في مسعى جديد لزيادة الضغط على الفلسطينيين في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تزايد عدد الدول المانحة التي قررت تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في أعقاب فصل الوكالة 12 موظفاً لديها -من بين 13 ألف موظف- الجمعة، بعدما اتهمتهم إسرائيل بالضلوع في هجوم "طوفان الأقصى" يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعلى إثر هذا الاتهام، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مباشرةً أنها "وقفت التمويل الإضافي للوكالة في غزة مؤقتاً"، وتبعتها دول غربية أخرى، هي: ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، فنلندا، هولندا، أستراليا، كندا، ولحقت بها اليابان ورومانيا والنمسا وإستونيا، فيما قالت سويسرا إنها لم تتخذ قراراً بعد بشأن الموافقة على تقديم التمويل لعام 2024 حتى يُبتَّ في المزاعم الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا أنها ستواصل دعم "أونروا".
من جهتها، أكدت السلطة الفلسطينية، السبت، أن "أونروا" في حاجة إلى "الدعم" وليس إلى "وقف الدعم والمساعدات"، واتهمت إسرائيل بشنّ حملة تحريض "تهدف إلى تصفية الوكالة". في حين شدد وزيرا الخارجية الأردني والمصري على ضرورة عدم معاقبة "أونروا" جماعيّاً.
ما المقصود بـ"أونروا"؟
أونروا هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. ففي أعقاب النكبة الفلسطينية، أسَّست الجمعية العامة للأمم المتحدة "أونروا" عام 1949 وفوَّضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المُسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يجري التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
وفي مايو/أيار 1950، بدأت الوكالة عملياتها فعليّاً. وتعمل "أونروا" في الضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا.
وتُموَّل "أونروا" بالكامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فيما تُجدَّد مهامها بشكل دوري.
وتساعد "أونروا" أكثر من 5.9 مليون لاجئ فلسطين، بما في ذلك نحو 1.8 مليون لاجئ في قطاع غزة، على تحقيق كامل إمكاناتهم في التنمية البشرية، وذلك من خلال الخدمات النوعية التي تقدمها في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والحماية، والبِنى التحتية وتحسين المخيمات، والتمويل الصغير، بالإضافة إلى المساعدات الطارئة.
وبينما تحاول "أونروا" تضميد جراح الفلسطينيين منذ أكثر من 73 عاماً، تعرضت منشآتها للقصف بشكل متكرر من إسرائيل التي قتلت نحو 150 موظفاً بهذه الوكالة، ودمرت وأتلفت أطناناً من الغذاء والدواء.
ليست المرة الأولى
وهذه ليست المرة التي يُعلَّق فيها تمويل "أونروا"، فيما يراه الفلسطينيون وسيلة لابتزازهم والضغط عليهم من أجل التخلي عن حق العودة لملايين اللاجئين الذين هُجّروا عام 1948، ففي عام 2018 وقفت الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترمب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار للوكالة.
ولم ترحب إسرائيل حينها بقرار ترمب الذي جاء ضمن ما يُعرف بـ"صفقة القرن" وحسب، بل اتهمت "أونروا" بـ"إطالة أمد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني" عبر تكريسها مبدأ حق العودة.
وعلى الرغم من دعوة مستشار ترمب للشرق الأوسط إلى إنهاء عمل وكالة "أونروا" عام 2019، استأنفت واشنطن تقديم التمويل بعد انتخاب جو بايدن رئيساً ابتداءً من عام 2021.
تحرك "صادم"
في انتهاك لحكم مؤقت أصدرته محكمة العدل الدولية، تواصل إسرائيل هجومها على قطاع غزة، حيث قُتل نحو 27 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وأصيب 65 ألفاً آخرين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي أدى أيضاً إلى نزوح 85% من سكان غزة داخليّاً، وسط نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والأدوية، في حين تضرر أو دُمِّر 60% من البنية التحتية للقطاع، وفقاً للأمم المتحدة.
ورغم كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات، وفي ظل المجاعة غير المسبوقة التي تضرب القطاع بسبب الحصار الخانق الذي يمنع وصول الغذاء والماء والدواء إلى ملايين المحاصَرين في قطاع غزة، سارع أكثر من 12 دولة في قطع مساعداتها المالية عن الوكالة التي تخدم نحو 1.8 مليون لاجئ في قطاع غزة.
يُذكر أن قرار محكمة العدل الدولية يأمر بأنه "يجب على إسرائيل أن تتخذ تدابير فورية وفعالة لتمكينها من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية المعاكسة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة". وتهدف هذه التدابير إلى منع إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بحقوق الفلسطينيين.
ولكن في تحرك "صادم"، تناست الدول التي وقفت تمويل الوكالة هذا القرار، وتناست كذلك قصف منشآت الوكالة التعليمية والصحية والخدماتية وقتل أكثر من 150 من موظفيها على يد إسرائيل في الأشهر الثلاثة الماضية، وسارعت في تصديق الرواية الإسرائيلية التي لم تُدعم بالأدلة.
من جهته، قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا": "إنه أمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة باعتباره نوعاً من رد الفعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية التي يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة".
وأضاف لازاريني: "أونروا هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، إذ يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل بقائهم على قيد الحياة. ويعاني كثيرون من الجوع بينما تقترب الساعة من مجاعة تلوح في الأفق. وتدير الوكالة ملاجئ لأكثر من مليون شخص وتوفر الغذاء والرعاية الصحية الأولية حتى في ذروة الأعمال العدائية".