تابعنا
تعمل الحكومات ووكالات الفضاء، منها وكالة ناسا (NASA) ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، في هذا الصدد على اختبارات الدفاع الكوكبي عبر تغيير مسارات الكويكبات الكبيرة باتجاه آخر عن الأرض.

تتساقط الكويكبات الصغيرة وغيرها من الجسيمات الدقيقة والغبار على كوكب الأرض يوميّاً، إلّا أنها لا تترك أثراً يُذكر، فهذه الكويكبات لحسن الحظ تحترق في الغلاف الجوي قبل أن تصل إلى سطح الأرض، لكن يبقى خطر اصطدام كويكبات كبيرة أو ما يُعرف بـ"الأجسام الخطرة القريبة من الأرض" (NEOs) مهدّداً للبشرية.

وتعمل الحكومات ووكالات الفضاء، منها وكالة ناسا (NASA) ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، في هذا الصدد على اختبارات الدفاع الكوكبي عبر تغيير مسارات الكويكبات الكبيرة باتجاه آخر عن الأرض، آخرها مشروع مركبة "اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج" (DART) لناسا التي اصطدمت عمداً العام الماضي بالكويكب "ديموروفوس" لتحرف مساره عن الأرض، في تَحدٍّ هو الأول من نوعه بتاريخ البشرية.

ورغم نجاح مهمة "DART" فإن الحكومة الأمريكية لا تزال تُبدي قلقاً واسعاً إزاء "الأجسام الخطرة القريبة من الأرض"، أي الكويكبات والمذنبات، معتبرةً أن أقلّ من نصف هذه الأجسام قادر على إحداث أضرار جسيمة على الأرض، وفق وثيقة أصدرها "البيت الأبيض" في الثالث من نيسان الحالي.

"تأهُّب ضد الخطر".. ما الخطة؟

دفعت هذه المخاوف الحكومة الأمريكية إلى إطلاق "استراتيجية التأهُّب الوطنية وخطة العمل لمخاطر الأجسام القريبة من الأرض والدفاع الكوكبي"، وتحديد أهداف رئيسية للتطوير والتصدي لخطر الكويكبات لعام 2023، وحسب الوثيقة الصادرة عن مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتكنولوجيا، فالأهداف هي تعزيز قدرات الكشف عن الأجسام القريبة من الأرض وتتبعها وتوصيفها.

إضافة إلى تحسين محاكاة نماذج الأجسام القريبة من الأرض والتنبؤ بها لاكتمال المعلومات، وتطوير تقنيات مهامّ الاستطلاع وتعطيل الأجسام، كما تضمنت الوثيقة زيادة التعاون الدولي بشأن التأهُّب للأجسام القريبة من الأرض وتعزيز إجراءات الطوارئ وبروتوكولات العمل الخاصة وممارستها روتينيّاً، وتحسين إدارة الولايات المتحدة للدفاع الكوكبي من خلال تعزيز التعاون بين الوكالات.

بدوره علّق رئيس وكالة ناسا، بيل نيلسون، عبر حسابه على تويتر على الخطة بقوله "يُعَدّ اكتشاف التأثيرات المحتملة للكويكبات والاستعداد لها أمراً بالغ الأهمية لحماية كوكبنا"، كما أبدى دعم وكالة ناسا استراتيجية الحكومة الساعية لأمن الفضاء.

آخرها "2023 DW".. أكثر من 1400 كويكب يهدّد الأرض

آخر ما رصده خبراء الفضاء من الأجسام القريبة من الأرض هو كويكب "2023 دي دبليو" (2023 DW) في مارس/آذار الماضي، رصده للمرة الأولى في 26 فبراير/شباط الماضي مرصد صغير في تشيلي، وخمّن العلماء موعد اصطدامه مع الأرض في عيد الحب من عام 2046.

ويبلغ عرض الكويكب 50 متراً، ولديه فرصة 1 من 607 لضرب الأرض حسب وكالة الفضاء الأوروبية، متوقعةً أن يصل الكويكب المحتمل في 14 فبراير/شباط 2046.

وذكرت شبكة "سي بي إس نيوز" أن من المتوقع أن يكون الكويكب بطول حوض سباحة أولمبي، وفي تصريح من مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي التابع لناسا للشبكة، قال إن خطر اصطدام الكويكب بالأرض "ضئيل للغاية" في الوقت الحالي، فيما تَوقَّع عالم الفلك الإيطالي بييرو سيكولي أن فرصة "2023 DW" لضرب الأرض هي 1 في 400.

وأُضيف الكويكب إلى ما يسمى "قائمة الخطر" المتضمّنة تفاصيل الأجسام العائمة في الفضاء والقادرة على التأثير في الأرض، إذ صُنّف في المرتبة الأولى على "مقياس تورينو"، وهي وسيلة طُوّرَت عام 1999 لتقييم مخاطر الأجسام الفضائية من الاصطدام بالأرض.

وهنالك ما يقارب أكثر من 30 ألف كويكب قريب من الأرض في النظام الشمسي توصل إليه العلماء، والعدد مستمر في الارتفاع، بينها 1425 كويكباً يمكنها التأثير في الأرض، يبقي العلماء أعينهم عليها باستمرار، حسب أحدث تقرير نشرته وكالة الفضاء الأوروبية عن حالة الأجسام الخطرة القريبة من الأرض (NEOs).

وصرّح رئيس قسم الدفاع الكوكبي في وكالة الفضاء الأوروبية ريتشارد مويسل، بأن "الخبر السار أن أكثر من نصف الكويكبات القريبة من الأرض المعروفة اليوم قد اكتُشفَت في السنوات الست الماضية، مما يدلّ على مدى تَحسُّن اكتشافاتنا ورؤيتنا لهذه الكويكبات".

وفي السنوات العشر الأخيرة شكّل انفجار "نيزك تشيليابينسك" عام 2013 في الغلاف الجوي لمنطقة تشيليابينسك الروسية الحادثة الأبرز في سياق تهديدات الفضاء منذ أكثر من قرن، إذ أدّى إلى إصابة 1500 شخص إثر تطاير الزجاج والأنقاض.

وفي عام 1908 دخل كويكب أو مذنَّب يبلغ قطره نحو 30 متراً الغلاف الجوي وانفجر فوق الأرض في منطقة تونجوسكا بروسيا مما أدى إلى تدمير ما يقارب 80 مليون شجرة على مساحة 2150 كيلومتراً.

أما أبرز حادثة لاصطدام كويكب في الأرض فهي قبل 66 مليون سنة عندما ضرب كويكب قطره نحو 10-15 كيلومتراً الأرض في الموقع الحالي لشبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك، وقتل الاصطدام 75% من المخلوقات التي كانت على الأرض، بما في ذلك الديناصورات، إضافة إلى تغيُّر المناخ على سطح الأرض.

لخدمة البشرية

سُجّلت أرصاد الأجرام السماوية والمذنَّبات لآلاف السنين عبر الحضارات، لكن تَطوُّر الرصد الفلكي للأجسام القريبة من الأرض بما في ذلك الكويكبات هو تطور حديث نسبيّاً، حتى أحدث الأبحاث هي لفهم وتطوير القدرة على تخفيف مخاطر تأثيرها.

كان اكتشاف عالم الفلك الإيطالي جوزيبي بيازي عام 1801، كوكب سيريس (كوكب قزم)، أكبر جسم في حزام الكويكبات، أول اكتشاف لكويكب، أما أول اكتشاف لكويكب قريب من الأرض المعروف بـ"433 إيروس" (433 Eros)، فحصل عام 1898 عن طريق عالم الفلك الألماني غوستاف ويت.

وفي عام 1973 بدأت إليانور هيلين وجين شوميكر من "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا" أول بحث منهجي رئيسي عن الأجسام القريبة من الأرض، إذ رسم مسح "Palomar Planet-Crossing Asteroid" الخاص بهما خرائط لـ65 مداراً من الأجسام القريبة من الأرض، حتى انتهى المشروع في منتصف التسعينيات، إذ أدى إرثهما العلمي إلى حقبة جديدة من عمليات البحث عن الأجسام القريبة من الأرض.

وأصبحت أهمية الكويكبات في التاريخ الجيولوجي للأرض وخطرها الحالي واضحة في الثمانينيات حين بدأ العلماء تشكيل افتراض أن كويكباً يبلغ عرضه نحو 10 كيلومترات من المحتمل أن يتسبّب في انقراض جماعي على الأرض.

وتشمل المعدات الحالية المستخدمة في مسوح الأجسام القريبة من الأرض أنظمة أرضية وفضائية، منها "كتالينا سكاي سيرفاي" (Catalina Sky Survey) وتليسكوب "المسح البانورامي ونظام الاستجابة السريعة" (PanSTARRS) ضمن أهمّ مشاريع كشف وتتبع الأجسام القريبة من الأرض بتمويل من "برنامج رصد الأجسام القريبة من الأرض " التابع لوكالة ناسا.

ويقع مقر "Catalina Sky Survey" في مختبر الأقمار والكواكب بجامعة أريزونا، ولدى "Pan-STARRS" نظامان للتصوير الفلكي واسع النطاق طوّرتهما وشغّلتهما جامعة هاواي، ويُبلِغ كلاهما عن اكتشاف الأجسام القريبة من الأرض ويتتبعها إلى مركز الكواكب الصغيرة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً