زلازل تركيا.. روايات الناجين من تحت الأنقاض
يقول قوجا قايا، أحد الناجين: "لقد رأينا كيف تجعل الزلازل الأشجار تلمس الأرض وتقف مرة أخرى كما لو كانت راكعة، كما أن الزلزال هزّنا ودفعنا من طرف إلى آخَر داخل الغرفة".
زلزال تركيا / صورة: AFP (AFP)

تسببت الزلازل المدمرة التي كان مركزها جنوب شرقيّ تركيا في مقتل آلاف وإصابة عشرات الآلاف حيث عمّت الأضرار 10 مدن على الأقل في مقاطعات جنوب شرقيّ البلاد والبحر المتوسط.

كانت بلدة البستان، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة في إقليم قهرمان مرعش المطلة على البحر المتوسط، مركزاً لأحد الزلزالين المدمرين اللذين وقعا في تركيا متتاليين. وقد وقعت الضربة الأولى في منطقة بازارجيك في إقليم قهرمان مرعش بقوة 7.7 على مقياس ريختر عند منتصف ليل الاثنين تقريباً، تلتها الضربة الثانية التي دمّرَت بلدة البستان بقوة 7.6 درجة في فترة ما بعد الظهر.

يقول كمال أق قوش، 62 عاماً، من سكان مقاطعة قهرمان مرعش في بلدة البستان: "شعرت كأن شخصاً ما قصف جدران منزلنا بمطرقة ثقيلة عندما سقط الغبار على رؤوسنا".

وقد تركت الضربتان الزلزاليتان قطاعاً كبيراً من سكان البلدة تحت الأنقاض.

"عندما ضرب الزلزال الأول لم نتأثر كثيراً وتمكَّنَّا من الخروج من منزلنا"، حسبما قال أق قوش، وهو متقاعد من مصنع السكر بالمنطقة، في حديثه مع TRT World.

مع انقشاع غبار الهزة الأولى عاد أق قوش وعائلته إلى منزلهم، مكثوا في غرفة نوم المنزل مجتمعين، لكنّ الصدمة الثانية باغتتهم، وكان من الصعب تَحمُّلها.

يتذكر أق قوش: "لقد استمرت لفترة طويلة"، وأضاف أنه سرعان ما أمسك بطفله البالغ من العمر 5 سنوات وتَعثَّر على الدرج الذي بدأ يهتز بشدة، وبعد ثوانٍ تمكنت زوجته والطفلان الآخران أيضاً من الخروج إلى مكان أكثر أمناً.

بصرف النظر عن مقاطعة قهرمان مرعش، ترك الزلزالان القويان وعديد من الهزات الارتدادية آثاراً مميتة في المدن العشر في البلاد: عثمانية وهاطاي وغازي عنتاب وشانلي أورفا وديار بكر وماردين وملاطية وكيليس وأضنة وأدي يامان، فضلاً عن المدن في الشمال الغربي من سوريا التي مزّقَتها الحرب على مدار أعوام عديدة.

تسببت الزلازل في مقتل حوالي 12.873 شخص وإصابة 62.937 في مناطق جنوب البلاد والبحر المتوسط في تركيا، وأدت إلى انهيار آلاف المباني، كما أسفر الزلزالان عن مقتل آلاف في شمال غربي سوريا وإصابة كثيرين.

يقيم أق قوش وعائلته الآن مع أقاربهم في قرية خارج البستان، ولا تزال بلدة البستان تعاني من توابع الزلزال. قبل نحو 20 دقيقة من حديث أق قوش لـTRT World مساء الثلاثاء، تَعرَّضوا لهزة ارتدادية أخرى، قال إن تأثيرها كان لدرجة أنه رأى مصابيح السقف في منزل قريبه تتأرجح مثل البندول.

ووفقاً لأق قوش فقد انهار ثلث المباني في بلدة البستان، كما صعّبت ظروف الشتاء السيئة وحجم المباني المدمرة وشبكات الطرق المتضررة، عمليات البحث والإنقاذ، مما أدى إلى إبطائها.

من جانبها أرسلت الحكومة التركية عشرات الآلاف من موظفي وكالة إدارة الكوارث والطوارئ إلى المناطق المتضررة، كما أرسل أكثر من 40 دولة فرق إنقاذ لانتشال الناجين من الحطام.

قدري شاهين، وهو محاضر متقاعد، من مواليد البستان، غير قادر على معرفة مكان ابنه. كان شاهين وزوجته وطفلاهما فرّوا من منزلهم بعد الزلزال الأول واحتموا بمنزل قريبهم المقاوم للزلازل.

قال شاهين البالغ من العمر 63 عاماً لـTRT World: "بينما كنا نتناول وجبة من الطعام في منزل قريبنا، دخل ابني إلى منزلنا المدمَّر. بعد ما يقرب من 20 دقيقة من رحيله، وقع الزلزال الثاني".

لم يستطع منزله تَحمُّل ضربة الزلزال الثاني، فقد تحول إلى أنقاض مع المنازل المجاورة. منذ ذلك الحين لم يتمكن شاهين من تتبع ابنه البالغ من العمر 34 عاماً، ويعتقد أنه مُحاصَر تحت الأنقاض.

فتّش فريق إنقاذ من إدارة الكوارث والطوارئ الموقع بالفعل، لكنهم لم يروا بعدُ أي علامة على ابن شاهين.

