في ظلّ تنامي مشاكل إمدادات الطاقة على المستوى العالمي، وتسارع الخطى التركية من أجل تأمين إمداداتها من الطاقة سواء من خلال تشجيعها الاستثمارات في البدائل الطبيعية المتجددة، أو من خلال البحث عن مورّدين جدد تربطها معهم علاقات وديّة واستراتيجية.
وضمن مساعيها لسحب ورقة الغاز من يدي طهران وموسكو، نجحت أنقرة خلال الأعوام القليلة الماضية في تخفيض وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا وإيران على حساب زيادة وارداتها من بلدان صديقة أخرى، مثل أذربيجان والجزائر.
ودفعاً للتقارب السياسي والاقتصادي المتنامي بين البلدين في الآونة الأخيرة، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأربعاء الماضي، وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز في العاصمة الجزائرية، وبحثا فرص تعزيز التعاون بين البلدين لا سيما في مجال الطاقة، والغاز الطبيعي تحديداً.
تقارب متنامٍ
وسط الأزمة التي تُخيّم على المشهد الدبلوماسي بين فرنسا والجزائر، تشهد العلاقات التركية تنامياً متسارعاً في السنوات والأخيرة، خصوصاً وأنّ البلدين يمتلكان رؤى متطابقة حول العديد من القضايا الدولية والإقليمية، بدءاً من القضية الفلسطينية مروراً بقضايا تونس وليبيا ووصولاً لدور فرنسا الهدّام في القارة الإفريقية.
هذا التقارب كان له أثر متعاظم على تشجيع الاستثمارات المتبادلة بين البلدين منذ توقيع معاهدة التعاون المشترك قبل 15 عاماً، والتي فتحت الطريق أمام الاستثمارات التركية في الجزائر ووصولها لقرابة 5 مليارات دولار، في حين تتركز الاستثمارات الجزائرية بتركيا في مجال الطاقة، وهو قطاع مهم للغاية بالنسبة لأنقرة.
كما وتشهد العلاقات الثقافية اهتماماً كبيراً في الآونة الأخيرة، حيث أعلن البلدان فتح مركز ثقافي جزائري في تركيا وآخر تركي بالجزائر، ودُشّن مركز لتعليم اللغة التركية بالجزائر، وعُقدت اتفاقيات تبادل الطلبة بين البلدين.
تعاون واعد في مجال الطاقة
في أعقاب لقائه مع وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، الأربعاء الماضي، أكد دونمز وجود مجالات كثيرة للتعاون الاستثماري بين تركيا والجزائر، مشيراً إلى أهمية تفعيل الإمكانات المتوفرة.
ولفت الوزير في أثناء حديثه إلى تشجيع الاستثمارات المتبادلة بين البلدين وخاصة في مجالات الطاقة، منوهاً إلى الشراكة مع سوناطراك الجزائرية للمحروقات (حكومية) في بناء منشأة لإنتاج البولي بروبيلين (مادة بلاستيكية) داخل المنطقة الصناعية الكبيرة للبتروكيماويات في قضاء جيهان بولاية أضنة التركية عبر استثمار قيمته 1.7 مليار دولار أمريكي.
فكما يتعاونان في صناعة البتروكيماويات والمحروقات، يؤكد البلدان ضرورة تطوير فرص وإمكانيات الاستثمار والشراكة في قطاع الطاقة وخاصة في مجال إنتاج ونقل الكهرباء، فضلاً عن تقديم أشكال الدعم كافة وتبادل الخبرات في مجال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي في أعماق المتوسط.
بموجب قانون المحروقات الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ نهاية عام 2019، عرضت الجزائر في وقت قريب على تركيا، شراكات جديدة في قطاع الطاقة والمناجم، وسط أزمة دبلوماسية تعيشها مع فرنسا، التي كانت تستحوذ على أغلب مشاريع الطاقة في الجزائر، ودعتها لاستكشاف فرص الأعمال والآفاق المستقبلية للاستثمار، حيث ستمنح الشركات الأجنبية تحفيزات وإعفاءات ضريبية جبائية وجمركية خصوصاً في فترة البحث والاستكشاف والتنقيب.
أمن إمدادات الغاز
لطالما شكّلت معضلة امتدادات الطاقة لتركيا قلقاً كبيراً على مدار العقود الماضية، فتركيا لا تملك الكثير من مصادر الطاقة الطبيعية التقليدية كالنفط والغاز، وهي بحاجة لاستيراد أكثر من 95% من احتياجها للطاقة من الخارج بفاتورة باهظة جداً تصل لنحو 40 مليار دولار بالمتوسط، وهي سبب رئيسي في عجز الميزان التجاري الذي يشهده الاقتصاد التركي رغم وصول الصادرات التركية أكثر من 215 مليار دولار العام الجاري.
فإلى جانب اعتماد تركيا على الموارد المتجددة من أجل توليد قرابة 52% من احتياجاتها من الكهرباء، والتنقيب عن الغاز في مياهها الإقليمية في "الوطن الأزرق"، زاد اعتمادها على الغاز القادم من الجزائر وأذربيجان على حساب روسيا وإيران.
فبينما كان اعتماد تركيا على الغاز الروسي والإيراني قد وصل إلى 70% في عام 2009، انخفضت هذه النسبة إلى 45% في عام 2020. بالمقابل، كانت كمية الغاز القادمة إلى تركيا من أذربيجان والجزائر تُقدّر بنحو 26% في 2009، قبل أن ترتفع لنحو 36% العام الماضي، لكن يُتوقّع أن ترتفع النسبة لأكثر من ذلك بكثير في السنوات المقبلة في ظلّ تنامي العلاقات المتسارع.