غالباً تجعلك مشاهدة منشورات أصدقائك ومعارفك تشعر بارتباط أكبر بهم، فتتبُّع الأخبار والصور الخاصة بركوب الدراجات والحفلات الموسيقية وحفلات العشاء والليالي التي يستمتع بها الأشخاص ضمن دائرتك الاجتماعية يُجنِّبك شعور الوحدة، ولكن لذلك جانباً مظلماً قد يتطوّر مع الوقت بشكل لا يمكن إنكار سلبياته.
ما المقصود بـ"الفومو"؟
جرى إدراج كلمة FOMO في قاموس أكسفورد عام 2013، وهي اختصارٌ لـFear of Missing Out أو الخوف من فوات الشيء، وهو الشعور بالقلق أو الخوف من تفويت الأحداث والفاعليات وعدم التفاعل معها، وفي أغلب الأوقات لا يعرف الأشخاص الذين تتملكهم هذه المشاعر حقيقة ما يعتقدون أنّهم يفوِّتونه إلا أنهم في قلقٍ دائم من استمتاع الآخرين من دون وجودهم، لدرجة قد تدفع بعضهم إلى عدم رفض أية دعوة يتلقونها حتى في أوقات انشغالهم.
تشير إيمي سامرفيل أستاذة علم النفس في جامعة ميامي الأمريكية متحدثةً إلى موقع healthline الطبي إلى أن هذا الخوف امتدادٌ للإحساس بالاندماج والمكانة الاجتماعية، فالطبيعة البشرية تفرض على الشخص بعد تلبية حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وملبس الحاجة إلى العلاقات الاجتماعية، وتلخِّصها بمشاعر سلبية كالندّم على عدم الوجود بمكان ما أو المشاركة بحدث ما مع القدرة على ذلك.
وسائل التواصل الاجتماعي المتَّهم الأول
منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي باتت مشكلة الخوف من فوات الشيء أكثر وضوحاً، إذ أصبحت هذه الوسائل منصات تقارن فيها حياتك العادية بأبرز أحداث حياة الآخرين، مما يسبِّب انحراف مفهوم ما هو طبيعي وعادي لديك عن معناه الصحيح، فتبدأ بالشعور بأن إنجازاتك أقل من إنجازات الآخرين.
في بعض الأحيان قد تتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى مكان للتفاخر حتى بمشاعر السعادة الوهمية، ويدخل الشخص في منافسة مع الآخرين وتجاربهم المثالية التي يعرضونها بشكل يدفع إلى التساؤل: "ما الذي أفتقده على الصعيد الشخصي لأكون صاحب هذه الصورة السعيدة أو تلك التجربة الفريدة؟"، ما يؤدّي بشكل أو بآخر إلى القلق والضغط النفسي. يقول دان أريلي مؤلف كتاب "توقُّع لا عقلاني" وأستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي بجامعة ديوك الأمريكية: "إننا نشعر بالخوف من أننا اتخذنا قراراً خاطئاً بشأن كيفية قضاء وقتنا".
كيف أتغلب على الخوف من فوات الشيء؟
يشكِّل الاعتراف بالمشكلة الخطوة الأولى لحلِّها ولذلك تشجِّع الجمعية الأمريكية للقلق والاكتئاب ADAA أن تعترف بعدم الأمان والقلق الذي يصيبك نتيجة الفومو وأن تكون واقعياً بتكرار تذكير نفسك بفكرة واحدة: "لا يمكن وجودي بكل الأماكن في كل الأوقات وممارستي للشيء الأروع على الإطلاق ولا بأس في هذا".
اقرأ أيضاً:
تنصح الجمعية أيضاً بممارسة اليقظة الذهنية (Mindfulness) التي تهتمّ بمحاولة التركيز على التجربة الحالية والإحاطة بها بوعي كامل والاستمتاع بها عن طريق ممارسة تمارينها المختلفة ودمجها بالمهام اليومية. فعلى سبيل المثال إن كنت تقوم بغسل الصحون ضع تركيزك في رائحة الصابون وملمس الفقاعات بين أصابعك وانسياب الماء على يديك.
تقنين وقت تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي
الجميع مُعرَّض للإصابة بمشكلة الفومو بغض النظر عن العمر والجنس، حسب ما تشير إليه دراسة نشرتها جامعة ولاية واشنطن هذا العام، وقد وجد الباحثون في هذه الدراسة أن الفروقات الشخصية مثل عدم الثقة بالنَّفس والشعور بالوحدة وغيرها هي التي تشكِّل فرقاً فيما يخص تطوُّر هذه المشكلة أو عدمها، فإن كنت من الأشخاص الذين قد تشكِّل لهم رؤية نشاطات الآخرين على وسائل التواصل انزعاجاً فبالتأكيد تتمحور نصائح الأطباء والباحثين لك حول تقليل وقت تصفُّح المواقع الاجتماعية.
تَجنَّب تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد الاستيقاظ ونظِّم وقتك بما يضمن تخصيص وقت معين من اليوم للتحقُّق من جميع وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك.
العبرة بالجودة وليس بالكمية
عليك بتوجيه تركيزك صوب الأمور التي من شأنها رفع مستوى كفاءة تجاربك لا عددها، وكن مستعداً لقول "لا" للمزيد من الأمور لتوفير الوقت للتجارب الحقيقة وتجنّب الأمور التي لا تعمِّق جودة حياتك.
في الصدد ذاته تؤكدّ نصائح موقع psychologytoday المعنيِّ بالصحة النفسية ضرورة استثمار الوقت والطاقة في تطوير المهارات والعلاقات الاجتماعية، والتركيز على التجربة بحدّ ذاتها (مثل الشعور بالإنجاز والمغامرة والمرح…) التي تكمن وراء الرمز (مثل الزواج وامتلاك منزل فاخر…) في سبيل تمييز الأمور المرضية حقاً مقابل تلك التي تعطي متعة مؤقتة زائلة.
لا لتعدُّد المهام
يؤمن إدوارد هالويل الكاتب والطبيب النفسي الأمريكي بأن تَسَاوِي الكفاءة الناتجة عن فعل أمرين في الوقت ذاته مقابل إنجازهما بشكل منفصل محض خرافة. يرى الكاتب أنه وبجانب الحصول على جودة أعلى عند تركيزك على مهمة واحدة فإنّ مستوى رضاك أثناء أدائها يكون أعلى.
كن ممتنّاً لما تملك
تشير الدراسات إلى أنّ الانخراط في أنشطة تعزز الشعور بالامتنان مثل كتابة المذكرات أو مشاركة الحديث عن التجارب المختلفة مع الأصدقاء كفيلٌ برفع معنوياتك. إن تركيزك على ما تملك يجعلك تشعر بأن لديك ما تحتاج إليه، ما يحميك من خوف عدم وجود شيء تعتقد أنّه ضروري لرفاهيتك، وهذا بطبيعة الحال يجنّبك الانجرار وراء سيل الشبكات الاجتماعية والقلق الناتج عنها. ببساطة ستصبح سعيداً بالوفرة التي تعيشها.

