يتسبّب الانتشار الواسع لاستخدام الهواتف الذكية في حياتنا اليومية في حالة متقدّمة من الإدمان السلوكي، والّذي يطلِق عليه الأطباء النفسيون اسم "النوموفوبيا"، اختصاراً لـ"no-mobile phobia"، وهو رهاب فقدان الهاتف المحمول أو عدم القدرة على استخدامه.
ويعتمد الكثير من البشر اليوم، لا سيّما الأجيال الأصغر سنّاً مثل الجيل Z، على الهواتف الذكية على نحو متزايد، إذ تشير أبحاث مختصّة إلى أنّ مستخدمي الهواتف الذكية باتوا يتلقّون ما نسبته 427٪ من الرسائل والإشعارات أكثر مما حصلوا عليه قبل عقد من الزمن.
ورغم أهمية استخدام الهواتف الذكيّة، والّتي تفيد إحصاءات أُجريت خلال الأشهر الأخيرة باقتراب عدد مستخدميها من تجاوز 4 مليار شخص حول العالم، لقضاء الحوائج اليومية على نحو بات في كثير من الأحيان ضروري، فإنّ المختصّين يحذّرون من خطورة أعراض إدمان تلك الهواتف، مشدّدين على أهمية علاجها بأسرع وقت.
باعث على الإدمان
لا يتوقّف الاعتماد على الهاتف الذكي عند التواصل الاجتماعي والمكالمات الهاتفية، بل لقضاء كل الحوائج والمعاملات المعيشية تقريباً، بدءاً من شراء الأطعمة ومنتجات البقالة، مروراً بكل أشكال التسوّق والمعاملات البنكية، وصولاً إلى الألعاب ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وحتّى التواعد والتعرف على شريك مستقبلي.
وينوّه مختصّون بأنّ الهواتف الذكية صُمِّمَت بعناية "على نحو باعث على الإدمان"، من خلال خصائصها المتعدّدة وتقنياتها وألوانها وأصواتها واهتزازاتها، للحفاظ عن قصد على مشاركة مستخدميها بشكل فعّال. ما يشرحه تريستان هاريس، خبير أخلاقيات التصميم السابق في عملاقة التكنولوجيا "غوغل"، مؤكّداً أنّ خاصية مثل "السحب للتحديث"، هي مستوحاة في الأصل من ماكينات القمار وألعاب الكازينو الأخرى.
ويصاحب الاعتماد الجزئي أو الكلّي على الهاتف الذكي، العديد من المخاطر الّتي تصل إلى حد الإدمان، ما تظهره بعض المؤشّرات الّتي يشرحها الخبراء والأطباء النفسيون.
كيف تعرف مدى إدمانك للهاتف؟
يحذّر الطبيب التركي آدم أيدن، اختصاصي الأمراض النفسية، من انتشار "النوموفوبيا" على نحو متصاعد بين مستخدمي الهواتف الذكية، لافتاً إلى أنّ "الشخص المصاب بهذا الرهاب، يتصفّح هاتفه كل 15 دقيقة، ويتأكّد من أنّ هاتفه بجانبه 150 مرة في اليوم"، إضافة إلى امتلاك ذلك الشخص أعراض أخرى كوضع الهاتف تحت الوسادة أثناء النوم، والاستيقاظ أثناء النوم لتفقّد هاتفه.
ويقدّم خبراء بعض الأسئلة الّتي يمكن أن تساعد المرء في معرفة مدى تعلّقه أو إدمانه لهاتفه الذكي، مثل "هل تستطيع أن تقضي يوماً كاملاً من دون هاتفك الذكي؟ وكم عدد الساعات التي تقضيها يوميّاً بصحبته؟ وهل تشعر بالقلق وعدم الراحة إذا نفدت بطارية الهاتف أو لم تكن هناك تغطية كافية لشبكة المحمول؟".
وعن أخطر مؤشّرات إدمان الهاتف الذكي، الّذي لا يكاد يخلو مستخدموه منها، هو حالة إفراز الدوبامين، وهي المادة الكيميائية التي تشعر الإنسان بالرضا وتُطلَق في كل مرّة تفعل فيها شيئاً تستمتع به، وهو ما يشدّد مختصّون على ارتفاعه على نحو فوري في كل مرة تُضيء فيها شاشتنا بإشعار جديد مثل الحصول على إعجاب أو متابعة جديدة بإحدى التطبيقات، ما يجعل خطورة "النوموفوبيا" على نحو يقارب "تأثير الكوكايين على الدماغ".
ويرجع خبراء أحد أسباب ارتفاع معدّلات الاكتئاب والانتحار بين المراهقين في السنوات الأخيرة، إلى الآثار السلبية والسموم الرقمية المصاحبة لإدمان الهاتف، مثل اضطرابات القلق والوسواس القهري والاكتئاب والذهان والعدائية والشعور بالدونية والسخط جرّاء عقد مقارنات مع حياة الآخرين الّتي غالباً ما تظهرها منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أنّها "مثالية وتخلو من المشاكل والصعاب"، إضافة إلى العديد من الأعراض السلبية الأخرى.
التخلّص من "النوموفوبيا"
يوصي معالجو الإدمان وأخصّاء التكنولوجيا بعدم الاستسلام لإدمان الهواتف الذكية، وباتّباع بعض النصائح والإرشادات للقضاء على "النوموفوبيا"، تبدأ بالحصول على المشورة، والعلاج السلوكي المعرفي والدوائي عبر مراكز مختصّة لعلاج الإدمان الرقمي، لا سيّما حال شعور الشخص بأنّه في مرحلة متقدّمة من التعلّق بهاتفه الذكي.
ويقدّم الخبراء نصائح هامة يمكن لأيّ مستخدم للهواتف الذكية تطبيقها بُغية الوقاية من الإدمان الرقمي، ومن أهمها عدم وضع الجهاز بجانب السرير قبل الخلود إلى النوم، حيث يتسبّب الهاتف في حالة من التشويش، علاوة على أنّ التعرّض للضوء الأزرق الصادر عن شاشة الهاتف قبل النوم، يقلب الساعة البيولوجية للجسم رأساً على عقب، ما يؤدّي إلى النعاس وفقدان التركيز خلال النهار.
ويضاف إلى ذلك ترك الهاتف على بُعد أمتار من مكان الجلوس أو العمل، بحيث يكون خارج إطار الرؤية، وذلك لزيادة فرص التركيز بمنأى عن تفقّد الهاتف. كما يمكن للأشخاص الاستعانة ببعض التطبيقات التي صُمّمت للحد من التصفّح الإلكتروني وضبط ذلك بوقت محدّد.