ارتفعت حصيلة ضحايا زلزال قهرمان مرعش في المناطق المنكوبة بشمال غربي سوريا، إلى أكثر من 4300 قتيل و7300 جريح، حسب ما أعلنته الأمم المتحدة يوم الأحد. هذا في وقت لا تزال فيه المساعدات الدولية لتلك المناطق، من معدات وفرق إنقاذ، ضعيفة ولا تلبّي حاجة الأهالي على الأرض.
أمام هذا الواقع يبرز دور فرق الدفاع المدني المحلية، المعروفة إعلامياً بـ"الخوذات البيضاء"، والتي تحمل على عاتقها معظم مسؤولية عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض، على الرغم من محدودية إمكانياتها وقلة عددها، ليكون ذلك مؤشراً على الدور الفعال الذي تلعبه المنظمة غير الحكومية، منذ تأسيسها عام 2014.
صامدون رغم ضعف الإمكانات
أكمل الزلزال الذي هزّ الحدود التركية السورية أسبوعه الأول، ورغم مرور كل هذا الوقت لا تزال الإغاثات الدولية ممتنعة على الشعب السوري، خصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وهي الأكثر تأثُّراً من تبعات الكارثة، وهو ما دفع عدداً من الناشطين السوريين إلى انتقاد هذا الأمر، معتبرين إياه "تخاذلاً دوليّاً في مساعدتهم".
في هذا الصدد كشف الصحفي والناشط السوري هادي عبد الله في مقطع فيديو نشره الجمعة على صفحته الرسمية بفيسبوك، أن فرق الإنقاذ الدولية التي وصلت إلى مناطق الشمال السوري لا تتعدى ثمانية أفراد، "خمسة أطباء مصريين وثلاثة منقذين إسبان".
كما اعترف منسّق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفيث بضعف الجهود الدولية في مساعدة السوريين المنكوبين من الزلزال. وكتب غريفيث في تغريدة له: "خذلنا الأهالي في شمال غربي سوريا، إنهم محقون في شعورهم بأن العالم تخلى عنهم (...)، واجبنا والتزامنا الآن هو تصحيح هذا الفشل بأسرع ما يمكن".
وفي ظل هذا الواقع تعمل فرق "الخوذ البيضاء" باعتبارها ركيزة عمليات البحث والإنقاذ في تلك المناطق المنكوبة. ولا تتلخص عملياتها في إخراج الناجين من الأنقاض، بل تمتدّ إلى توفير الطعام للمشردين وخيام الإيواء المؤقت، وتطبيب المصابين.
ويشرح تقرير لـ"تليفزيون سوريا" آلية عمل فريق "الخوذات البيضاء"، بأنهم حال وصولهم إلى المباني المنهارة يقيّمونها أولاً، ثم يبحثون عن الفراغات تحت عوارض خرسانية كبيرة أو سلالم، حيث يمكن العثور على ناجين، كما يستمعون إلى أي صوت أنين أو صراخ صادر من الأبنية المنهارة قد توصلهم إلى حياة قابعة تحت الردم.
كل هذه العملية تجري بوسائل بدائية، بالمعاول البسيطة والأيدي الحافية، بلا كاشفات متطورة ولا أدوات حفر دقيقة قد تحميهم من انهيار المباني على رؤوسهم. وهو ما وقع خلال عملية إنقاذ في مدينة حارم، حيث انهار جزء من الركام على متطوعي الدفاع المدني، ففقد أحدهم عينه بعد أن انغرز فيها سيخ حديدي.
ونقل تقرير تليفزيون سوريا على لسان مدير "الخوذ البيضاء" رائد الصالح، قوله إن "أبرز التحديات التي واجهت عمل الفرق الإنسانية هي الحجم الكبير للأبنية المهدمة من جراء الزلزال، ونقص الآليات الثقيلة التي من الممكن أن تتعامل مع هذه الأبنية، إلى جانب غياب الأجهزة المتطورة التي تكشف الأشخاص تحت الأنقاض، مثل الكاميرات بالأشعة تحت الحمراء، التي ترصد أعداد الأشخاص تحت كل بناء، ما يسرّع عمليات الإنقاذ".
وفي وقت سابق أكّد نائب مجلس إدارة الدفاع المدني في إدلب أحمد يازجي لتليفزيون TRT عربي، أن "الظروف التي نعمل بها ليست كباقي الظروف التي تعمل بها فرق الإنقاذ في تركيا أو أي مكان في العالم؛ نحن نعمل في منطقة جغرافية كانت الأضرار فيها كبيرة، امتدت على شمال غربي سوريا، المعدات المتوفرة قليلة، الظروف المناخية مثّلت أيضاً عائقاً أمام العمل".
ورغم هذه الظروف، أضاف المسؤول الإغاثي، تستنفر المنظمة كل وحداتها للمشاركة في عمليات التنقيب، ويوجد نحو 2500 عنصر من القبعات البيضاء على الأرض للمشاركة في هذه العمليات.
ونجح متطوعو الدفاع المدني في إنقاذ عشرات العالقين تحت الأنقاض، وكان بعض هذه العمليات أشبه بالمعجزة، مثل إنقاذ الطفلتين سندس وليلى وجمعهما بعائلتيهما في مدينة سلقين، أو إنقاذ شابّ عالق في مبنى بمدينة الملس، على الرغم من انهيار الركام على فريق الإنقاذ وإصابة أحدهم.
مَن "الخوذ البيضاء"؟
يعود تأسيس منظمة الدفاع المدني السوري إلى عام 2014، لكن قصتها تعود إلى أقدم من ذلك بسنتين. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية، تَشكَّلَت لجان شعبية تطوعيّاً، كانت مهمتها البحث وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض جراء قصف طيران النظام، لانعدام خدمات الإغاثة العامة في مناطق سيطرة المعارضة.
وتَلقَّى بعض أفراد هذه اللجان عام 2013 تدريباً في تركيا على يد منظمات دولية مختصة بالاستجابة للكوارث الطبيعية كالزلازل، وبعد هذا التدريب أصبحت المجموعات أكثر تنظيماً وأنشؤوا مراكز وفرقاً متخصصة بالدفاع المدني. ومع حلول عام 2014 أصبح في سبع محافظات سورية فرق دفاع مدني.
هذه الفرق التي اجتمعت في أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها، اتفقت عل تأسيس منظمة وطنية موحَّدة اختاروا لها اسم "الدفاع المدني السوري"، وأعلنوا التزامهم مجموعة من المبادئ والقيم الإنسانية العالمية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف الدولية.
واليوم يبلغ تعداد متطوعي المنظمة 3000 شخص، مشهورين باعتمارهم خوذاً بيضاء خلال عملياتهم، ومن هنا أتت التسمية، فيما تَوسَّع نشاطهم ليشمل الاستجابة للصدمات النفسية وحملات التوعية المجتمعية لمساعدة العائلات والأطفال بالتحضير للهجمات والتعافي من آثارها، وتأسيس نقاط طبية تقدّم الخدمات الصحية المستعجلة والإسعافات الأولية.