رغم قوة المنتخبات ونوعيتها التي واجهها الأتراك في المباريات الثلاث الأولى من التصفيات المونديالية، فإن رفاق القائد بوراك يلماز أبانوا عن مستويات كبيرة توجوها بانتصارين متتاليين وتعادل ثالث، ليجدوا أنفسهم في صدارة الترتيب برصيد 7 نقاط.
وفي المجموعة السابعة التي يعتبرها عديد من المحلّلين "مجموعة الموت"، وقع المنتخب التركي مع فرق عالمية على غرار هولندا ونجومها البارزين في ملاعب القارة العجوز، إضافة إلى النرويج وهدّافها المتألق إيرلينغ هالاند، إلى جانب منتخبات الجبل الأسود ولاتفيا وجبل طارق.
"بداية شبه مثالية"
في 24 مارس/آذار 2021، وجّه المنتخب التركي رسالة قوية إلى منافسيه كافة بالمجموعة عندما حقق فوزاً عريضاً ومستحقاً على حساب "الطواحين الهولندية" بنتيجة (4-2)، في المباراة التي احتضنها استاد "أتاتورك الأولمبي".
وبثلاثية من القائد المخضرم بوراك يلماز، وهدف رابع من مايسترو خط الوسط هاكان تشالهان أوغلو، عَبَر منتخب "النجمة والهلال" محطة صعبة في مشوار التأهل إلى النهائيات العالمية، التي غاب عنها الأتراك منذ 20 عاماً.
وبعد ثلاثة أيام أزال منتخب تركيا الشكوك كافة والأقاويل التي حاولت التقليل من فوزه على نظيره الهولندي بانتصار ثانٍ على مضيفه النرويجي بثلاثية بيضاء منها ثنائية لأوزان توفان وهدف ثالث عن طريق شالار سوينجو.
وأُتيحت فرصة كبيرة للمنتخب التركي لإحكام قبضته على الصدارة عندما استقبل نهاية الشهر ذاته ضيفه اللاتفي على أرضية ميدان "أتاتورك الأولمبي"، لكنه فرّط بتقدمه مكتفياً بتعادل إيجابي بثلاثة أهداف لكل جانب، في المباراة التي حضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
قادر ولكن!
يقول المختص بالكرة التركية أحمد سندس، إن المنتخب التركي امتلك الأفضلية بعد فوزه بأول مباراتين في المجموعة أمام منتخبي هولندا والنرويج اللذين وصفهما بـ"القوي" و"العنيد" توالياً.
سندس في حديثه لـTRT عربي، أوضح أن المنتخب التركي عاد وتعثر أمام لاتفيا، وهو تعادل بطعم الخسارة، لكون مشوار التصفيات الأوروبية "لا يزال طويلاً ويتطلب عدم التفريط بالنقاط خاصة في المباريات التي تعتبر في المتناول".
وشدد على "حاجة منتخب تركيا للارتقاء في قضية التعامل النفسي مع المباريات، وإعداد اللاعبين على التكيف مع الظروف كافة"، مستدلاً بفوزه على نظيره الفرنسي في تصفيات كأس الأمم الأوروبية وتعادله معه خارج الديار، في وقت فرط بالنقاط كاملة في اللقاءات التي كان فيها المرشح الأوفر للفوز، على غرار مباراة لاتفيا الأخيرة.
ومع ذلك يعتقد الإعلامي الرياضي أن المدرّب شينول غونيش "يمتلك من الخبرة، ما يساعده على الخروج من هذا المطب"، إضافة إلى توفره على أحد أكثر الأجيال موهبة في تاريخ الكرة التركية وفي مختلف المراكز، وهو ما فتح باب الاحتراف لهؤلاء النجوم في الملاعب الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والإسبانية.
ولفت إلى أن حظوظ وفرص التأهل "لا تزال مفتوحة لجميع المنتخبات"، لكنه شدد في الوقت عينه على أن المنتخب التركي قادر على الوصول إلى المونديال القطري.
وخلص في ختام حديثه إلى أن "منتخب تركيا وصل إلى مرحلة تجعله لا ينظر فقط إلى التأهل، بل البحث عن بلوغ الأدوار المتقدمة والذهاب بعيداً في كل بطولة يشارك بها".
حالة رضا
من جانبه يرى المحلل والناقد الرياضي البارز علي الزين، أن جماهير كرة القدم التركية تعيش "حالة من الرضا على نتائج المنتخب الوطني بعد نتائجه الجيدة التي حققها في بداية التصفيات المونديالية خاصة الانتصارين ضد هولندا والنرويج".
