يشهد قطاع السيارات الكهربائية تطوراً متواصلاً، من حيث كمّ العلامات التجارية المعروضة ومناطق إنتاجها خلال السنوات الأخيرة، ما جعله لا يقتصر اليوم على بلد محدد أو علامة معيّنة، بل أصبح سوقاً يتنافس فيه مختلف الدول والشركات لتحقيق تقدم تكنولوجي وفائض قيمة اقتصادي في آن واحد، وبالخصوص مع تصاعد التحديات الدولية بشأن ضمان الإمدادات الطاقوية والتوجه نحو الطاقة النظيفة للتقليل من المخاطر البيئية التي يُحدثها الوقود الأحفوري التقليدي.
ورغم أنّ المزايا التي تقدمها السيارات غير الكهربائية، إذا ما استثنينا الجانب البيئي، تظل في نظر البعض أفضل من المركبات العاملة بالكهرباء، فإنّ التوجه الحاصل في سوق السيارات العالمية يوحي اليوم بأنّ التنافس والتسابق الذي يعرفه هذا القطاع الصناعي آخذٌ في الاستمرار و الاشتداد.
تطور متواصل
إذا كان اختراع أول سيارة كهربائية يعود إلى القرن التاسع عشر فلم يلقَ هذا النوع الاهتمام اللازم، وهو ما أخّر نمو هذا القطاع، بالنظر إلى أنّ التحديات البيئية والطاقوية لم تكن وقتها بالشكل الحالي، لكنّ الأمر اختلف في العقدين الأخيرين، إذ إنّ نمو قطاع السيارات الكهربائية أصبح لافتاً، وأصبح يشهد تطوراً متسارعاً لم يعرفه من قبل.
وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإنّه من المتوقع أن تشهد مبيعات السيارات الكهربائية نمواً عالمياً بنسبة 35 في المئة خلال العام الجاري، مسجلةً بذلك رقماً قياسياً جديداً يصل إلى 14 مليون سيارة، وهو ما يمثل 18 في المئة من الحجم الإجمالي للسيارات المرتقب تسويقها في 2023.
وفي 26 أبريل/نيسان الماضي، قال مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، في تغريدة على منصة "إكس" إنّ نمو مبيعات السيارات الكهربائية لم يكن يمثل في 2019 سوى 2.5 في المئة من السيارات المبيعة عبر العالم.
وتشير إحصاءات وكالة الطاقة الدولية إلى أنّ عام 2022 كان قد شهد بيع 10 ملايين سيارة كهربائية عبر العالم، ما يعني أنّ الطلب على هذه المركبات الصديقة للبيئة في ازدياد مستمر، إذ ارتفعت المبيعات بـ14 في المئة العام الماضي، بعدما كان نموها لا يتعدى 4 في المئة في 2020.
لكنّ الخبير الاقتصادي المهتم بقطاع السيارات أيمن شريط، يوضح في تصريحه لـTRT عربي أنّ هذا النمو المتواصل في إنتاج وبيع السيارات الكهربائية مرتبط بالدرجة الأولى بأسعار النفط المرتفعة جراء الحرب الروسية-الأوكرانية، التي جعلت الكهرباء مصدراً أقل تكلفة من الوقود.
ويرى شريط أنّه في حال تهاوي أسعار برميل النفط سيحدث تراجع في النمو المسجَّل سنوياً في قطاع السيارات الكهربائية، بالنظر إلى أنّ السيارات غير الكهربائية تظل أكثر ميزة وأقلّ عطباً وتعقيداً ووفرة لقطع الغيار من السيارات الكهربائية.
ويضيف شريط أنّ قيادة السيارة مرتبطة بالمتعة في القيادة والرفاهية في الاستعمال، وهو ما تضمنه السيارات غير الكهربائية، لأنّ الجوانب البيئية وتكلفة الطاقة تشكّل أولوية لمن يشتكون ارتفاع التكلفة، إلا أنّ الباحثين عن رفاهية القيادة سيختارون السيارة غير الكهربائية.
