عندما نسمع كلمتي بُن أو قهوة تأخذنا أذهاننا مباشرة إلى متاجر ستاربكس المليئة برائحة حبوب البن التي تحفز حواسنا لطلب المشروبات المفضلة لدينا. لكن ما يجهله معظمنا أن ستاربكس ليست مجردة شركة مختصة ببيع القهوة وحسب، بل هي شركة عملاقة تملك أصولاً ووادع نقدية أكثر بكثير من تلك التي تملكها كبرى البنوك العالمية.
فكما يفاجأ البعض عند سماع أن ماكدونالدز تعمل في مجال العقارات، قد تكون مرتبكاً عندما تكتشف أن ستاربكس أصبحت أشبه بمصارف بودائع نقدية تجاوزت حاجز 1.5 مليار دولار. فقد لا يبدو لك الـ 1.5 مليار دولار بالمبلغ الكبير، لكنك ستتفاجأ عندما تعلم أن أكثر من 3900 بنك في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا لديها أصول أقل من 1 مليار دولار.
فما حكاية ستاربكس وكيف أصبحت أكبر سلسلة مقاهي في الولايات المتحدة والعالم؟ وكيف سخرت التقنية وولاء زبائنها لتصبح أكبر بنك في العالم؟ هذه التفاصيل وأكثر تجدونها في تقريرنا هذا.
أصل الحكاية
بدأت قصة ستاربكس في عام 1971 من طرف الثلاثي جيري بالدوين وزيف سيغل وجوردون بوكر في أحد متاجر سوق بايك بلايس التاريخي في سياتل، حيث افتتحت ستاربكس أول متجر لها لبيع حبوب البن المحمصة إلى جانب الشاي والتوابل القادمة جميع أنحاء العالم. أمّا الاسم فهو مستوحى من من الحكاية الكلاسيكية "موبي ديك" المستوحاة أصلاً من تقاليد الملاحة البحرية لتجار القهوة الأوائل.
عقب 10 سنوات على تأسيسها، اُعجب الشاب هوارد شولتز القادم من نيويورك بفكرة ستاربكس وضغط على المؤسسين لتعيينه مديراً للمبيعات والتسويق. ثم في زيارة إلى ميلانو بإيطاليا، قرر هوارد شولتز جعل ستاربكس مقهى بدلاً من متجر لبيع حبوب البن، لكن المؤسسين لم يكونوا متحمسين للفكرة، الأمر الذي دفعه في منتصف الثمانينات لشراء ستاربكس وتحويلها إلى الشكل الذي نعرفه اليوم.
وفي غضون خمس سنوات، نمت ستاربكس إلى حوالي 140 موقعاً وطُرحت للتداول في البورصة عام 1992. وفي غضون عامين فقط من طرحها للاكتتاب العام، تضاعف عدد متاجر الشركة ثلاث مرات بالفعل. وبحلول عام 1996، افتتحت ستاربكس متجرها رقم 1000 وظهرت لأول مرة في اليابان. وبحلول نهاية عام 2021 وصل عدد متاجر ستاربكس إلى ما يقرب من 34 ألف متجر في أكثر من 70 دولة حول العالم.
وعلى مر السنين، نمت ستاربكس كثيراً لدرجة أنها أدت إلى ظهور ما يسمى "تأثير فرابوتشينو" (فرابوتشينو أحد أشهر مشروبات ستاربكس)، إذ ترتفع أسعار العقارات بشكل كبير عندما يكون مقهى ستاربكس قريباً منها، وقد لوحظت هذه الظاهرة في العديد من المدن حول العالم.
أكثر من مجرد فنجان قهوة
عندما ضرب الركود أمريكا خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008، ومثل أي شركة أخرى كانت ستاربكس في حالة اضطراب. لكن ذلك لم يمنعها من تنظيم صفوفها وتعزيزها من خلال تعيين مواهب جديدة، كان من بينهم المدير التنفيذي السابق لشركة (Adobe) جيري مارتن، الذي تولى فريق ستاربكس التكنولوجي لإطلاق بطاقة ولاء ستاربكس على شكل تطبيق خاص بالهواتف الذكية.
فقد حفزت بطاقة الولاء هذه، التي لا تزال تستخدم في جميع أنحاء العالم حتى اليوم، الزبائن لاستخدام تطبيق ستاربكس من أجل إجراء معاملات الشراء بدلاً من استخدام النقود والبطاقات الائتمانية، إذ يمكن للمستخدم إيداع الأموال في حساب ستاربكس الخاص به على التطبيق واستخدام الرصيد لشراء القهوة، مما يسمح للمستهلكين بالحصول على مشروبات مجانية عند تجميعهم لعدد نقاط معينة.
ومن خلال هذه الطريقة العبقرية التي ضمنت عودة الزبائن باستمرار، تحول تطبيق مكافآت ستاربكس ليصبح من الأكثر شيوعاً واستخداماً في صناعة المطاعم والمقاهي، ففيما يشتري حوالي 41% من زبائن ستاربكس في الولايات المتحدة وكندا من خلال التطبيق مسبق الدفع، بلغت أرصدة المستخدمين حوالي 1.5 مليار دولار في نهاية عام 2019.
بنوك على شكل مقاهي
لا يزال أمام ستاربكس طريق طويلة لتقطعها للوصول إلى مستوى (Paypal) التي تمتلك 13 مليار دولار على حسابات عملائها في جميع أنحاء العالم، رغم ذلك فإن وضعها أقوى بكثير من بنوك عدة. وبينما يمتلك عملاء ستاربكس في أمريكا وحدها حوالي 1.2 مليار دولار كودائع داخل تطبيقها، فإن 85% من البنوك في الولايات المتحدة لديها أصول أقل من 1 مليار دولار، وفقاً لموقع (Market Watch).
لذلك، عندما يودع الزبائن أموالاً داخل حساباتهم على تطبيق ستاربكس، فإنهم فعلياً يقرضون الشركة مليارات الدولارات بفائدة 0%، وهو ما يدفع ستاربكس لاستخدام هذه الأموال للاستثمار وجني الأرباح مجاناً أو حتى الإنفاق عمليات التوسع.
وإلى جانب الفوائد الصفرية، ستستفيد ستاربكس من شيء آخر يطلق عليه "الكسر" في عالم التمويل، وهو المصطلح الذي يصف الأموال التي ينساها الزبائن أو يفقدوها داخل التطبيق، والتي تصل قيمتها بالمتوسط حوالي 10%. في السنوات المالية 2019 و2018 و2017، بلغ مدخول ستاربكس من "الكسر" حوالي 125 مليون دولار و155.9 مليون دولار و104.6 مليون دولار على التوالي.
وعلى عكس البنوك التقليدية، لا يمكن للزبائن استخدام الأموال الموجودة على التطبيق إلا لشراء القهوة ولا يمكن سحبها نقداً، ما يسمح لستاربكس بتجاوز العديد من اللوائح المالية التي تُلزم بها البنوك الأخرى التي تشعر بقلق حقيقي من توسع ستاربكس في الصناعة المالية.