ارتفعت حصيلة الزلزال المدمر الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، في 6 فبراير/شباط، إلى أكثر من 41 ألف قتيل في كلا البلدين، وأكثر من 100 ألف مصاب. بالإضافة إلى ملايين المتضررين، ممن نجوْا في اللحظات الأخيرة مِن تهدم بيوتهم، ويعاني كثير منهم الآن من الطقس البارد في خيام الإسكان المؤقت.
وفضلاً عن حاجتهم إلى الإيواء والمأكل والملبس، تعد الرعاية الصحية أحد أهم متطلبات هؤلاء المنكوبين، وعلى رأسها الاهتمام بصحتهم النفسية، لما قد يخلف صدمة الكارثة وتجربة النزوح من اضطرابات صحية وخيمة، يحتاج أغلبها إلى رعاية وتدخل من مختصين في المجال.
ما أبرز المخلفات النفسية التي تصيب ضحايا الزلازل؟
قد تتعدد المخلفات النفسية التي قد تصيب الناجين من الزلزال، وتختلف من حالة إلى أخرى، حسب شدتها وطبيعة أعراضها. وهو ما يوضحه في حديثه إلى TRT عربي، الدكتور أدهم مغربي، استشاري الطب النفسي بالمستشفى التعليمي لجامعة هامبورغ الألمانية ورئيس المعالجين بمنصة "عرب ثيرابي" لتقديم خدمات الاستشارة والعلاج النفسي عن بعد.
وحسب الدكتور أدهم: "ليس كل من يتعرض لزلزال سيصاب بمشكلة صحية عقلية، وأولئك الذين يتعرضون لها قد يعانون من أعراض وشدة مختلفة. يعد طلب المساعدة المتخصصة من اختصاصي أو طبيب نفسي أمراً مهماً إذا استمرت الأعراض وتداخلت مع الأداء اليومي".
فيما من أبين أبرز هذه الاضطرابات يأتي اضطراب ما بعد الصدمة، وهو "اضطراب نفسي يمكن أن يتطور بعد تعرض الشخص لحدث صادم"، ويمكن أن تشمل أعراضه "إعادة تجربة الحدث الصادم من خلال ذكريات الماضي أو الكوابيس، وتجنب التذكير بالحدث، والشعور بالخدر أو الانفصال عن الآخرين، والشعور بالقلق الشديد".
هذا بالإضافة إلى اضطرابات القلق، بما فيها الهلع واضطراب القلق العام، والرهاب المحدد. والتي يمكن أن تشمل أعراضها، حسب الدكتور مغربي، القلق المفرط والخوف وتجنب المواقف التي تثير القلق.
ويمكن أن يصاب الناجون من الكارثة بحالات الاكتئاب، والتي تعد "أحد المشكلات النفسية الشائعة بعد حدث مؤلم مثل الزلزال"، وفق ما صرح به استشاري الطب النفسي بالمستشفى التعليمي لجامعة هامبورغ. وتتمثل أعراض هذا الاضطراب في "الشعور المستمر بالحزن واليأس وفقدان الاهتمام بالأنشطة وتغيرات في الشهية وأنماط النوم".
ويعد الإجهاد الحاد أحد الاضطرابات التي يمكن أن يصاب بها الناجون من الزلزال، وهو رد فعل قصير المدى لحدث صادم يمكن أن يحدث في الشهر الأول بعد الحدث، وتتمثل أعراضه في إعادة تجربة الحدث الصادم، وتجنب التذكير بالحدث، وزيادة القلق والإثارة. هذا إضافة إلى اضطرابات تعاطي المواد المخدرة، إذ قد يلجأ بعض الأشخاص إلى المخدرات للتعامل مع الضيق والحزن الناجم عن الزلزال.
كيف يمكن تقديم الإسعافات الأولية النفسية للناجين؟
يحتاج الناجون بعد ظهور هذه الأعراض، إلى تلقّي الرعاية الصحية اللازمة بداية بالإسعافات الأولية النفسية، التي يعرّفها الدكتور أدهم مغربي بأنها : "نهج موصى به لتقديم الدعم الفوري للأشخاص الذين عانوْا من حدث صادم، والمساعدة على استقرار الأفراد وتقليل محنتهم، وتعزيز استراتيجيات المواجهة والمرونة، وربطهم بالموارد المناسبة لمزيد من المساعدة".
ويضيف الدكتور مغربي أن: "الهدف من الإسعافات الأولية النفسية هو توفير الدعم العملي والعاطفي بطريقة رحيمة ومحترمة، وتسهيل تعافي الأفراد ومرونتهم بعد حدث صادم". بالمقابل يشدد على أن هذه "الإسعافات الأولية النفسية ليست بديلاً عن العلاج النفسي المهني، وقد يحتاج الأفراد إلى دعم ورعاية إضافية من اختصاصيّي الصحة النفسية حسب الحاجة".
وعلى رأس تدابير الإسعافات الأولية النفسية، وفق ما أوضح استشاري الطب النفسي، تأتي مساعدة الأفراد على الشعور بالأمان من خلال خلق بيئة هادئة وداعمة. وتشمل معالجة احتياجات الناجين الأساسية مثل المأوى والغذاء والماء والرعاية الطبية، وتقديم معلومات واضحة ودقيقة حول ما يحدث وما يمكن توقعه.
علاوة عن تقييم احتياجات ومخاوف هؤلاء الناجين، وتحديد احتياجات الفرد واهتماماته، مثل الصحة البدنية والسلامة والدعم الأسري والاجتماعي والصحة العقلية، وتحديد أولويات الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، وتقديم المساعدة العملية والإحالة إلى متخصصين حسب الحاجة.
كما من المهم مساعدة الأفراد على التعامل مع ردود أفعالهم العاطفية من خلال تقديم الدعم العاطفي والنصائح العملية واستراتيجيات المواجهة، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم والتحقق منها. إضافة إلى التشجيع على التواصل مع العائلة والأصدقاء ومصادر الدعم الاجتماعي الأخرى كخدمات الاستشارة ومجموعات الدعم.
وفي ختام حديثه، أكد الدكتور أدهم مغربي أن "التشجيع على المواجهة الإيجابية والمرونة في التعامل مع الصدمات"، هما أيضاً من وسائل الإسعاف النفسية الأولية التي يجب أن تقدم للناجين، وتتمثل في تقديم إرشادات حول استراتيجيات المواجهة الصحية، مثل تقنيات الاسترخاء، والرعاية الذاتية، وحل المشكلات، والتشجيع على التأقلم الإيجابي والسلوكيات التكيفية، وتعزيز المرونة والأمل في المستقبل".