شكل التوتر المتصاعد مؤخراً بين الولايات المتحدة والصين مادة دسمة للحديث عن الحرب التجارية بين أكبر عملاقين اقتصاديين في العالم، لكن التركيز الكبير على الجانب التكنولوجي بين البلدين، من خلال فرض الولايات المتحدة حظراً على الشركات الصينية وعلى رأسها هواوي دفع للتساؤل عن السبب الرئيسي لاتخاذ تلك الإجراءات.
الولايات المتحدة قالت إن هواوي منخرطة في أنشطة مضادة للأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي منعت الشركات الأمريكية من التزود بأجهزتها إلا بعد موافقة الحكومة.
لكن خبراء تقنيون يؤكدون أن شبكات الجيل الخامس 5G هي أحد الأسباب الرئيسية للتوتر بين الصين والولايات المتحدة، فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها متأخرة عن تلك التقنية، بينما تصدرت فيها الصين، وصنعت لنفسها موطئ قدم لإمداد التقنيات الخاصة بشبكات الجيل الخامس 5G لعدد من دول العالم، منها دول أوروبية حليفة للولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعلن عن مبادرات جديدة لدفع تقنيات الجيل الخامس 5G في الولايات المتحدة وقال إن الأمر يتعلق بسباق وبلاده يجب أن تربحه.
وقال في حديث بالبيت الأبيض "لا يمكننا السماح لأي دول أخرى أن تتفوق على الولايات المتحدة في هذه الصناعة القوية المستقبلية، إننا الرواد في كثير من الصناعات من هذا النوع وببساطة لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك".
ويبدو أن الصين تتربع على رأس قائمة "الدول الأخرى" التي أشار إليها الرئيس الأمريكي، فبكين تعتبر واحدة من الدول الرائدة في تقنيات الجيل الخامس، من خلال العملاق الصيني هواوي، الذي استهدفته العقوبات الأمريكية الأخيرة.
5G.. تقنية السرعة الفائقة
يعد نظام 5G النظام الأحدث للاتصالات اللاسلكية، ولا توفر هذه الخدمة حالياً إلا خمس شركات، هي هواوي و ZTE (الصينيتان) ونوكيا (الفنلندية) وسامسونغ (الكورية الجنوبية) وأريكسون (السويدية). وقد دخل النظام الجديد حيز الاستخدام في أبريل/نيسان 2019 في كوريا الجنوبية.
وسيشكل الجيل الخامس من التقنية اللاسلكية نقلة نوعية من خلال تجهيز المستهلكين والشركات باتصالات تكون أسرع 100 مرة من شبكات الجيل الرابع.
ويقول خبراء التكنولوجيا إن هذه التقنية قد تغير حياتنا تغييراً جوهرياً، إذ ستسمح سرعتها الفائقة بالسيطرة على السيارات ذاتية القيادة وإجراء عمليات جراحية عن بعد، وتمتد هذه التقنية في كل أوجه الحياة من شبكات المواصلات إلى منشآت توليد الطاقة، وستصبح جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية لكل الدول.
وبالتالي يعتقد الخبراء أن ذلك سيجعل نتائج عطب هذه الشبكات أو استخدامها عمداً للتخريب أو الهجمات الرقمية يحمل خطورة بالغة.
تصدّر هواوي
تستثمر هواوي كل عام ما بين 10 و15% من عائدات مبيعاتها على البحث والتطوير. وأنفقت 13.8 مليار دولار على البحث والتطوير في 2017 ، و15 مليار دولار العام الماضي، وبدأت هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها.
فوفقاً للبيانات الرسمية الصادرة من "المنظمة العالمية للملكية الفكرية"، سجلت الشركة قرابة 5 آلاف و400 براءة اختراع في مؤسستها في العام 2018، لتحل في المرتبة الأولى عالمياً.
تحولت هواوي الصينية بكل هدوء إلى أحد أبرز مورّدي المعدات التي تشكل عصب شبكات الاتصال اللاسلكية، تحديداً في الأسواق النامية بفضل أسعارها المنافسة، ومكنت معدات 5G المتطورة هواوي من اختراق أسواق الدول المتقدمة مثل بريطانيا وألمانيا.
وعلى الرغم من الضغوط الأميركية نجحت الشركة في توقيع 40 عقداً تجارياً لتركيب شبكات، وشحن أكثر من 70 ألف محطة اتصالات أساسية لشبكات الجيل الخامس إلى العملاء في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط ودول في آسيا.
وتعد أوروبا أكبر سوق لهواوي خارج الصين، وتعتبر معداتها جزءاً أساسياً من البنية التحتية اللاسلكية في القارة.
ضغوط أمريكية
لكن ما يزيد الوضع خطورة بالنسبة إلى الشركة الصينية العملاقة، تساؤلات من حكومات غربية عما إذا كان ينبغي السماح لها ببناء شبكات الهواتف المحمولة في العالم من الجيل الخامس 5G.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مارست ضغوطاً على حلفائها بغية غلق شبكات مزودة بتقنيات خاصة بشركة هواوي، ما يهدد وصول الشركة إلى أسواق المعدات اللاسلكية من الجيل القادم.
واتهمت الحكومة الصينية مؤخراً الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة تطورها التكنولوجي، حيث تنفي هواوي الاتهامات بكونها تسهل عملية التجسس لصالح بكين، وقالت إنها ترفض أي طلبات حكومية بالإفصاح عن معلومات سرية حول عملائها الأجانب.
ويبدو أن الجهود الأمريكية نجحت بالتأثير على العملاق الصيني من عدة جهات، فقد أعلنت بعض الحكومات الأوروبية ومنها بريطانيا عن اقتصار التزود بمعدات من هواوي من خلال تركيب قطع "غير مركزية" في شبكة الاتصالات من الجيل الخامس.