سلاح المقاطعة.. كيف تؤثر حملات المقاطعة الشعبية على الدعم الغربي لإسرائيل؟ / صورة: AFP (Hazem Bader/AFP)
تابعنا

دائماً ما استُخدمت حملات المقاطعة الشعبية أداةً للنشاط السياسي بهدف إحداث التغيير المطلوب في مختلف القضايا، من الحقوق المدنية إلى الاهتمامات البيئية. وسبق أن نجحت حركات المقاطعة تاريخيّاً في مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحصول الأمريكان السُّود على حقوقهم المدنية.

وفي السنوات الأخيرة، كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما تخلّله ويتخلله من عنف وإبادة جماعية وتهجير، نقطة محورية لهذه الحملات، إذ دعا أنصار القضية الفلسطينية إلى مقاطعة إسرائيل اقتصاديّاً وثقافيّاً وأكاديميّاً.

الأمر الذي كان سبباً في ظهور حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل، وهي الحملة المعروفة باسم BDS، قبل نحو عقدين، التي بدورها تقود النشطاء والمنظمات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم للتعبير عن التضامن الهادف مع النضال الفلسطيني، لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فضلاً عن منتجات الشركات الكبرى الداعمة لإسرائيل.

سلاح المقاطعة

ومع استمرار الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة منذ أكثر من شهر، بات الفلسطينيون والمتعاطفون معهم من شتى أنحاء العالم يرون في حملات المقاطعة ملاذهم الأخير في وجه العدوان الإسرائيلي.

وردّاً على القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، والدعم الأمريكي والغربي المطلق، شهدت الأسابيع الأخيرة دعوات متنامية بين الشعوب العربية والإسلامية، وحتى المتعاطفين العالميين، إلى مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل.

#قاطع_عدوك لا شك بأنّ الكثير من الشركات العالمية، وضمن البنية العالمية للاقتصاد (الرأسمالية العنصرية)، هو شريك في حرب...

Posted by ‎حركة مقاطعة إسرائيل -BDS Arabic‎ on Sunday, October 22, 2023

وطالت الدعوات عدداً من أشهر العلامات التجارية العالمية التي تحظى بشعبية واسعة في الأسواق العربية، مثل ماكدونالدز، وستاربكس، وبيبسيكو، وكوكاكولا، وديزني، خصوصاً بعد إعلان عديد منها موقفه الداعم لإسرائيل.

وتعرضت ماكدونالدز وكارفور بشكل خاص إلى حملة عنيفة بعد إعلان فروعها في إسرائيل عن توزيع آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي، ما أثار غضب العملاء العرب والمسلمين على حدٍّ سواء، لا سيّما وأنها جاءت في وقت يُحرم فيه سكان غزة من مقومات الحياة الأساسية كالمياه والطعام والدواء والوقود.

حملات المقاطعة تنشط مجدداً

في خضم العنف الإسرائيلي غير المسبوق والمصحوب بحصار متصاعد على غزة، عادت حركة BDS إلى دائرة الضوء، إذ انتشرت دعوات المقاطعة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، واكتسبت الحملة زخْماً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي منذ اندلاع الحرب في غزة، التي راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف شخص، نصفهم أطفال، وَفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة بغزة.

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي انتشار عديد من حملات المقاطعة التي يقودها شباب متمرِّسون في مجال التكنولوجيا. وبينما ظهرت مواقع إلكترونية وتطبيقات هواتف ترشد المواطنين إلى المنتجات والشركات التي يجب مقاطعتها، ظهر ملحق سُمّي "PalestinePact" (ويعني بالعربية ميثاق فلسطين) يعمل على متصفح "جوجل كروم" بهدف إخفاء منتجات واردة في إعلانات عبر الإنترنت في حال كانت مدرجة على قائمة المقاطعة.

ولم تتوقف حملات المقاطعة على الميدان التكنولوجي فحسب، بل شهدت بعض البلدان، بما فيها الكويت، استخدام الطرق التقليدية أيضاً، إذ عُلقت لوحات إعلانية عملاقة تُظهر صوراً لأطفال ملطخين بالدماء، وكُتبت عليها شعارات صادمة، منها: "هل قتلت اليوم فلسطينيّاً؟" مع هاشتاغ "مقاطعون"، وذلك في رسالة موجَّهة إلى المستهلكين الذين لم ينضمُّوا إلى حملة المقاطعة بعد، وفقاً لما نقلته وكالة فرانس برس.

على صعيد متصل، رافقت حملات المقاطعة الاقتصادية دعوات شعبية تطالب حكوماتها بقطع علاقاتها مع إسرائيل، في حين نظمت مسيرات مؤيدة للفلسطينيين في العواصم العربية والعالمية الكبرى. وكذلك استدعت تركيا والأردن ودول لاتينية أخرى سفراءها لدى إسرائيل، وأعلنت السعودية وقف محادثات التطبيع، فيما استدعت جنوب إفريقيا دبلوماسييها للتشاور.

ما الأثر الاقتصادي لحركة المقاطعة؟

ترى BDS أن حملات حركة مقاطعة إسرائيل، التي تُنظَّم على مستوى شعبي تؤدي إلى تغيير الشركات والمستثمرين الكبار مواقفهم تجاه إسرائيل وسياساتها العنصرية والاستعمارية بحق الفلسطينيين.

ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة، شكَّلت حركة مقاطعة إسرائيل BDS عاملاً رئيسيّاً في انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 46% سنة 2014، مقارنة بسنة 2013. ونسب البنك الدولي جزئيّاً انخفاض الواردات الفلسطينية من الشركات الإسرائيلية بنسبة 24% إلى حملات المقاطعة. وتنبَّأت تقارير صادرة عن الحكومة الإسرائيلية ومؤسسة "راند" الأمريكية بأن حركة المقاطعة ستكلِّف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدولارات خلال الأعوام القادمة.

وعلى صعيد الشركات العالمية، انسحبت الشركات الأوروبية الكبرى مثل فيوليا "Veolia" وأورانج "Orange" وسي آر إتش CRH من السوق الإسرائيلية بعد حملات قويّة ضدّها لتورطها في الانتهاكات الإسرائيلية، وهو ما تسبب في خسائر مباشرة للاقتصاد الإسرائيلي فاقت قيمته عشرات المليارات من الدولارات، حسب موقع حركة BDS.

بالتوازي أقدم مستثمرون دوليون، بمن فيهم الكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة والكنيسة المنهجية، وصندوق التقاعد الهولندي PGGM وحكومات النرويج ولوكسمبورغ ونيوزلندا، على سحب استثماراتهم من شركات متورطة في الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. كما أقدمت بنوك أوروبية خاصة كبرى، منها بنك نوريدا ودانسكي، وأثرياء، بمن فيهم جورج سوروس وبيل غيتس، على سحب استثماراتهم من الشركات التي تستهدفها المقاطعة.


TRT عربي
الأكثر تداولاً