طرق التعامل مع صدمة الزلزال.. استرح من الأخبار واطلب المساعدة
وُصفت هذه النكبة على نطاق واسع بأنها "كارثة القرن"، وشكلت صدمة جماعية ومن المحتمل أن يتبعها أزمة صحية تفاقمها اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD.
الهلال الأحمر يقدم الدعم النفسي للأطفال الناجين من الزلزال / صورة: AA (AA)

خبراء الصحة العقلية في الولايات المتحدة وتركيا يشرحون كيفية التعامل مع صدمة ما بعد الكارثة.

أثرت الزلازل الأخيرة في جنوب شرق تركيا على ملايين الأشخاص في 10 محافظات تركية بالإضافة إلى بعض البلدان المجاورة، وخاصة سوريا ولبنان.

وفيما تأثر أكثر من 13 مليون شخص بشكل مباشر داخل تركيا، توجد أغلبية صامتة تأثرت عقلياً بالكارثة في جميع أنحاء العالم.

وُصفت هذه النكبة على نطاق واسع بأنها "كارثة القرن"، وشكلت صدمة جماعية ومن المحتمل أن يتبعها أزمة صحية تفاقمها اضطرابات ما بعد الصدمة PTSD.

يقول البروفيسور ميديم يانيك، عالم النفس المقيم في إسطنبول والذي يحاضر في جامعة ابن خلدون، إن الأحداث الكارثية بهذا الحجم لا يمكن أن تؤدي فقط إلى صدمة جديدة، بل تؤدي أيضاً إلى إثارة صدمات قديمة موجودة مسبقاً.

يكشف البحث كيفية تعاطي البشر للأخبار وتغطية وسائل التواصل الاجتماعي لمثل هذه الكوارث أن التعرض لوسائل الإعلام بكثافة يمكن أن يؤثر في سلوكنا بعد وقوع كارثة طبيعية.

فمع امتلاء أوقاتنا بقصص أولئك الذين لقوا حتفهم أو نزحوا بشكل مأساوي، بالإضافة إلى روايات تتحدث عن معجزات النجاة للعالقين تحت الانقاض جنباً إلى جنب مع النداءات المستمرة للمساعدة، فإن العديد من الأشخاص يصلون ل إلى نقطة الإرهاق، مما قد يعوقهم عن اتخاذ إجراءات تشعرهم بذنب التقصير والعجز. هذه النقطة قد تدفع المرء إلى الشعور بالحاجة إلى العزلة والانطواء.

كشفت دراسة نُشرت في المجلة الأكاديمية Clinical Psychological Science أن لقطات الزلازل وعمليات الإنقاذ يمكن أن تثير الخوف والقلق لدى الضحايا، مما قد يزيد صعوبة تخلصهم من صدماتهم. يقول البروفيسور يانيك إن الاضطرابات مثل القلق ونوبات الهلع وقلة النوم طبيعية في الشهر الأول بعد الكارثة.

وفي الوقت الذي لم تُحدد هذه الأعراض على أنها أمراض خلال هذه الفترة، كما يضيف البروفيسور يانيك، فإنه ينصح بضرورة المساعدة الصحية إذا استمرت لأكثر من شهر.

العاملون على الأرض

قالت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) إن أكثر من 249 ألف فرد يعملون حالياً على الأرض في أعمال الإغاثة والانقاذ.

من المرجح أن يواجه رجال الإنقاذ والعاملون في مجال الصحة والمتطوعون والمراسلون الصحفيون وغيرهم اضطراب ما بعد الصدمة في الأسابيع والأشهر التالية.

"ربع العاملين في مجال الصحة عانوا من مستويات صدمة شديدة في المراحل الأولى من الزلزال"، وفقاً لدراسة أجريت على ضغوط ما بعد الصدمة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية في أعقاب زلزال ملاطية-إيلازيغ الذي بلغت قوته 6.5 درجة في عام 2020.

