منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، يوم السبت، انطلقت معها موجة تحريض واسعة على المنابر الإعلامية الإسرائيلية، مستخدمة في ذلك كمّاً هائلاً من الادعاءات والأخبار الزائفة، والتي تلقفتها وسائل الإعلام الغربية وعملت على ترويج الخطاب ذاته، دون التحقق من صحته.
ولم يقف التزييف وشيطنة الفلسطينيين وللمقاومة عند حد وسائل الإعلام، بل تسرب ذلك الخطاب إلى ألسنة قادة وزعماء الدول الغربية حليفة إسرائيل، والذين رددوا في خطاباتهم الأخبار الزائفة نفسها التي لا تدعمها أي مصادر موثوقة.
أطفال مقطوعو الرؤوس ونساء مغتصبات
في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء، للتعبير عن مساندته لإسرائيل عقب عملية "طوفان الأقصى"، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "لقد اطلعت على تقارير تصيب بالغثيان، حول رضّع جرى قتلهم، ونساء جرى اغتصابهن والاعتداء عليهن والاستعراض بهن كأنهن غنائم، وعائلات بأكملها جرى قتلها".
وأكد الرئيس الأمريكي هذه المزاعم، في تصريحات له يوم الأربعاء، قائلاً: "لم أكن أعتقد حقاً أنني سأرى هذا، فتأكدت من وجود صور لإرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال".
لكن سرعان ما تراجع البيت الأبيض عن هذه التصريحات، مؤكداً أن الرئيس لم يطّلع على أي تقارير تؤكد وقوع تلك الجرائم الشنيعة بحق الأطفال. وفي رد على أسئلة صحيفة واشنطن بوست، قال متحدث باسم البيت الأبيض، إن تعليقات الرئيس استندت إلى تقارير إخبارية وادعاءات من قبل الحكومة الإسرائيلية، مضيفاً أن "المسؤولين الأمريكيين والرئيس لم يروا الصور أو يؤكدوا مثل هذه التقارير بشكل مستقل".
فيما تعود ملابسات هذه الزلة الفادحة التي انزلق فيها الرئيس الأمريكي، إلى تقارير إخبارية بثتها قناة "I24" الإسرائيلية، إذ أشارت مراسلتها نيكول زيديك إلى وجود عدد من الرضع الذين عثر عليهم مقطوعي الرأس في مستوطنة كفار عزا. هذا قبل أن تتراجع المراسلة نفسها عن ادعاءاتها، مبررة بأن "أحد أفراد الجيش هو من طلب منها قول ذلك".
هذا ولا يوجد مصادر مستقلة نشرت هذه الادعاءات، فيما شككت خدمة التحقق التابعة لصحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، في صحة هذا الخبر. وبدوره أيضاً، أكد المختص في التحقق الإخباري بوكالة سند، مولود صياد، أن "ادعاءات وقوع حالات اغتصاب لا سند مستقلاً ولا صور أو شهادات تدعمها بالمطلق".
ومن بين الادعاءات الكاذبة الأخرى التي جرى ترويجها على عدد من وسائل الإعلام الغربية، وقوع حالات اغتصاب في صفوف النساء. والتي أكدوها انطلاقاً من خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، قال فيه: "رأينا فتياناً وفتيات مقيدين، وقد أصيبوا برصاصة في الرأس. حرق الرجال والنساء أحياء. الشابات اللاتي اغتصبن وذبحن".
ومن جهتها، كذبت المقاومة الفلسطينية هذه الاتهامات، وقالت حركة حماس في بيان، إنها "لا تستهدف الأطفال"، ودعت وسائل الإعلام الغربية إلى "تحرّي الدقة وعدم الانحياز لرواية الاحتلال الغاصب".
موجة تضليل عنيفة
وأورد صياد، في حديثه لـTRT عربي، أن "الحرب الجارية في الأراضي المحتلة شهدت واحدة من أعنف الهجمات التضليلية التي تستهدف المقاومة والشعب الفلسطيني، وهو ما يترجم في أخبار زائفة كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام الغربية، ومن أبرزها الزعم بوجود رضع جرى قطع رؤوسهم".
"مثلت هذه المزاعم قمة التضليل الذي مارسته تلك الوسائل الإعلامية"، يقول المتخصص في كشف الأخبار الزائفة، ويضيف: "رأينا كيف استطاعت هذه الكذبة أن تروَّج دولياً، لدرجة وصلت بها إلى قادة وزعماء، ودخلت البيت الأبيض وصرح بها الرئيس الأمريكي (...) وبالرغم من تراجع واشنطن عن هذه التصريحات، تركت لدينا هذه الأحداث انطباعاً سيئاً وجعلتنا نقول إن هناك موجة تضليل واسعة تجري".
بالمقابل، يرى حسام الهندي، خبير التحقق الإخباري ومدير منصة "FactCheck بالعربي"، بأن "انتشار المواد المضللة والكاذبة يحصل طوال الوقت، لأسباب معينة من بينها اعتبار انتشار هذه الأخبار نوعاً من الدعم المعنوى للطرف الذي يؤيده مصدرها"، لكن "الجديد مع بداية الأحداث في غزة، هو أن بعض وسائل الإعلام الغربية ومسؤولين كباراً غربيين، منهم رئيس دولة، رددوا هذه المزاعم دون تحقق من صحتها أو استقصاء تأكيدها من طرف مستقل".
ويضيف الهندي، في حديثه لـTRT عربي، أن إقبال وسائل الإعلام الغربية على نشر تلك الادعاءات الزائفة "أقرب للرؤية الأمريكية الساذجة لكل شيء حولها، يعني قيل لهم: حماس قتلت 40 طفلاً، فنقلوا الكلام حرفياً دون تشكيك (...) بالنظر إلى أن رقم 40 مثير للريبة، يعني لماذا 40؟ لماذا لم يقولوا 41 أو 39؟ (...) وهذا ينطبق أيضاً على الادعاء بوجود اغتصابات".
ويخلص مدير "FactCheck بالعربي"، قائلاً: "نحن أمام طرف منحاز سياسياً، يحمل وجهة نظر وتفكيراً ساذجين، استطاع الإسرائيليون أن يتلاعبوا به! ولولا وجود إعلام محترم في تلك الدول لكانت هذه التصريحات والمزاعم حقائق لا ينفيها أحد، إذ إن كلام المسؤولين هنا مختلف عن انتشار الشائعات الطبيعي والعادي، لأنه موثق بصفة المتحدث".