضافة إلى الحس النسوي وإبراز قوة النساء، حتى اعتُبرت "جين آير" Jane Eyre دفعةً كبيرة في حركة تحرير الأدب الذي تكتبه النساء في العالم.

"كبرياء وتحامل":

لا شكّ أن كثيرين وكثيرات شاهدوا فيلم كبرياء وتحامل Pride and Prejudice الذي صدر عام 2006 ولعبت بطولته الممثلة الشهيرة كيرا نايتلي، لكنّ البعض لا يعرف أن قصة الفيلم مأخوذة من رواية للكاتبة البريطانية جين أوستن تحمل نفس العنوان صدرت عام 1813.

صحيح أن الرواية تحوّلت مرّات كثيرة إلى أعمالٍ سينمائية وتلفزيونية رائعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، لكنّ قراءة الكتاب الذي يحمل القصة الأصلية بأسلوب جين أوستن تبقى من أجمل التجارب التي يمكن النهل منها، فبالإضافة إلى الأسلوب الساحر والدافئ في كتابة هذه القصة الرومانسية غير النمطية، تعالج الرواية قضايا عديدة من خلال تتبع قصة الشخصية البطلة إليزابيث بينيت مثل الزواج والمال وصراع الطبقات.

مشهد من فيلم "كبرياء وتحامل" المأخوذ عن رواية جين أوستن (IMDb)

تتميز الرواية بالإضافة إلى قصتها المحبوكة بعناية، بشخصياتها المتنوّعة، فإليزابيث بينيت فتاة تسعى إلى الحكمة والبحث عن الذات، والسيد بينيث عاشق للكتب، والسيدة بينيث امرأة تفتقر إلى التصرف الاجتماعي اللائق... وهذه الشخصيات وغيرها منحت للرواية طابعاً واقعياً.

تقدم "كبرياء وتحامل" صورة مختلفة وإيجابية عن المرأة، فإليزابيث بينيت امرأةٌ نشيطة ومختلفة عن النساء الأخريات المحيطات بها، وتتمتع بحسّ كوميدي ساخر. هذا الحسّ منح الرواية عمقاً في فهم الصراع الطبقي والتناقضات والقيود المفروضة على النساء.

"حليب أسود":

على كلّ امرأةٍ مبدعة في مجالٍ فنّي أو أدبيّ وترغب في دخول تجربة الأمومة أن تقرأ هذا الكتاب. فيوميات الكاتبة التركية "إليف شافاق" المعنونة بـ"حليب أسود" تتناول بعمق الصراع الذي بين الإبداع والأمومة الذي عاشته الكاتبة قبل الزواج وبعده، وقبل الأمومة وبعدها، بالإضافة إلى اكتئاب ما بعد الولادة.

تخوض يوميات "حليب أسود" في قضايا الأمومة والكتابة والإبداع، وتقدّم قصص كاتباتٍ مبدعات عبر التاريخ وتجاربهنّ مع الأمومة وآراءهنّ فيها، وتأثير الأمومة على حيواتهنّ، وتتحدث أيضاً عن أولئك اللواتي اخترن ألّا يكنّ أمهات مخافة أن يؤثر ذلك على حياتهنّ الإبداعية.

اكتئاب ما بعد الولادة.. ذلك الوحش الذي يلتهم دواخل كثيرات ويمنعهنّ من الاستمرار في العيش بشكلٍ طبيعي، ويحرمهنّ السعادة ومُتَع الحياة. خبِرت إليف هذا العذاب وشربت من مرّه وهي خائفة ومرعوبة من فقدان ناصية الكتابة، أعزّ شيء إلى قلبها وروحها. كيف لها أن تصبح أمّاً معطاءةً وحاضرةً في حياة أبنائها بينما يتوق قلبُها إلى العزلة والكتابة؟

كتاب "حليب أسود" لإليف شافاق (TRT Arabi)

لكنّ إليف سرعان ما تجاوزت هذه الكآبة، وخرجت من السواد متلحّفةً بالأمل والتفاؤل، وانكبّت مرّةً أخرى على الكتابة مخرجةً للعالم رائعتها "قواعد العشق الأربعون" التي حققت شهرة واسعة في العالم بأسره.

"الشقيقات":

رواية للكاتبة الأمريكية دانيال ستيل، صدرت عام 2007، وهي تنتمي إلى التيار الرومانسي، وتتسم قصتها بطابع التشويق.

تدور أحداث القصة حول أربع شقيقات شابات من بنات عائلة آدمز يبلغن من العمر بالتتابع 34، 29، 26 و21 عاماً، تعمل كلّ واحدة منهنّ في مجال مختلف تحاول فيه تحقيق ذاتها. كانت كلّ الأمور مستقرّةً حتى تموت والدتهنّ في حادث سير أليم، فيتجمّعن في منزل أبيهن، ويختلفن حول كثيرٍ من الأمور، بخاصّة عندما يخبرهنّ والدهنّ أنه يفكّر في الزواج من امرأةٍ أخرى.

تتميّز الرواية بسرد سلس وأسلوب بسيط وبعمقٍ في معالجة نفسيات الشخصيات وحيواتها وتطلعاتها. وتذهب بنا دانيال ستيل إلى مواضيع وقضايا مختلفة مثل العائلة والتفكك وحبّ الإخوة ورابطة الدم، في قالب خفيف، ولكنْ عميق.

تجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الروايات تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الحدث مثل رواية الشقيقات لدانيال ستيل، والبعض الآخر يعتمد على التطور والصراع النفسي للشخصية مثل رواية جين آير لشارلوت برونتي.

TRT عربي