على طريق توطين الصناعات الحساسة.. ماذا تعرف عن صناعة الرقائق في تركيا؟
تعتبر تركيا واحدة من الدول القليلة حول العالم القادرة على تصنيع الرقائق الإلكترونية بإمكانيات محلية. فمنذ 1983 يُنتج مختبر YİTAL الذي أنشئ لإجراء البحوث في مجالات تكنولوجيا أشباه الموصلات، الرقائق الخاصة بالمنتجات الوطنية، وتحديداً الدفاعية.
منذ 1983 يُنتج مختبر YİTAL الرقائق الخاصة بالمنتجات الوطنية (AA)

مع استمرار أزمة الرقائق التي ضربت سوق التكنولوجيا والإلكترونيات في العالم أدركت تركيا أهمية الخطط التي وضعتها منذ عقود للاستقلال بهذه الصناعة، ما دفعها إلى ضخ مزيد من الاستثمارات بهذا المجال وحث الجامعات المرموقة والشركات الخاصة على التعاون لتصميم وإنتاج الرقائق التي تحتاج إليها سياراتها الوطنية وصناعات الدفاع المحلية.

وإلى جانب المساعي الحكومية لتوطين هذه الصناعات الحساسة، تسعى الشركات التركية العاملة في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية إلى الاستفادة من الطلب المتزايد على هذا المنتجات مع تطور التكنولوجيا وزيادة استخدامها، وما يرافق ذلك من نمو سوق الإلكترونيات الاستهلاكية.

وفي حين كانت صناعة السيارات أحد القطاعات الأكثر تضرراً من أزمة الرقائق التي انفجرت مع بدء جائحة كورونا قبل أكثر من عامين، تحاول تركيا التي تحتل المرتبة الرابعة في قطاع إنتاج السيارات وتصديرها في أوروبا حجز مكان متقدم في نادي الدول القليلة التي لديها القدرة على تصميم الرقائق وإنتاجها.

رقائق محلية للسيارة الوطنية

يعدّ سوق السيارات أحد القطاعات الأكثر تضرراً من أزمة الرقائق. وحسب شركة الاستشارات الأمريكية Alix Parnerts فإنه بحلول نهاية عام 2021 بلغ إجمالي الضرر في صناعة السيارات 110 مليارات دولار. ووفقاً للأرقام التي أعلنتها جمعية مصدري صناعة السيارات في أولوداغ بمدينة بورصة التركية، احتلت صناعة السيارات التركية التي أنهت عام 2021 بصادرات قيمتها 19 مليار دولار وبزيادة قدرها 15% مقارنة بالعام السابق، المرتبة رقم 15 عالمياً والرابعة في أوروبا.

ومع تزايد المشكلات في إنتاج الرقائق وإمدادها في الأسواق التي تهيمن عليها شركات من كوريا الجنوبية وتايوان والولايات المتحدة، تحوّلت شركات تصنيع السيارات والإلكترونيات إلى طرق إمداد بديلة. وبينما تخطط تركيا لامتلاك سيارة محلية في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، فإنها لا تريد تعطيل هذا الهدف بسبب أزمة الرقائق.

لهذا السبب تحديداً اتجهت العيون إلى TÜBİTAK BİLGEM، مزود المخزون التكنولوجي ومُصنع أجهزة الكشف الضوئي للمسيّرات التركية، نظراً إلى أنّ هذا المركز الذي يصمم الرقائق وأجهزة الكشف الضوئية للصناعات الدفاعية وينتجها قادر على تطوير الرقائق الخاصة بالسيارات وإنتاجها.

YİTAL التركي لإنتاج الرقائق

تعتبر تركيا واحدة من الدول القليلة حول العالم التي لديها قدرة تصنيع الرقائق الخاصة بها. فمنذ عام 1983 تُنتج تركيا الرقائق الإلكترونية المحلية للمنتجات الوطنية من خلال مختبر YİTAL الذي أنشئ تحت بنية TÜBİTAK BİLGEM لإجراء البحوث في مجالات تكنولوجيا أشباه الموصلات، ويعمل فيه حالياً 55 مهندساً ليل نهار على تقنية الرقائق.

ويمتلك مركز YİTAL البنية التحتية التي تمكّن من تنفيذ تصميم "دائرة متكاملة IC" وإنتاج القناع ومعالجة الرقائق وفحص الرقائق والتعبئة والتغليف واختبار الدائرة وعمليات الشيخوخة. كما تحتوي المنشأة على 800 متر مربع من مساحة الغرفة النظيفة، ما يجعل من YİTAL المختبر الفريد في تركيا الذي ينتج الدوائر المتكاملة في تقنيات أشباه الموصلات.

وعلى الرغم من أن إنتاج الرقائق لا يزال محدوداً في تركيا فإن احتياجات أشباه الموصلات الاستراتيجية لها أولوية قصوى في تطوير الصواريخ المحلية والذخيرة الذكية والمسيّرات المسلحة وإنتاجها. وبالتوازي مع أهداف تركيا في مجال الفضاء يجري المركز بحثاً عن تكنولوجيا تصنيع IC من الدرجة الفضائية أيضاً.

كما يتعاون المركز مع عدد من الجامعات التي تقدّم الدعم لبرامج الماجستير والدكتوراه التي ستستفيد من تكنولوجيا أشباه الموصلات في تركيا وقدرة التصميم الإلكتروني.

أول مصنع تجاري لإنتاج الرقائق

في 2016 دشّنت شركة "أسيلسان" التركية لصناعة الإلكترونيات وأنظمة الاتصالات العسكرية بالتعاون مع جامعة بيلكنت أول مصنع تجاري خاص لإنتاج الرقائق الإلكترونية، إذ سيجري إنتاج منتجات التكنولوجيا العالية التي تحتاج إليها قطاعات الدفاع والفضاء والاتصالات والطاقة.

فيما يهدف المصنع الذي يحمل اسم (AB Micro Nano) الذي تأسس باستثمار يقارب 30 مليون دولار إلى إنتاج أجهزة صغيرة ومتناهية الصغر، وبالأخص أشباه الموصلات III-V والمواد التكنولوجية المماثلة. وفي هذه المنشأة سيجري إنتاج رقائق أكثر تقدماً من تلك التي تشتريها تركيا، وأحياناً لا تتمكن من الحصول عليها حتى لو أرادت ذلك بسبب العقوبات، فضلاً عن أبواب جديدة لتصدير منتجات ذات مردود اقتصادي كبير.

وبفضل رقائق نترات الغاليوم التي سيجري إنتاجها في هذه المنشأة ستصبح تركيا واحدة من الدول القليلة في العالم التي يمكنها إنتاج تقنيات إستراتيجية مثل رادارات الدفاع وأنظمة الحرب الإلكترونية وإلكترونيات الطاقة وتقنيات الفضاء، بالإضافة إلى السيارات والطيران والقطارات عالية السرعة وأنظمة الهاتف المحمول 5G.

وبينما تتميز نترات الغاليوم عن غيرها من المنتجات المستخدمة بهذا المجال بخصائصها الفائقة يتوقع أن ينمو سوق نترات الغاليوم بسرعة في السنوات العشر القادمة ويتوقع أن تحقق الأنشطة بهذا المجال عوائد اقتصادية كبيرة.

TRT عربي