ورغم أهمية هذه الجوانب، فإن الخبير الاقتصادي لا يستبعد نمو استعمال السيارات الكهربائية في الدول غير الطاقوية من قبيل الدول الأوروبية التي قد يصل في السنوات المقبلة إلى أن تشكل هذه المركبات حتى 40 في المئة من العدد الإجمالي لمبيعات السيارات فيها، إلا أنّ هذا الوضع لن ينطبق على الدول التي يكون فيها سعر الوقود رخيصاً في الدول النفطية.
ووافقت دول الاتّحاد الأوروبي، العام الماضي، على حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالمحركات الحراريّة من بنزين وديزل اعتباراً من 2035، وذلك في إطار المساعي الرامية إلى بلوغ الحياد الكربوني في أوروبا بحلول 2050، وهو ما يساعد في نمو استخدام السيارات الكهربائية وسوقها.
كمٌّ وكيف.. سوق وتقنيات جديدة
ينعكس هذا الطلب المطّرد على السيارات الكهربائية في عدد الأنواع والعلامات الموجودة اليوم في السوق الدولية، وميزة كل مركبة عن نظيرتها، سواء ضمن العلامة الواحدة، أو بين المصانع المختلفة.
ومن هذا المنطلق، تختلف تصنيفات السيارات الكهربائية حسب المميزات المعتمدة، إلا أنّه يمكن اعتماد التصنيف الذي تعتمده وزارة النقل الأمريكية الذي يتحدث عن ثلاثة أنواع من السيارات الكهربائية، هي:
السيارات الكهربائية بالبطارية (BEVs). ويطلق عليها اسم السيارة الكهربائية بالكامل، حيث تشتغل بالطاقة الكهربائية فقط من خلال إعادة شحنها من مصدر طاقة خارجي، وتسير بمحرك كهربائي واحد أو أكثر مدعوم ببطاريات قابلة لإعادة الشحن، لكن تختلف طول المسافة التي تقطعها السيارة من علامة إلى أخرى.
السيارة الكهربائية الهجينة (FCEVs). وهي السيارات الهجينة التي تعتمد على محرك بنزين وآخر كهربائي معاً، لكن لا تحتاج للشحن وتعوّضه بتدوير الطاقة الحركية للسيارة وتخزينها ككهرباء في البطارية، ضمن عملية كهروكيميائية عالية الكفاءة.
السيارة الكهربائية الهجينة القابلة للشحن (PHEV). وهي التي تجمع بين النوعين الأول والثاني، حيث يَستخدم هذا النوع من السيارات الكهربائية أيضاً البطاريات لتشغيل محرك كهربائي وتمكن إعادة شحنها من مصدر طاقة خارجي، ولكنّها تشتمل على محرك احتراق داخلي أصغر يمكنه إعادة شحن البطارية للسماح بالقيادة لمسافات أطول.
ومن هذه الأنواع الثلاثة برزت عدة علامات نشطة عالمياً في مقدمتها "تسلا" لمالكها إيلون ماسك، الذي كانت سيارته "تسلا موديل واي" الأكثر مبيعاً عالمياً العام الماضي، وفق موقع "ستاتيستا". إذ سوّقت 771 ألف سيارة من هذا الطراز في 2022، في دليل جديد على العلامة الأمريكية التي ستطرح هذا العام أيضاً شاحنة "تسلا سايبر تراك"، لتأكيد عزم مالك منصة "إكس" على تنويع منتجاته.
وفي الصين، الخصم الاقتصادي الأول لواشنطن، تظهر شركة "بي واي دي" للسيارات الكهربائية التي حطمت في المدة الأخيرة كل التوقعات المتعلقة بهذه المركبات، وصُنف مختلف منتجاتها العام الماضي ضمن السيارات الأكثر طلباً في العالم.
أما تركيا، فإنه رغم قرب عهدها بإطلاق سيارتها الكهربائية "توغ"، فإنها تستقطب اهتماماً لافتاً في سوق السيارات الكهربائية، وذلك لما تمتلكه من ميزات منافسة في التقنية والأسعار. فيما يُتوقع أن يُنتج مصنع "توغ" 175 ألف سيارة سنوياً عند وصوله إلى مستوى طاقته التشغيلية الكاملة.