ويرى الزين في حديثه لـTRT عربي، أن الفضل لهذا الأداء يعود إلى المدير الفني غونيش، الذي أعاد الثقة إلى نجوم المنتخب التركي، وقدم تشكيلة متجانسة بقيادة نجم ميلان الإيطالي تشالهان أوغلو وقلب دفاع ليفربول الشاب أوزان كاباك.
ويعتقد الزين في حديثه لـTRT عربي، أن حظوظ المنتخب التركي ارتفعت كثيراً بعد التوليفة التي صنعها المدرب غونيش، والتي قال إنها أعادت الكرة التركية إلى الواجهة واحتلال قمة المجموعة السابعة عن جدارة واستحقاق.
ويرجع رأيه هذا إلى أن بداية الأتراك كانت أمام أقوى المنافسين في المجموعة، حيث وجهوا رسالة شديدة اللهجة بتسجيل 7 أهداف في شباك هولندا والنرويج.
ويوضح الزين أن الفوز على هولندا المدججة بالنجوم "كان مؤشراً لعودة منتخب تركيا ثم تأكَّد ذلك عقب الانتصار على النرويج"، مبيناً أن كل هذا "أظهر قدرات اللاعب التركي وقوة الدوري المحلي، فضلاً عن الإضافة الفنية التي قدمها النجوم المحترفون في ملاعب إنجلترا وإيطاليا وألمانيا".
ويرجّح أن طريق المنتخب التركي "معبّد من أجل الوصول إلى مونديال قطر"، مستنداً إلى أن التشكيلة الحالية تختلف عن سابقاتها من حيث قوة الشخصية، على الرغم من أن التصفيات المونديالية لا تزال في بدايتها.
ولفت إلى أن المؤشرات تؤكد أن غونيش تعلّم من أخطاء نظرائه السابقين؛ إذ "كانوا يكتبون سطراً ويتركون آخر"، وفق قوله، وهو ما يعزز من توقع وجود منتخب تركيا في الدولة الخليجية، للمشاركة في كأس العالم، نهاية العام المقبل.
فيفا يتساءل؟
موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، تساءل في تقرير له حمل عنوان: "هل تستعيد تركيا أمجاد الماضي؟"، في إشارة إلى إمكانية عودة تركيا إلى نهائيات كأس العالم بعد 20 عاماً من الغياب، بخاصة مع تحقيق منتخبها لأول مرة في تاريخه فوزين متتاليين، في مستهل التصفيات المؤهلة للمونديال.
وأبرز موقع الفيفا دور المدرب غونيش، الذي كان مسؤولاً عن المنتخب في مونديال 2002، وقال إنه يتولى "مهمة صقل مواهب النجوم الجدد، حيث يراهن على مزيج من اللاعبين المحليين من الدوري التركي والمحترفين في الدوريات الأجنبية".
وعدد تقرير الفيفا نقاط قوة المنتخب التركي، إذ أشار إلى الصلابة الدفاعية التي أظهرها أمام هولندا والنرويج، معدداً أسماء كاباك وسوينجو وكان أيهان حيث يلعب الأخير في صفوف ساسولو الإيطالي. كما لفت التقرير إلى الفعالية والجودة الهجومية للأتراك بتسجيل سبعة أهداف في مباراتين جاءت من ثماني تسديدات فقط على المرمى.
تاريخ تركيا في كأس العالم
تأهلت تركيا لنهائيات كأس العالم، في مناسبتين على مدار تاريخها، كانت الأولى في نسخة عام 1954، لكنها خرجت من الدور الأول دون ترك أي بصمة تذكر.
واختلف الحال كلياً في المرة الثانية عندما حفر المنتخب التركي اسمه بأحرف من ذهب في نسخة كأس العالم 2002، التي استضافتها كوريا الجنوبية واليابان بشكل مشترك.
منتخب تركيا في تلك النسخة تأهل إلى الدور ثُمن النهائي بعد احتلاله المرتبة الثانية في المجموعة الثالثة برصيد 4 نقاط خلف البرازيل بفوز وتعادل وخسارة، ليضرب موعداً مع اليابان، حيث نجح في تخطي "الساموراي" بهدف نظيف.
وبالنتيجة ذاتها عبر منتخب "النجمة والهلال" عقبة السنغال في دور الثمانية، ليتجدد الموعد في "المربع الذهبي" مع البرازيل -تُوجت باللقب لاحقاً- عندما خسر رفاق حسن شاش بصعوبة بهدف دون رد.
الإنجاز التركي لم يتوقف عند هذه المحطة فحسب، بل انتهى بالوقوف على منصات التتويج بحصد الميدالية البرونزية عقب الفوز على كوريا الجنوبية بنتيجة (3-2)، في المباراة الترتيبية لتحديد صاحبي المركزين الثالث والرابع.