بعيداً عن الأهل.. كيف يستقبل المهجَّرون بالحروب عيد الأضحى؟
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت مها تتجهز لاستقبال أهلها في بيتها بلباسها الجديد، وسط الزينة التي صنعتها بيديها، تنسق على طاولة الجلوس قطع الشوكولاتة، وكعك ومعمول العيد الذي تفوح رائحته الزكية في كل بيت بغزة في الأعياد.
أهالي قطاع غزة يستقبلون عيد الأضحى وسط دمار هائل وحرب متواصلة / صورة: AA (AA)

واعتادت السيدات الغزيات تجهيز صينيات الكعك والمعمول بحشوات مختلفة مثل المكسرات والعجوة، خلال الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة قبيل عيد الأضحى، برفقة أقاربهن من العائلة والجارات في الحي، ويوزعن على الأقارب والجيران، وكذلك يستقبلن أصنافاً منهم.

"عقولنا وأرواحنا في غزة"

وتستذكر مها إبراهيم، التي جاءت إلى القاهرة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة طقوس العيد بحنين يغلبه الأسى في أثناء حديثها مع TRT عربي، وتقول: "كنت أستقبل أهلي القادمين لمعايدتي، ومعهم هدية من لحم الأضحية، ثم يصطحبونني معهم إلى بيت العائلة لنتناول فتة باللحمة على الغداء جميعاً، ونعطي العيدية للصغار، وفي اليوم الثاني للعيد كنا نذهب للشواء في أرض أبي ونتسامر ونضحك، لكن لم يبق بيت أو أرض، كله راح مع القصف".

"أما في هذا العيد، فليس لدي أي مشاعر لاستقبال العيد، فطوال الوقت عقولنا وقلوبنا مع أهالينا في غزة، نتابع الأخبار بقلق، أو نتواصل معهم لنسمع أخبارهم، يعيش أهلي بشمال غزة وأخاف أن آكل شيئاً وهم يعيشون في مجاعة، فكيف يكون لديّ عيد؟" تتساءل السيدة ذات السبعة وثلاثين عاماً.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة، برّاً وبحراً وجوّاً، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أسفر عن أكثر من 37 ألف شهيد، وإصابة أكثر من 85000 آخرين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط مساعدات قليلة بالكاد تكفي مليوني مواطن محاصرين، فيما يعيش شمال القطاع في مجاعة واسعة.

عيد بلا فرحة

ويحاول أقارب مها المحيطون بها في مصر التخفيف عنها في العيد ويسألونها أن تصطحبهم لشراء ملابس جديدة وتجهيزات العيد، لكن مها ترفض ذلك تضامناً مع أهالي غزة، وتقول: "جسدنا في مصر، لكن عقولنا وأرواحنا كلها في غزة".

"لست في بيتي، ولا عندي شوكولاتة ولا كعك ولا معمول، ولن آكل فتة باللحمة، العيد هذا العام بالنسبة لي يوم عادي جدّاً".. هكذا قالت السيدة التي ترفض أيّاً من طقوس العيد هذا العام، إلا الصلاة في المسجد، كي تدعو لأهلها ومدينتها المحاصرة بنيران الحرب.

وفي أنقرة تمكث زينة تتعالج من الجروح التي ألحقها بها القصف الإسرائيلي على المدرسة التي نزحت إليها، وقفزت وأختها الطفلة من الطابق الثالث على ظهريهما لكي تنجوا من الحريق الذي أكل المبنى.

تتنهد الفتاة، 18 عاماً وتقول في حديثها مع TRT عربي: "كان أبي في مثل هذا الوقت يطبخ لنا أزكى منسف بلحوم الأضحية، أما هذا العام فأهلي ليس معي ولم أرهم منذ 8 شهور، وهذا هو العيد الثاني دونهم، قضيت عيد الفطر الماضي أيضاً بتركيا خلال رحلتي للعلاج، متعبة جدّاً وأعيش شعوراً لا يوصف".

