في وقت يتجه فيه عالمنا نحو تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز وغيرهما، سواء للآثار البيئية الناجمة عن ذلك من جهة، ولما كشفت عنه الحرب الروسية في أوكرانيا من جهة أخرى، إذ تَضرَّر معظم الدول الأوروبية المدمنة على الوقود الروسي في ظلّ العقوبات المفروضة على موسكو.
سيارة تركيا المحلية "TOGG" ستتخذ من الكهرباء مصدراً لطاقتها، من خلال الاعتماد على بنية تحتية رصينة توفر مئات محطات الشحن ولاحقاً الآلاف منها موزعة على مختلف الولايات والمناطق التركية، بما يضمن لهذه السيارة المحلية أن تقطع مسافات شاسعة بلا عائق.
بمعنى آخر، لا تكمن أهمية المشروع في كونه مجرَّد علامة تجارية وطنية لسيارة محلية فاخرة، بقدر ما هو اتساق مع توجُّه العالم الحديث نحو تقنين الاعتماد على الوقود التقليدي، والخروج بمشروع رائد في التحول ضمن النظام البيئي بقطاع السيارات الخضراء.
سيارة تركيا المحلّية على مشارف الإنتاج
كانت الخطوة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما أطلقت تركيا مشروع السيارة المحلية عبر تشكيل مجموعة من عدة شركات لمبادرة إنتاج سيارة محلية غير عادية بقيمة استثمارية تبلغ 20 مليار ليرة، وفي ديسمبر/كانون الأول 2019 بدت ملامح نجاح المشروع الأولى، حينما افتتح الرئيس رجب طيب أردوغان مجمَّعاً يضمّ المصنع المنتج للسيارة.
أما في الربع الأخير من العام الجاري 2022، فستبدأ تركيا الإنتاج الفعلي لسيارتها المحلية، تنطلق من مصنعها الواقع في منطقة غيمليك بمدينة بورصة الشهيرة بمؤسساتها الصناعية، على أن 51% من قطع هذه السيارة سيكون محلِّيّاً في المرحلة الأولى، فيما سترتفع النسبة إلى 68% بحلول 2025 حسب المخطَّط.
بحلول يوليو/تموز 2022، بات الإنتاج الضخم للسيارة "TOGG" مسألة وقت، مع وضع 250 روبوت تجميع في الخدمة على خط الإنتاج، وتأسيس منشأة للطلاء، وإعداد وحدات للتحكم في قطع السيارة المحلية.
ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية 175 ألف سيارة مع تفعيل جميع وحدات المصنع الضخم، مع هدف الوصول إلى خطة إنتاج مليون مركبة بحلول عام 2032، تزامناً مع إجراء رعاة المشروع المحلي اتفاقيات تجارية مع الموردين، بينهم 75% محليون، و25% أجانب، بما يضمن طريقاً مريحاً لتصدير السيارة المحلية الفاخرة.
بنية تحتية وطنية لمحطات الشحن
تستمر السيارات الكهربائية في إيجاد مكان واسع في قطاع المركبات يوماً بعد يوم كظاهرة تُحدِث ثورة في مفهوم وتعريف السيارات مقارنة بمركبات محرك الاحتراق الداخلي التقليدية.
يتمثّل الاختلاف الجوهري في السيارة الكهربائية عن مركبات محرّك الاحتراق الداخلي في أن مراحل شحن السيارات الكهربائية تقدّم تجربة مختلفة عن تجربة تعبئة الوقود في خزان السيارة، ولا شك أن زيادة انتشار وحدات/محطات الشحن السريع باتت المعيار الذي تستثمر فيه العلامات التجارية حول العالم لتوجيه الطلب نحو السيارات الكهربائية.
في هذه النقطة بالتحديد، نجد عديداً من الشركات التركية الناشطة في هذا المجال، بدأت توسّع شبكتها داخل البلاد، مثل شركات:
Eşarj - Sharz.net - ZES - Voltrun - Gersan - G-Charge - Tesla Supercharger - Kalyon EV Charging.
لكن على الرغم من نشاط هذه الشركات المحلية، فإن خدماتها تبقى منحصرة في نقاط محدَّدة ضمن المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، دون أن تصل إلى شبكة شحن واسعة النطاق تغطي أنحاء البلاد كافة، لذلك بدأت الشركة المصنعة لسيارة "TOGG" المحلية إيجاد حل ذاتي لهذه المشكلة.
شركة محطات شحن برعاية "TOGG"
من أجل ذلك أعلنت "توغ" تأسيس شركتها الخاصة لتوليد محطات شحن السيارات الكهربائية تحت اسم "TRUGO".
وتحت هذا الاسم تخطّط الشركة لتزويد عموم تركيا بشبكة شحن شاملة على مسافات تتراوح بين 25 و50 كيلومتراً، بما يرقى إلى تسميته "بنية تحتية محلية" في عالم شحن السيارات الكهربائية.
كمرحلة أولية، تخطّط الشركة لاستخدام تقنية الشحن السريع عبر تأسيس ألف وحدة شحن سريع بإجمالي 2000 مقبس موزعة على أكثر من 600 موقع في 81 ولاية بتركيا، بما يضمن للمركبات أن تملأ طاقتها بمعدل 80% في مدة لا تتجاوز 25 دقيقة فحسب.
تبلغ قيمة استثمار الشركة الخاص بقطاع توليد وحدات ومحطات شحن السيارات الكهربائية 750 مليون ليرة، إلى جانب التعاقد مع الشركة المحلية لاستخدام وحدات الشحن الخاصة بها، بما يزيد طاقة استيعاب وبالتالي شمولية أنحاء أكبر في تركيا، فضلاً عن استيراد نحو ألف وحدة شحن من الخارج تدعم تقنية الشحن السريع.
إلى الآن، ليس من المعروف العدد الإجمالي للمحطات التي ستوفرها شركة "TRUGO"، لكن الشركة تعِد بإنشاء آلاف وحدات الشحن في الولايات التركية كافة على فترات زمنية تدريجية، ومن المتوقع أن تبدأ تشغيل محطات الشحن خلال الربع الأخير من العام الجاري.
برنامج وطني لدعم محطات الشحن السريع
بالإضافة إلى المبادرات المحلية، وكذلك شركة الشحن الكهربائي الخاص بشركة "TOGG"، فإن وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية، تواصل جهودها هي الأخرى من أجل تسريع نشر وحدات الشحن السريع.
في هذا السياق أطلقت الوزارة مشروعاً وطنيّاً تحت اسم "برنامج دعم محطات الشحن السريع للسيارات الكهربائية"، وخصّصَت له مبلغاً بقيمة مليار ليرة، لإنشاء بنية تحتية وطنية لشحن السيارات الكهربائية في عموم البلاد.
بموجب البرنامج الوطني خصصت الوزارة حُزَم دعم للشركات المحلية من أجل تسريع تطوير محطات الشحن السريع، واستقبلت مئات الطلبات من شتى الشركات.
نتيجة للتقييم الذي أجرته الوزارة للطلبات المقدمة، أعلنت عزمها على دعم 20 شركة مختلفة لإنشاء أكثر من 1500 وحدة شحن سريع تغطي ولايات تركيا الـ81 كافة.
إضافة إلى ما سبق، فإن محطات الوقود الفاعلة أصلاً في عموم أنحاء تركيا ستساهم هي الأخرى بتزويد فروعها المختلفة بماكينات شحن السيارات الكهربائية تدريجيّاً، بما يتيح بلورة بنية تحتية وطنية لشبكة عملاقة من محطات الشحن السريع.