"فرنسا اليوم صارت محوراً محايداً في إفريقيا"، هكذا خاطب الرئيس إيمانويل ماكرون الخميس جمهوراً من مواطني الغابون، بكلمة ألقاها في زيارته للبلاد. هذا قبل أن يعلن أن "عصر فرنسا الإفريقية انتهى!".
"فرنسا الإفريقية"، هذا الاسم الذي لطالما كان عنوان الأيادي الاستعمارية الفرنسية في جيوب إفريقيا، أو بشكل أدق شبكة العلاقات السياسية والاقتصادية التي تحمي من خلالها باريس مصالحه في القارة السمراء، وتستغل خيراتها ومواردها الطبيعية.
ورغم إعلان ماكرون الأخير لا تزال شبكة العلاقات هذه قائمة، يديرها سماسرة من طينة فيليب بون عراب مارين لوبان الجديد في إفريقيا، الذي برز دوره مؤخراً بزيارة رئيسة الكتلة البرلمانية اليمينية المتطرفة إلى العاصمة السنغالية داكار.
لوبان في داكار
في الـ18 من يناير/كانون الثاني الماضي حلَّت رئيسة الكتلة النيابية لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الفرنسي مارين لوبان بالعاصمة السنغالية داكار، بزيارة لثلاثة أيام. خلالها وفق ما ذكرت صحيفة لوموند التقت لوبان الرئيس ماكي سال باجتماع رفضت الرئاسة السنغالية نشر صور له أو كشف مضامينه.
وحسب مستشار لوبان والنائب الأوروبي أوليفييه فيليب فإن الرئيسة السابقة لـ"التجمع الوطني" ترغب في أن تعطي "فكرة تعاون جديد مع إفريقيا، محترم، ودون دروس أخلاقية".
وليست هذه أول مرة تلتقي فيها لوبان قادة إحدى الدول الإفريقية، وقبلها في 2017 اجتمعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مع الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي كسر على حد قولها "حواجز الجهل والوصم الإعلامي".
بينما الزيارة الأخيرة تأتي حسب الصحيفة الفرنسية لتعزيز صورة مارين لوبان دولياً وبالنسبة إلى الدول الإفريقية تحديداً، لتروج لنفسها داخلياً تحضيراً لخوض الاستحقاقات الرئاسية للمرة الرابعة.
عراب لوبان الجديد
خلف الزيارة يقف رجل الأعمال فيليب بون رجل الظل الذي لعب دوراً كبيراً بلقاء لوبان سياسيين سنغاليين. فيما ينفي هذا الأخير أداءه ذلك الدور بمقابل مادي، بل "إذا كنت هنا فهذا بدافع الاحترام والمودة لمارين لوبان. إنها امرأة شجاعة تثير اهتماماً حقيقياً بين رؤساء الدول الإفريقية" حسبما صرَّح لمجلة لوبوان.
ويلف شخصية بون غموض كثيف، لكونه يفضل العمل بالخفاء. ووفق المجلة الفرنسية التي غطت زيارة لوبان لداكار فإنه كثير التفادي للعدسات ولا يريد البروز إلى الضوء "مخفياً عينيه وراء نظارات سوداء".
رغم ذاك فإن بون مقرَّب من نحو 22 زعيماً حالياً وسابقاً للدول الإفريقية، منها علي بونغو الغابوني وبول كاغامي الروندي وجوزيف كابيلا الكونغولي. وحسب "لوموند" فإن مهمة بون اليوم هي أن يصبح عدد أصدقائه الرؤساء 23 بفوز لوبان برئاسيات 2027، و"يدخل الإليزيه بلقب سيد إفريقيا".
وقضى بون سنوات طويلة من حياته ببناء شبكة علاقاته الواسعة في القارة السمراء، جامعاً المال والقرب من مراكز القوى بتلك البلدان. منها عمله لدى شركة الطاقة الفرنسية Elf لاستغلال حقول النفط بأنغولا، وإدارته مشروع تجديد سرب الطيران المدني السنغالي بطائرات شركة إير باص.
ويعد أمثال فيليب بون عماد شبكة المصالح الفرنسية بإفريقيا، وحسب المتخصص في علاقات فرنسا والقارة السمراء أنطوان جلاسر فإن "قوة رجال الظل بين فرنسا وإفريقيا وضْع أنفسهم بخدمة الأفارقة ومساعدتهم، عكس السياسيين الفرنسيين".