إن تقديم الدعم النفسي للمتضررين من كارثة يتطلب عملية طويلة. لكن على المستوى الفردي بعض الإجراءات الفورية الذي يمكن اتخاذه. على سبيل المثال، يجب على أولئك الذين يكافحون للتعامل مع تداعيات الكارثة تجنب تحمل المسؤوليات التي قد تثقل كاهلهم، وتقسيم العمل على فترات بدلاً من العمل لساعات طويلة، ومغادرة المنطقة المنكوبة بالكارثة، إن أمكن، ولو لفترات قصيرة من الوقت، وفق ما يقول البروفيسور يانيك.

من ناحية أخرى، فإن تقديم المساعدة للضحايا على الأرض يساعد فرق الإنقاذ والمتطوعين على التعامل بشكل أفضل مع صدماتهم هم، كما يضيف البروفيسور يانيك الذي أكد على فكرة "أن تكون سبباً في علاج أشخاص آخرين هو عامل حماية للعاملين على الأرض."

المشاهدة عن بعد، وذنب الناجي

يقول البروفيسور يانيك إن أعراضاً مماثلة، إن لم تكن متطابقة، يمكن أن يعاني منها الأشخاص البعيدون عن مناطق الزلازل. يوجد احتمال أن يصاب جزء كبير من سكان تركيا بصدمة نفسية في الوقت الحالي.

يقول يانيك إن الشعور بالذنب والعار والقلق وتدني احترام الذات يمكن أن يربك كثيراً من الناس في أوقات الكوارث الطبيعية.

في السياق ذاته، تقول الدكتورة رانيا عواد أستاذة الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ستانفورد إن هذا ما يشار إليه بـ "ذنب الناجي".

ولأن الناس من جميع أنحاء العالم يتابعون من كثب الصور المرئية والقصص المفجعة من المناطق التي ضربها الزلزال، تقول الدكتورة عواد فإنه "من الطبيعي (لهم) أن يشعروا بهذا الرعب".

توجد أوقات قد تشعر فيها بالذنب لمجرد النوم في سريرك الدافئ أو الحصول غير المقيد على الطعام والامتيازات الأخرى في حين يعاني ضحايا الزلزال من نقص من كل هذه الأمور. إن أول شيء يجب فعله للتغلب على هذه المشاعر السلبية هو مساعدة الضحايا بأي طريقة ممكنة، على حد قول البروفيسور يانيك.

إن التبرع وتنظيم الحملات ومساعدة المنظمين على إرسال المساعدات أو أي شيء آخر يستطيع المرء فعله هو العلاج الأول لما يسمى بذنب الناجين.

يقترح كل من عوض والبروفيسور يانيك، إجراءً مهماً أيضاً للتعافي من آثار الصدمة، ضرورة أخذ استراحة من الأخبار بين الحين والآخر. في النهاية يمكن ومن خلال هذه الإجراءات الصغيرة توجيه مشاعرنا وتحويلها رغم الصدمة إلى أفعال استباقية وأكثر إنتاجية.

الأطفال

يُصنّف الأطفال أنهم أكثر الفئات هشاشة ويحتاجون إلى رعاية واهتمام خاصَّين في أثناء الكوارث الطبيعية. من المحتمل أن يشعر جميع الأطفال، إن كانوا ضحايا للزلزال أو شهوداً عن بُعد، بالآثار النفسية للكارثة لفترة أطول من المتوقع.

تقول الدكتورة عواد إننا بحاجة إلى "أخذ خطوة إلى الوراء" والبدء في معالجة أنفسنا من أجل مساعدة أطفالنا.

انتشل عمال الإنقاذ هناء (8 سنوات) من تحت أنقاض منزل عائلتها في إدلب بعد 33 ساعة من وقوع الزلزال (AFP)

توضح الدراسة التي أجريت على زلزال ملاطية-ألازيغ لعام 2020 أن الأشخاص الذين لديهم أطفال ظهرت عندهم درجات أعلى من الصدمة مقارنة بمن ليس لديهم أطفال.

تقترح الدكتورة عواد بعض النصائح للتعامل مع الأطفال في أوقات الكارثة.