شرف قوجا قايا، موظف عمومي يبلغ من العمر 65 عاماً من قهرمان مرعش في أضنة، إحدى المدن التركية الرئيسية التي تعرضت لزلزال مميت في عام 1998، وصف الهزات بتفاصيل مماثلة كما فعل أق قوش.

قال قوجا قايا لـTRT World: " تاك، تاك، تاك... هكذا بدأ الأمر كأنه آلة حفر تقطع الخرسانة".

خلال الهزة الأولى في الصباح الباكر، نجا قوجا قايا وعائلته بحياتهم. ظلّ منزلهم المكوَّن من طابق واحد على حاله على الرغم من الزلزال الثاني والهزات الارتدادية.

لكنه يشعر بالحزن على فقدان عديد من أقاربه الذين كانوا يعيشون في مبنى سكني من 14 طابقاً. فعلى الرغم من عمليات الإنقاذ واسعة النطاق، لم ينجُ أحد من تحت أنقاض المبنى، على حد قوله.

يضيف: "لقد رأينا كيف تجعل الزلازل الأشجار تلمس الأرض وتقف مرة أخرى كما لو كانت راكعة، كما أن الزلزال هزّنا ودفعنا من طرف إلى آخَر داخل الغرفة". يُذكَر أن عائلة قوجا قايا نجت من زلزال عام 1998 الذي وقع في أضنة حينها.

زلزال قوته 7.7 درجة يضرب جنوبي تركيا (AA)

كانت في أضنة بعض قصص الناجين الأخرى. يقول قوجا قايا: "صرخ أحد الأطفال الذي كان في المرحاض عند وقوع الزلزال، على والدته وطلب منها الهرب من المنزل ويضيف: "لقد ركض وراءها دون أن يرتدي بنطلونه".

كان الحضور الذهني العظيم الذي أظهره الطفل هو الذي ساعده على النجاة من الكارثة.

الأضرار في أنطاكيا

وضربت زلازل يوم الاثنين أيضاً بلدة قديمة على البحر المتوسط هي أنطاكيا، وهي المنطقة المركزية في مقاطعة هاطاي التركية.

جوزيف ناصح، البالغ من العمر 70 عاماً من أنطاكيا، هو أحد الناجين. يقول ناصح، عالم الآثار والرئيس السابق لمؤسسة مجمع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية المسيحية في أنطاكيا: "انتظرت أن يتوقف الزلزال في المنزل. لم نشعر بالذعر وبقينا في أسرّتنا. بعد أن هدأ الزلزال خرجنا".

لم ينهَر منزله رغم ظهور بعض الشقوق عليه بُعيد الزلازل. ويضيف أن المبنيين السكنيين المجاورين لمنزله انهارا. لحسن الحظّ تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال الجميع من تلك المباني، على حدّ قوله.

ويشدّد على أنه بينما تحاول فرق الإنقاذ التركية والأجنبية الوصول إلى الناجين، فإنها ليست عملية سهلة لإنقاذ الجميع بسبب حجم الزلازل وطبيعتها الواسعة عبر مناطق جنوب شرقي تركيا والبحر الأبيض المتوسط.

يقول: "بعد هذا الزلزال الضخم الذي أغلق الطرق، لا يمكنك تَوقُّع وصول المساعدات إلى الناس في فترة قصيرة"، مشيراً أيضاً إلى الظروف الجوية الصعبة التي تجعل المساعدات لا تصل وفق المستوى المنشود.

على الرغم من جهود الإغاثة الهائلة، فإن كثيراً من المعاناة في جميع أنحاء المدينة، حيث يشعر الناس بالحزن على خسائر أحبائهم، على حد قوله، ويعتقد أن الحكومة يمكن أن تجد طرقاً لمنح لمسات علاجية للأشخاص المصابين بالاكتئاب.

تركت الهزات الكنيسة لأرثوذكسية التي يرتادها ناصح متضررة بشدّة.

قال ناصح لـ TRT World: "أعاد مجتمعنا بناء الكنيسة بعد زلزال عام 1872، الذي أدّى أيضاً إلى دمار كبير في جميع أنحاء أنطاكيا، ودمّر كنيستنا في ذلك الوقت"، وأضاف أن الكنيسة البروتستانتية في المدينة انهارت أيضاً بعد زلازل الاثنين الماضي.

ويضيف: "من الصعب على المباني التاريخية البقاء في مواجهة مثل هذه الزلازل القوية. آمل أن يُعاد بناء كنيستنا وفتحها للعبادة بعد أن نتمكّن من اجتياز هذه اللحظات الصعبة".

إلى جانب الكنائس، تعرضت المدينة لدمار كبير. لم يُترَك أي مبنى تقريباً بلا أضرار. يقول مصطفى أوزتورك، مدير مدرسة في أنطاكيا: "لقد تحولنا إلى مدينة أشباح"، ويضيف: "نحن في مرحلة لا يمكن لأي كلمة أن تصفها". وأضاف في حديث مع TRT World: "لم نواجه مثل هذه الكارثة حتى الآن".

كانت الهزات الأرضية التي وقعت يوم الاثنين، التي تُعتبر من أكبر الزلازل في جميع أنحاء العالم، هي الأقوى على الإطلاق التي ضربت تركيا منذ زلزال عام 1939 الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص في إرزينجان. يُذكر أيضاً أن زلزال عام 1939 حدث في فصل الشتاء.


TRT عربي