الصناعات الدفاعية التركية.. نجاح محلي وتعزيز للشراكة الاستراتيجية الخارجية
وضعت تركيا في رؤيتها لمجال الصناعات الدفاعية هدفاً أولياً يتمثل في تغطية متطلباتها الدفاعية بأيدٍ محلية، لكنها نجحت لاحقاً في تجاوز ذلك، إذ تحولت صناعاتها الدفاعية من هذا النجاح المحلي إلى تحقيق نجاح دولي.
الطائرة التركية المقاتلة KAAN (AA)

وتمكنت الصناعات الدفاعية التركية المحلية، خلال العشرين سنة الماضية، من تغطية ما يقرب من 80% من احتياجات تركيا من الأسلحة والمعدات الدفاعية، وفقاً لما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذا النجاح المحلي مكّنها لاحقاً من تحقيق نجاح دولي.

وخلال العام الماضي، تجاوزت قيمة صادرات قطاع الصناعات الدفاعية والطيران في تركيا 7 مليارات و154 مليون دولار، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 29% عن العام السابق، وفقاً لرئيس هيئة الصناعات الدفاعية في الرئاسة التركية، خلوق غورغون، الذي أكد أن هذا الرقم يتجاوز بنسبة 11% الهدف الذي حددته الحكومة التركية في وقت سابق لعام 2024، والبالغ 6.5 مليار دولار.

لكن أهم ما كشفه غورغون هو أن بلاده أصبحت اليوم تصدّر منتجات الصناعات الدفاعية إلى 180 دولة حول العالم. وقد ساعدت عدة عوامل في هذا الانتشار، من أبرزها احترام تركيا لسيادة هذه الدول وعدم استخدامها الأمن القومي وسيلة للابتزاز.

وخلال هذه الفترة، صدّرت تركيا 4500 مركبة برية إلى 40 دولة، و3 طرادات حربية إلى 3 دول، و140 منصة بحرية إلى أكثر من 10 دول، وذخائر وصواريخ إلى 42 دولة، و770 طائرة مسيّرة (استطلاعية وهجومية) إلى أكثر من 50 دولة.

كما صدّرت 1200 نظام كهروبصري، ومنظومات أسلحة مثبتة إلى 24 دولة، ومروحيات هجومية إلى 8 دول، ورادارات إلى 10 دول، وأسلحة وبنادق ومسدسات بمختلف الأحجام إلى 111 دولة، و1500 طائرة مسيّرة انتحارية (كاميكازي) إلى 11 دولة، وطائرتين من طراز "حركوش" إلى دولتين.

"الدبلوماسية الدفاعية"

يرى الكاتب والباحث في الشؤون الدفاعية، رفعت أونجل، في مقال له على مجلة "Kriter"، أن نجاح المنتجات العسكرية التركية، ولا سيما الطائرات المسيرة، أدى إلى اهتمام عالمي كبير، وأسهم في ظهور ما يُعرف بـ"الدبلوماسية الدفاعية" و"دبلوماسية الطائرات المسيرة".

هذا الأمر جعل الصادرات الدفاعية التركية جزءاً من استراتيجيات العلاقات الثنائية، كما ساعد في ترسيخ صورة تركيا كدولة رائدة في تقديم الدعم الأمني من خلال التدريب، وتطوير العقائد العسكرية، وتوفير الدعم الاستخباراتي والتقني.

وأظهرت الزيارات الأخيرة للرئيس التركي مركزية الصناعات الدفاعية فيها، فخلال الجولة الآسيوية التي بدأها في 11 فبراير/شباط الحالي، والتي شملت ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، عقدت تركيا عدداً من الاتفاقيات الدفاعية مع هذه الدول، وتحديداً في مجال تطوير وتصنيع الطائرات من دون طيار.

يوضح أونجل أن من أهم الأمثلة على السياسة الخارجية التركية المدعومة بالصناعة الدفاعية، علاقاتها مع أذربيجان وليبيا وأوكرانيا، إذ اضطلعت بدور محوري في تعزيز أمن هذه الدول عبر تزويدها بأنظمة عسكرية متطورة.

ففي حرب تحرير قره باغ، قدمت تركيا لأذربيجان دعماً عسكرياً هائلاً، شمل تزويدها بالمعدات العسكرية، وتقديم التدريب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ما أسهم في تحييد الدفاعات الجوية الأرمنية وإضعاف البنية اللوجستية العسكرية لأرمينيا.

أما في ليبيا، فقد عززت تركيا شراكتها الاستراتيجية من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية، إذ قدمت دعماً عسكرياً كبيراً لحكومة الوفاق الوطني، ما ساعدها في تحقيق تفوق ميداني.

شراكات المستقبل

يعمل العديد من الدول، في السنوات الأخيرة، على تطوير مشاريعها الدفاعية بصورة مشتركة، وخاصة في ظل القيود التي تفرضها بعض الدول على عمليات بيع الأسلحة. وفي هذا الإطار، تُبدي عدة دول اهتماماً بالمشاريع الدفاعية التركية المستقبلية، مثل المقاتلة "KAAN"، والطائرات المسيّرة من الأجيال المتقدمة، مثل "ANKA-3"، ومشروع الدبابة الوطنية "ALTAY".

ومؤخراً، أعلن المدير العام لشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TUSAŞ)، محمد دمير أوغلو، أن الإمارات العربية المتحدة من بين الدول المهتمة أيضاً بهذه الطائرة، وكشف عن إمكانية تطوير منصة جوية مشتركة بين البلدين.

وأكد دمير أوغلو أن العمل مستمر على طائرة القتال الوطنية "KAAN"، التي تعد أحد أهم مشاريع "TUSAŞ"، مشيراً إلى أن العديد من الشركات الدفاعية التركية تشارك في هذا المشروع.

وأضاف: "من المنطقي جداً إشراك شركاء خارجيين في مثل هذا المشروع الضخم. كما هو معروف، نحن نعمل بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية في هذا الصدد، وقد تنضم الإمارات العربية المتحدة أيضاً إلى هذه الشراكة. وقد أبلغنا مسؤولون رفيعو المستوى في الإمارات أنهم مهتمون بالمشروع".

كما أكد دمير أوغلو أن الإمارات تبدي اهتماماً كبيراً بطائرة الهليكوبتر القتالية "ATAK"، و قال: "لقد اختبروا طائرة ‘ATAK 1’ من قبل، وأعجبتهم كثيراً. ثم جاء وفد رفيع المستوى إلى تركيا لتجربتها بأنفسهم، وكانوا مندهشين من إمكانياتها. لكن العملية تباطأت قليلاً بعد ذلك، ونحن الآن نحاول تسريعها، وقد أجرينا بعض المناقشات في هذا الصدد".

وأوضح دمير أوغلو أن الإمارات لديها اهتمام كبير بطائرة "ANKA-3"، وأنها سبق أن اتخذت خطوات جدية بخصوص هذا المشروع. وأضاف: "أتوقع إعادة تنشيط هذه العملية قريباً، لكننا لا نخطط للتعاون فقط في مشروع ‘ANKA-3’. لدينا نية لتطوير منصة جوية جديدة معاً، والإمارات متحمسة جداً لهذا التعاون. قريباً، سنتمكن من مشاركة أخبار أكثر إيجابية".

TRT عربي - وكالات