"هذا العيد هو فقط اسم للعيد، لكن دون أي ملامح للفرحة ودون تحضيرات ولا شراء حلويات وملابس، فقط سأحيي الشعائر الدينية بالصلاة وأدعو أن أكون العيد القادم مع أهلي".

عيد "طعمه ماسخ" خارج السودان

وفي الجزء الشمالي الشرقي من إفريقيا تعيش السودان حرباً منذ 14 شهراً، ما أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ سيمضي أكثر من 10 ملايين سوداني، من أصل نحو 46 مليون نسمة، عيد الأضحى خارج منازلهم ما بين نازحين داخليّاً، ولاجئين في دول الجوار.

تقول أم أحمد، وهي إحدى السيدات اللاتي لجأن حديثاً إلى مصر، حيث تقيم في منطقة الجيزة، "إن طعم العيد هذا العام ماسخ، فهو بعيد عن الأهل والأحباب ومعايداتهم الدافئة في السودان، وبعيد عن بيوتنا في الخرطوم التي أُجبِرنا على مغادرتها بسبب الحرب".

وبأسى تتابع أم أحمد لـTRT عربي: "في زمان مضى قبل الحرب كانت النقاشات في مثل هذه الأيام: هل نقضي العيد مع أهل الزوج في الأرياف أم مع أهلي في أم درمان، ولكن الآن لم يعد الوصول إلى قرية أهل زوجي ولا مدينتنا ممكناً بعد أن أصبحت مسرحاً لعمليات عسكرية نشطة".

تفتقد السيدة لمة الجارات والأخوات والصديقات وتبادل الزيارات، وتقاسم لحوم الأضحية: "حتى خروف الأضحية لم يعد الوصول إليه ممكناً، إذ يرتفع سعره هنا في القاهرة أربعة أضعاف سعره في السودان، ما يجعل شراءه أمراً مستحيلاً، لذلك سنفتقد أيضاً فرحة الصغار بخروف العيد".

وقبيل عيد الأضحى من كل عام، اعتاد السودانيون اصطحاب أطفالهم لشراء الملابس الجديدة واختيار الأضحية، ويوم العيد وبعد تأدية الصلاة يذبحون الأضاحي، ويجهزون الوجبات التي قد يجتمع عليها شارع أو حي بأكمله.

ومن طقوس عيد الأضحى المميزة لدى أهل السودان إعدادهم مشروباً محليّاً يعود تاريخه إلى مئات السنين يسمى "الشربوت"، وهو مصنوع من التمر المنقوع مع التوابل ويبدأ تجهيزه قبل أيام من العيد.

"سنفقد دفء العائلة والأحباب"

يعبر علاء الدين موسى، الذي أجبرته حرب 15 أبريل/نيسان على مغادرة السودان إلى أوغندا، عن حزنه على ما يجري في وطنه، وكذلك عن حلول عيد الأضحى عليه خارج الديار، فيقول: "عيد الأضحى شعيرة دينية عظيمة، ويحظى بمكانة خاصة لدينا، وله طقوس لا يمكن أن نمارسها إلا في المكان الذي اعتدناه".

ويتابع الصحفي السوداني في حديثه مع TRT عربي أن واحداً من هذه الطقوس هو الذبح في الميادين العامة، وتناول المشاوي في (الضرا) الذي يعد بمناسبة المنتدى الاجتماعي، ويمثل وسيلة لللتكافل الاجتماعي، نتبادل فيه المؤانسات والنقاشات ونتفقد فيه بعضنا ونتعرف أحوال بعضنا مع شواغل الدنيا".

ويستكمل علاء، 30 عاماً: "هذا العام سنفقد (الضرا) واللمة وسط دفء العائلة والجيران والأحباب، فقط سنتعامل مع هذا العيد كشعيرة دينية نؤديها لوجه الله تعالى، لكنه سيكون بلا طعم وبلا طقوس".

وتقول الأمم المتحدة إن ما يقرب من 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يحتاجون إلى المساعدات، وتحذر من مجاعة تتفاقم يوماً بعد يوم جراء حرب خلّفت نحو 15 ألف قتيل حتى الآن.

TRT عربي