1. ابتعد قليلاً عن الأخبار وركز على نفسك قبل مساعدة الأطفال. سيساعدك هذا على توفير شعور بالأمان للأطفال الذين يشهدون فوضى ما بعد الكارثة.

2. جهز نفسك نفسياً قبل أن تتحدث إلى طفل. تعرّف أفضل السبل للتعامل مع الأطفال من مختلف الفئات العمرية.

3. حاول أن تكتشف ما يعرفه الأطفال بالفعل عن الزلزال. لا تذهب مباشرة إلى حل الأزمة وإصلاحها، ولكن بدلاً من ذلك، اطرح أسئلة لإظهار التعاطف مع ما يشعرون به. لا تدخل مشاعرك والتي يشعر بها الكبار عادة، في المحادثة وتفرضها على الأطفال، بدلاً من ذلك استمع إلى ما يعرفونه بالفعل وفق مستواهم هم.

تضيف الدكتورة عواد إننا بحاجة أيضاً إلى توخي الحذر بشأن الأشياء التي يعبر عنها الأطفال من غير التلفظ بها. فربما يشيرون إلى أشياء لا يتحدثون عنها من خلال "الإشارات غير اللفظية".

"قد يتصرفون بشكل مختلف عما اعتادوا عليه. وهذا يُظهر أنهم يشعرون بالحزن على الرغم من أنهم لا يقولون ذلك".

تقول عواد إن الأطفال يحتاجون إلى مراقبة صحتهم النفسية في معظم الأوقات مؤكدة على أنه يمكننا فهم ما يقلقهم أو يزعجهم من خلال طرح أسئلة بسيطة.

كما تقترح في حالة الكوارث الطبيعية تشجيع الأطفال على المساهمة في المساعدات التي تقدم للضحايا بأي طريقة ممكنة لأن ذلك سيساعدهم في التغلب على الصدمات التي يعانون منها.

تقول عالمة النفس السريري المقيمة في إسطنبول سيلفا أرسلان إنه يجب على المرء اللعب مع الأطفال المصابين بصدمات نفسية. يساعد اللعب، الضروري في هذه الحالة، على إحداث الراحة النفسية التي بدورها تساعد الأطفال على التغلب على الصدمات الناجمة عن الكارثة.

وتضيف أن العناق أو حتى لمس الحيوانات المحنّطة أو اللعب بالكرات الناعمة أو فقاعات الماء أو الرغوة أو ممارسة تمارين التنفس العميق ستكون مفيدة للغاية في المرحلة الأولى، مؤكدة أنه "بالنسبة للأطفال الذين يعانون من فرط النشاط البدني بسبب الإجهاد فإن المتخصصين يوصون بضرورة ممارسة القفز وأنشطة التسلق".

في أثناء التعافي الجماعي كما نشهده ونعيشه في أعقاب واحدة من أكبر الكوارث في القرن، لا يزال بإمكاننا اختيار نظرتنا إلى العالم ووضع خارطة طريق وفقاً لذلك.

يقول البروفيسور يانيك إن الأحداث الصادمة قد لا تؤثر سلباً في الجميع. تشير الدراسات السابقة إلى أنه في بعض الحالات، يمكن للأشخاص ببساطة العودة إلى العمل الروتيني. يمكن تفسير هذا التصرف أنه علامة على "المرونة".

ويمضي ليقترح أن يعيد هؤلاء الأشخاص النظر فيما هو أكثر أهمية لهم في الحياة وضرورة البدء في الاهتمام أكثر بأسرهم وعلاقاتهم. ويسمى هذا النوع من الاستجابة "النمو اللاحق للصدمة".

في جامعة ستانفورد، كما تقول عواد، "مراكز علاجية ومجموعات دعم منبثقة عنها" يمكن أن تكون مفيدة للأشخاص المتضررين من الزلازل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. تقدم هذه البرامج مجموعة من نصائح الصحة العقلية والتقنيات الروحية للتعامل مع الكوارث الكبيرة.

TRT عربي