بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يزور رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إسطنبول الجمعة، لحضور حفل إطلاق السفينة الحربية الثالثة من أصل أربع تصنعها تركيا لباكستان ضمن مشروعها الوطني لصناعة السفن الحربية "ميلغم"، وذلك وفقاً للبيان الصادر عن دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية.
وكانت تركيا فازت عام 2018 في مناقصة لبناء 4 طرادات بحرية "كورفيت" للبحرية الباكستانية، وهي الصفقة التي وُصفت في حينها بأنها "المناقصة الأكبر سعراً لصفقة واحدة، في مجال الصناعات الدفاعية التركية".
واتفق البلدان حينها على أن تشمل الصفقة حقوق الإنتاج المشترك ضمن إطار مشروع "ميلغم" التركي الخاص بإنتاج قطع بحرية بإمكانات محلية خالصة، الذي شمل اعتباراً من عام 2018 إنتاج 16 سفينة حربية للبحرية التركية، بالإضافة إلى 4 طرادات خاصة بالبحرية الباكستانية.
تركيا تصنع 4 سفن حربية لباكستان
في يوليو/تموز 2018 وقّعَت البحرية الباكستانية عقداً لشراء 4 طرادات ثقيلة قيد الإنشاء حالياً ضمن مشروع "ميلغم". وفقاً للعقد الموقع مع شركة الدفاع التركية المملوكة للدولة "أسفات" (ASFAT)، اتُّفق على بناء طرادين في تركيا وآخرين في باكستان، في صفقة تضمنت مشاركة خبرات وتكنولوجيا التصنيع في ما يخصّ هذا الطراز من السفن الحربية.
وفي الحفل الخاصّ الذي عُقد في حوض خاص ببناء السفن بإسطنبول في أغسطس/آب 2021 بحضور الرئيسين التركي والباكستاني، دُشّن العمل على أول الطرادات الذي يحمل اسم "بابور" وينتظر تسليمه للبحرية في عام 2023. تلاه في مايو/أيار 2022 حفل آخر في كراتشي بباكستان شهد إطلاق طراد "بدر" المنتظر تسليمه في عام 2024. وفي ما يخص الطرادين "خيبر" (إسطنبول) و"طارق" (كراتشي)، فسيُسلَّمان في 2024 و2025 على التوالي.
وصُمّمَت الطرادات الباكستانية لتكون أثقل وأكبر من الطرادات التي تُستخدم في تركيا من فئة "أدا"، بجانب تجهيزها بأحدث الأسلحة وأجهزة الاستشعار السطحية وتحت السطحية والمضادة للسفن والغواصات والطائرات، والتي تُدمَج من خلال نظام إدارة قتال مركزي متطور، فضلاً عن قدرتها العالية على التخفي من الرادارات. ويبلغ متوسط طول السفن 99 متراً بسعة إزاحة تبلغ نحو 2400 طن، كما يمكنها الإبحار بسرعة 29 ميلاً بحرياً.
ومشيراً إلى أن المشروع سيكون إسهاماً كبيراً في تعزيز قوة الأسطول الباكستاني، أوضح المدير العامّ للشركة التركية "أسفات" أسعد أكغون أنهم سينتجون بموجب مشروع آخر سفينة خامسة بعد إنتاج السفن الأربع، وأن تصميم السفينة وصنعها يجري بالتعاون مع باكستان، وستكون كل الحقوق المتعلقة بها ملكاً للطرفين. وأضاف أن الشركة تعتزم تنفيذ مشاريع أخرى سيُعلَن عنها لاحقاً مع القوات البرية والجوية الباكستانية.
مشروع السفينة الوطنية "ميلغم"
بإدارة البحرية التركية وتنفيذ رئاسة الصناعات الدفاعية التركية، دشت تركيا عام 2005 أول مشاريعها ضمن المشروع الوطني الأكبر لإنتاج سفن ومنصات بحرية بإمكانيات محلية خالصة. وحمل المشروع التركي الواعد حينها اسم "ميلغم (MİLGEM)" اختصاراً لـ"السفينة الوطنية (Millî Gemi)"، فيما هدف إلى تطوير طرادات وفرقاطات متعددة الأغراض يمكن استخدامها في مجموعة من المهامّ، بما فيها الاستطلاع والمراقبة والإنذار المبكّر والحرب المضادة للغواصات والقتال البحري والبري والجوي والعمليات البرمائية.
وفي عام 2014 تعاونت رئاسة الصناعات الدفاعية مع شركة (STM) التركية، التي تتعاون بدورها مع 50 شركة محلية أخرى لإتمام مهمة استكمال أعمال تصنيع الطرادات المتبقية من فئة "أدا"، ويأتي على رأسهما شركتا "أسيلسان" و"هافيلسان" التركيتان اللتان وُكلت إليهما مهامّ تطوير مكونات وأنظمة القيادة والتحكم وإدارة الحرب الإلكترونية.
وإلى جانب الطرادات الأربعة التي تنتجها تركيا للبحرية الباكستانية، يشمل مشروع "ميلغم" إنتاج 16 قطعة بحرية للأسطول التركي، وهي موزعة على النحو التالي: 4 طرادات حربية مضادة للغواصات من فئة "أدا" سُلّمت للقوات البحرية التركية، وطراد "أفق" الخاص بالعمليات الاستخباراتية، و4 فرقاطات متعددة الأغراض من فئة "إسطنبول"، و7 مدمرات حربية مضادة للطائرات من فئة (TF2000)، وحاملة الطائرات التركية (TCG Anadolu) التي بدأت البحرية التركية اختبار هبوط المروحيات على سطحها مؤخراً.
طفرة الصناعات الحربية في تركيا
ساهم الزخم الذي شهد قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا عموماً خلال العقدين الأخيرين في حصول طفرة في الصناعات الحربية على التوازي أيضاً، فإلى جانب تحديث البحرية التركية لتصبح منافساً قوياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ساعد تركيا على دخول إلى "دوري الأبطال" في الصناعات البحرية، مما لم يساعدها فقط لتصبح دولة مكتفية ذاتياً، بل فتح لها الباب واسعاً للمنافسة في سوق السلاح العالمية.
وبينما نشهد بين حين وآخر دخول سفن هجومية وحاملات طائرات وغواصات وزوارق هجومية مسيَّرة عالية التقنية والحداثة إلى الأسطول التركي، تطالعنا الأخبار التي تنقل تطوير شركات الصناعات الدفاعية أسلحة وذخائر وأنظمة دفاع ومراقبة واستطلاع فعالة ومنافسة من أجل تزويد قطع تركيا البحرية.
وإلى جانب القطع البحرية المختلفة التي طُوّرَت وأُنتِجَت ضمن مشروع "ملغم"، تسابق شركات تركية أخرى الزمن من أجل إنتاج 6 غواصات محلية من طراز "رئيس"، بالإضافة إلى إنتاج أنواع وأحجام مختلفة من مسيرّات "سيدا" البحرية.
وفي خطابه في حفل إطلاق الطراد "بدر" في كراتشي في مايو/أيار الماضي، أشار وزير الدفاع التركي خلوصي أقار إلى أن الاستقلال الذي حققته تركيا في صناعاتها الدفاعية أعطاها الفرصة حقاً لتلبية احتياجاتها الدفاعية والأمنية الوطنية والوفاء بمسؤولياتها الدولية. لافتاً إلى أن مشروع "ميلغم" الذي يتطور بسرعة هو دليل حي على الاستقلال التكنولوجي الذي وصلت إليه تركيا.