ودخل هذا العام عامل جديد في سوق السيارات الكهربائية ممثلاً في علامة "فيسكر" الخاضعة للقانون الأمريكي، لكن يمتلكها مصمم السيارات الدنماركي هنريك فيسكر، الذي يطرح هذا العام سيارة "فيسكر أوشين" التي توفر نطاقاً يصل إلى 350 ميلاً لمحرك الدفع الرباعي.
ويضاف إلى هذه العلامات المختصة بالأساس في إنتاج السيارات الكهربائية، علامات السيارات التقليدية المعروفة التي وجدت نفسها مضطرة لدخول هذه المنافسة من قبيل "فورد"، و"مرسيدس"، و"فولكسفاغن"، و"نيسان"، و"كيا"، وغيرها.
صراع حامي الوطيس
أدى هذا التنوع في السيارات الكهربائية والطلب المتزايد عليها إلى اشتداد التنافس بين مختلف المصانع والعلامات التجارية، وكذا بين الدول التي تحتجّ بأسباب مختلفة للحدّ من تنافسية بلدان أخرى، إذ أزعج تطور هذا القطاع في الصين سواء من حيث الإنتاج أو الاستهلاك كثيراً من المنافسين، وبالخصوص الأوروبيون.
وقبل أيام، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عن فتح الاتحاد الأوروبي تحقيقاً بشأن دعم بكين شركاتها العاملة في مجال السيارات الكهربائية، ما يمنحها الأفضلية في الأسعار والمميزات مقابل السيارات الأوروبية.
جاء هذا التحقيق بدعم من فرنسا وألمانيا، وهما من أبرز مصنّعي السيارات في العالم، وبالخصوص التقليدية، ويحاولان أن يَلحقا بالركب في قطاع السيارات الكهربائية لتقليص الهوّة مع الولايات المتحدة والصين.
وأفادت تقارير إعلامية بأنّه من المتوقع أن تقرّر الحكومة الفرنسية استبعاد معظم السيارات الكهربائية المنتَجة في آسيا من برنامج دعم شراء السيارات الكهربائية في البلاد اعتباراً من العام المقبل.
وردّاً على هذا القرار، رأت وزارة التجارة الصينية التحقيق أنّه "عمل حمائي سافر من شأنه أن يعطّل ويشوّه بشكل خطير صناعة السيارات العالمية وسلسلة التوريد"، مؤكّدة أنّه "سيكون له تأثير سلبي في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي".
ويقول الخبير المهتم بقطاع السيارات أيمن شريط، إنّه "من الصعب على الطرف الأوروبي اليوم منافسة الصين في مجال السيارات الكهربائية، بالنظر إلى الاستثمارات التي تتم في هذا القطاع، ما جعله في نمو متواصل على مستوى الإنتاج والاستهلاك".
وأظهرت بيانات رسمية أنّ مبيعات المركبات الكهربائية الجديدة في الصين ارتفعت بنسبة 60.2% على أساس سنوي خلال مايو/أيار الماضي.
وحسب وكالة الطاقة الدولية، فإنّ مبيعات السيارات الكهربائية مرتكزة حالياً في ثلاث أسواق، هي: الصين التي تستحوذ على 60 في المئة من إجمالي المبيعات العالمية، إضافةً إلى أوروبا، والولايات المتحدة.
ولا يقتصر التخوّف من الاكتساح الصيني لقطاع السيارات الكهربائية على الصين فقط، إنّما الأمر ذاته في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ لم يتردد الرئيس التنفيذي لشركة "فورد" للسيارات بيل فورد جونيور، في مقابلة مع قناة أمريكية في القول إنّ الولايات المتحدة غير مستعدة في الوقت الحالي لمنافسة الصين في إنتاج السيارات الكهربائية.
لا أحد يُنكر الأهمية البيئية للسيارة الكهربائية خصوصاً في عالم صارت قضايا المناخ تشكّل أولوية له، إلا أنّ تطوّر هذا القطاع يبقى مرتبطاً بالدرجة الاولى بحجم الأرباح التجارية وفاعليتها الصناعية، وربّما الاستخباراتية، بالنظر إلى تحذير خبراء من إمكانية التحكم فيها من بُعد.