الأربعاء الماضي حاول مجهولون إحراق منزل تقطنه أسرة تركية في مدينة سولينغن شمال غربي ألمانيا، بإلقاء زجاجة "مولوتوف" حارقة على شرفة المنزل. هذه الكارثة لم تكُن الأولى ولا الأخيرة، بل هي حلقة في سلسلة متصلة من الجرائم التي يرتكبها عنصريون ألمان بحقّ الأتراك وغيرهم من الجاليات التي تسكن في ألمانيا.
كان من الممكن أن تسبّب حادثة سولينغن خسائر بالأرواح لولا فطنة الأمّ وسرعتها في أطفاء الحريق قبل امتداده إلى المنزل والقضاء عليها برفقة أطفالها الثلاثة.
ومع كل حادثة من هذا النوع تتحول الأنظار مجدداً إلى الجرائم التي ارتكبتها جماعات يمينية متطرفة من أمثال "النازيون الجدد"، وتعود الذاكرة إلى الوراء لاستذكار العائلات والأطفال الذين راحوا ضحايا هذه الأفعال العنصرية، وردود أفعال السلطات الألمانية التي تطلق سراح مرتكبي هذه الجرائم بعد أيام أو حتى ساعات، متحججة بكونهم ما زالوا فتياناً لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد.
حوادث متكررة وضحايا بالمئات
عقب توحيد ألمانيا عام 1990، زادت حدة الهجمات العنصرية ضد الأجانب واللاجئين عمومانً، والأتراك خصوصاً، وكانت البداية بعد مقتل التركي مته أكشي ذو التسعة عشر ربيعاً على يد شبان ألمان في العاصمة برلين، في أكتوبر/تشرين الأول 1991، فيما حُكم على ألماني يبلغ من العمر 25 عاماً ثبتت مشاركته في عملية قتل أكشي بالسجن لمدة 3 سنوات و9 أشهر فقط.
وفي عام 2019، أصدرت مؤسسة "أماديو أنطونيو" التي تعمل في مجال مكافحة اليمين المتطرف بياناً أشارت من خلاله إلى التحقق من أكثر من 3 آلاف و300 حدث وقعت في تواريخ مختلفة في الماضي، وأن التحقيقات أظهرت أن 745 من هذه الأحداث وقعت بدوافع عنصرية.
وعلى صعيد متصل، ارتكب يمينيون متطرفون في ألمانيا عديداً من الجرائم، مثل الإحراق العمد والإرهاب والقتل خلال الفترة 1990-2020، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص خلال هذه الفترة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأناضول.
إحراق منازل الأتراك
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1992، أحرق متطرفون ألمان منزل عائلة تركية بمدينة هامبورغ الألمانية، توُفّيت على أثره الطفلة ييليز (10 أعوام)، والطفلة عائشة يلماز (14 عاماً)، بالإضافة إلى الجدة باهدة أرسلان (51 عاماً).
وفيما أصيبت الأم آيتن أرسلان بجروح خطيرة عندما قفزت من النافذة مع ابنها البالغ من العمر 7 سنوات حينها، نجا الابن الأصغر للعائلة الذي كان لا يزال رضيعاً بفضل جدته بهيده أرسلان التي لفّته في بطانيات مبلَّلة وخبأته بمكان آمن حتى وصول فرق الإطفاء التي أنقذت أفراد الأسرة الآخرين.
وبعد حادثة هامبورغ بأقلّ من عام، طوّق 4 أشخاص من منظمة "النازيون الجدد" في 29 مايو/أيار 1993، منزل لعائلة مهاجرة في مدينة سولينغن الألمانية، وأحرقته عبر إلقاء زجاجة مولوتوف حارقة، مما أدى إلى مقتل غورسون إينجه (28 عاماً)، وخديجة كنج (19 عاماً)، وغولستان أوزتورك (12 عاماً)، وخوليا كنج (9 أعوام)، وصائمة كنج (5 أعوام).
ولم تقتصر أعمال العنف ضد الأتراك في ألمانيا على إحراق منازلهم، فبعد حادثة سولينغن، قُتل بين عامي 2000 و2006 ثمانية مواطنين أتراك وآخر يوناني على يد منظمة إرهابية تسمى "National Socialist Underground".
جرائم عنصرية بحق جاليات أخرى
الجرائم العنصرية التي يرتكبها المتطرفون الألمان لا تفرّق بين الأتراك وجاليات أخرى، من أبرز هذه الحوادث:
- في 13 فبراير/شباط 1999 هاجم يمينيون متطرفون 3 أجانب في مدينة براندنبورغ، ونتيجة للهجوم قُتل اللاجئ الجزائري فريد جندول، فيما أُدينَ 8 يمينيين متطرفين بارتكاب الهجوم.
- في 1 يوليو/تموز 2009 تعرضت المواطنة المصرية مروة الشربيني لعملية طعن في قاعة محكمة دريسدن، بيد مهاجر روسي ألماني عنصري. وجاء الهجوم على خلفية ارتداء المواطنة المصرية للحجاب، وحُكم على المهاجم، الذي قتل الشربيني بستة عشر طعنة سكين، بالسجن مدى الحياة.
"النازيون الجدد"
تُعَدّ منظمة "النازيون الجدد" حركة متطرفة عنصرية تمتلك سياسية آيديولوجية شبيه بنازية هتلر، ويُطلَق عليها أحياناً "الفاشية الجديدة"، وتنشط في الدول التي غالبية سكانها من ذوي البشرة البيضاء في أوروبا، وبالأخصّ ألمانيا.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه أولى دلائل وجود منظمة "النازيون الجدد" في مدينة تورينغن الألمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بدأ مكتب المدّعي العامّ الفيدرالي إجراء تحقيق خاص للكشف عن توجهات هذه المنظمة.
وفي 11 يوليو/تموز 2018، حمّل القضاء الألماني منظمة "النازيون الجدد" الإرهابية، مسؤولية مقتل 10 أشخاص منهم 8 أتراك، في هجمات مسلَّحة وقعت في مدن ألمانية مختلفة.