وسط تصاعد حدة الأزمة المشتعلة منذ عام 2014 بين روسيا من طرف وأوكرانيا وحلفائها من الطرف الآخر، عادت تركيا لتتصدر الرؤى والخطط الأوروبية الساعية لإيجاد بدائل من الغاز الروسي، وبطبيعة الحال توفير ممر استراتيجي آمن لربط كل الخطوط وإيصال الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وما إن بدأ بوتين عدوانه الأخير على أوكرانيا أواخر الشهر الماضي حتى ازدحمت الأجندة التركية بزيارات على مستوى الرؤساء من دول مثل إسرائيل واليونان التي قررت تحسين العلاقات مع أنقرة بعد سنوات من التوتر في ملف شرق المتوسط.
فيما يرجح المراقبون أن الولايات المتحدة ضغطت على أثينا وتل أبيب لتجاوز خلافاتهما مع أنقرة وتبنِّي مشاريعها الرامية إلى نقل غاز المتوسط إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، حيث يرون أن هذا التحول السريع في العلاقات هو نتاج رفض واشنطن تمويل مشروع خط أنابيب "ميد إيست" البحري الذي خطّط له لتجاوز تركيا ومنع استفادتها من مواردها في قعر المتوسط.
جسر آمن لنقل الغاز
منذ اشتعال الأزمة الروسية-الأوكرانية عام 2014 بعد استيلاء الروس على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، تزايدت أهمية تركيا في سوق الطاقة، وبات الأوروبيون يضعون تركيا في مركز خططهم الرامية إلى كسر الاحتكار الروسي وتعزيز أمن الطاقة الأوروبي.
ولأهمية موقعها الاستراتيجي القريب من منتجي الطاقة في الشرق الأوسط والقوقاز ووسط آسيا من طرف، والمستهلكين الشرهين في أوروبا من الطرف الآخر، أصبح الجميع ينظر إلى تركيا على أنها الجسر الأفضل الذي يضمن نقل الطاقة من الدول المصدِّرة إلى تلك المستوردة في أوروبا.
ويتيح موقع تركيا الاستراتيجي القريب من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث أكثر من 70% من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، تعزيزَ أمن الطاقة للبلاد، ومن ناحية أخرى يمنحها يداً عليا من خلال احتضانها خطوط أنابيب الغاز الطبيعي العابرة للحدود التي تمر عبر أراضيها.
تركيا.. أرض الأنابيب الناقلة للغاز
إلى جانب الخطوط التي تنقل النفط والغاز من روسيا وأذربيجان والعراق وروسيا إلى تركيا، تنقل أيضاً خطوطٌ الغازَ الطبيعي إلى الدول الأوروبية عبر الأراضي التركية.
1- خط أنابيب "تاناب"
ُيعتبر خط "تاناب" جزءاً من مشروع "ممر الغاز الجنوبي" الذي يهدف إلى نقل الغاز الأذربيجاني المستخرَج من بحر قزوين لأوروبا عبر الأراضي التركية، ضمن المساعي التي ترمي إلى تحقيق أمن وتنوُّع إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي.
وفي يونيو/حزيران 2018 افتتح الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأذربيجاني إلهام علييف، خط أنابيب "تاناب" الذي بلغت تكلفة إنشائه قرابة 7 مليارات دولار، فيما يبلغ طول أنابيبه العابرة للأراضي التركية ألفاً و850 كم، ابتداءً من ولاية أرداهان (شرق) وانتهاءً عند منطقة إبسالا بولاية أدرنة (غرب).
ويساهم "تاناب" اليوم بنقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، 6 مليارات منها لتلبية احتياجات تركيا، و10 مليارات تذهب إلى أوروبا.
ووفقاً للخطة المقررة لمشروع "ممر الغاز الجنوبي"، سيُزاد حجم الغاز الأذربيجاني المنقول عبر خط أنابيب "تاناب" إلى 23 مليار متر مكعب مع حلول عام 2023، وإلى 31 مليار متر مكعب عام 2026.
2- خط أنابيب السيل التركي
دشن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين رسمياً في 7 يناير/كانون الثاني 2020 خط أنابيب السيل التركي "تورك ستريم" المخصص لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يورَّد للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.
ويدخل خط الأنابيب، الذي يتألف من أنبوبين بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويّاً لكل منهما، الأراضي التركية عبر ولاية قرقلر ألي في الشمال الغربي، ثمّ إلى الأراضي اليونانية، إذ يغذِّي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا.
وبلغت تكلفة المشروع نحو 12.9 مليار دولار، فيما يبلغ طوله الإجمالي نحو ألف و160 كيلومتراً، 930 منها تحت قاع البحر الأسود و180 في البر التركي، بالإضافة إلى 50 كيلومتراً أخرى في البر الروسي.
3- خط باكو-تبليسي-أرضروم
دشّنت تركيا خط غاز جنوب القوقاز (باكو-تبليسي-أرضروم) في أواخر عام 2006 لنقل نحو 8.1 مليار متر مكعب من الغاز الأذربيجاني إلى تركيا سنوياً.
وطورت أذربيجان خططاً تصديرية لاحقاً بالتنسيق مع الجانب التركي لإيصال الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية.