ما بين كتابة حرف الضاد "ض" ولفظه بالشكل الصحيح أو استخدامه في جملة ما، تحتار التركية إحسان في معرفة أيّها أصعب. "لا، اللغة التركية ليست صعبة، انظري إلى هذا الحرف في اللغة العربية (ض) الْفظيه قليلاً.. وبعدها حدثيني عن اللغة الصعبة".
تجيب إحدى تلميذاتها ضاحكة بعدما أبدت الأخيرة تعجباً من كلمة تركية استصعبت لفظها.
اللغة العربية لإتقان قراءة القرآن
التركية إحسان التي تعمل مدرسة لغة تركية في جامعة صباح الدين زعيم، واحدة من عشرات الأتراك الذين تعلموا اللغة العربية في إسطنبول.
وتقول إحسان في حديثها لـTRT عربي، إنها بدأت تعلم اللغة العربية في المرحلة الثانوية بمدرسة الإمام خطيب، حيث أرادت إتقان قراءة القرآن جيداً.
"بعد الثانوية أردت الاستمرار بتعلم اللغة العربية بقرار خاص مني، ثم تدربت على يد مدرّسة سورية ساعدتني كثيراً لفترة من الوقت".
وتتابع: "اللغة العربية ليست صعبة كثيراً، لكن كلّما أهملها فترة أنسى الكثير من قواعدها".
وعما إذا كانت كانت اللغة العربية تساعدها في تدريس اللغة التركية لطلابها الأجانب وأغلبهم من العرب، تقول إحسان بأنها تساعدها مع أنها لا تفضل استخدام اللغة العربية في تدريسها.
"أستعين بها عندما تكون القاعدة أو الكلمة التركية صعبة جداً".
لبناء تواصل فعّال مع الطلاب العرب
أما المدرس التركي صمد، فكان الهدف من تعلمه اللغة العربية التي لم يتقنها بشكل كبير بعد، أنه يدرّس اللغة التركية للأجانب.
ويقول في حديثه لـTRT عربي: "أرى أن تعلم اللغات المختلفة سيساعدني في التواصل مع مختلف الأشخاص لا سيما في المستويات الأولى من تعلّم اللغة التركية، إلى جانب حبّي لمطالعة النصوص الأدبية العربية وفهمها جيداً".
"كان قراري تعلّم العربية خلال دراستي الجامعية عام 2012، وهدفي الرئيسي كان فهم الشعر والأدب العربي لأني أحبه".
لكن اللغة صعبة ومعقدة قليلاً، وفق الشاب التركي. "من الأسهل بالنسبة إليّ أن أحفظ الكلمات وبعض العبارات، لكن التحدث والكتابة يمثلان مشكلة كبيرة بالنسبة لي حتى الآن".
"لا شيء يأتي من دون عناء"
وسواء كانت اللغة العربية صعبة حقاً أم لا، فلا تعتقد الشابة التركية زيشان أن شيئاً ما يمكن تعلّمه من دون عناء.
وفي حديثها لـTRT عربي، تقول بأن "لتعلّم اللغة العربية طريقة سحرية، وهي جهد الطالب للتعلم في خطة استراتيجية يضعها لنفسه".
"اللغة هي الأداة الأساسية للأشخاص للتواصل. وإن تعلّم أي لغة أجنبية يعني تعرّف لغة وثقافة أخرى غير لغتنا الأم التركية".
تتابع قائلة: "عندما تعلمت اللغة العربية، بنيْت جداراً في ذهني أقنعني بأن من المستحيل تعلّم هذه اللغة وأنه لا يوجد كتاب يكفي لتدريس اللغة بالكامل. لكن معلّمي ساعدني كثيراً في فهم اللغة ومعرفة كيف يمكن دراستها حتى أتقنتها مؤخراً".
ولم يقتصر تعلّم اللغة العربية على الشباب الأتراك الذين يسعون لتعرُّف ثقافات العرب الوافدين إلى بلادهم فحسب، ولا على مُدرسي اللغة التركية.
فيوجد محللون وسياسيون وباحثون أتراك كان لهم دائماً دور كبير في التحدث باللغة العربية وتعلّمها.
ويتحدث المحلل التركي مصطفى أوزجان عن الفرق بين فترة السبعينيات حين أتقن اللغة العربية وبين الفترة الحالية في تركيا.
ويقول لـTRT عربي إنه لم تكن في معاهد تعليم اللغة العربية وفرة ولم تكن العربية أساساً لغة التخاطب بين الأتراك والوافدين العرب قديماً.
"لكن خلال السنوات الماضية وبسبب تقارب تركيا مع الدول العربية والمصالح المشتركة بينها وعدد اللاجئين العرب الكبير الذي قدم إلى البلاد بعد ثورات الربيع العربي، أصبح تعلم اللغة العربية أمراً سهلاً".
وكان هدف المحلل التركي الأساسي من تعلّم اللغة آنذاك تعرُّف ثقافة الإسلام أكثر، موضحاً أن اللغة كانت صعبة للغاية.
"مثلاً كتب الصرف والنحو القديمة فيها تعقيدات كثيرة، لا أزال أذكرها".
إلا أن أمام الأتراك اليوم فرصاً كثيرة لتعلم اللغة العربية وفق أوزجان، لأن كتباً عربية كثيرة اليوم ووافدين كُثراً يمكن الاستفادة من خبراتهم والتعلم منها أكثر.
تركيا.. مركزاً جديداً لتعلم العربية
وجرت عادة الراغبين في تعلم أي لغة جديدة على السفر إلى البلدان التي تتحدث بها، من أجل إتقانها بشكل جيد، غير أن تطورات المنطقة كسرت هذه القاعدة، لتشكّل تركيا مركزاً جديداً لتعلُّم اللغة العربية.
ودفعت التطورات الساخنة في عدد من الدول العربية، مواطنيها بمختلف اختصاصاتهم، للتوجه والإقامة في تركيا، ومع تعذر سفر الأتراك إلى تلك البلاد، شكلت تلك الكفاءات هدفاً لهم من أجل تعلم لغة الضاد، والعلوم المختلفة بالعربية أيضاً.
وكانت تركيا تشهد قبل عام 2011 (انطلاق ثورات الربيع العربي)، مغادرة نحو 30 ألف طالب لتعلم اللغة العربية والعلوم الشرعية للبلاد العربية في كل عام، وفق وكالة الأناضول للأنباء.
ومع التطورات بعد هذا التاريخ، بات السفر متعذراً، إلا أن الخيارات أتاحت لهم تعلم لغة الضاد في بلادهم.