عقب هجوم "طوفان الأقصى" المباغت، في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، خرج القس جون هاغي، رئيس كنيسة كورنرستون في سان أنطونيو تكساس وزعيم المسيحيين الصهاينة، داعياً إلى مساعدة إسرائيل في "أحلك فترات وجودها"، ومطالباً رعيته بجمع التبرعات باستخدام كلمات من الإنجيل: "إذا لم نتحرك الآن فسنفنى".
ويعد هاغي زعيم أكبر طائفة مسيحية داعمة لإسرائيل، وهي الطائفة الإنجيلية التي ينضوي تحتها كثير من المسيحيين البروتستانت في الولايات المتحدة، كما لها وجود قوي حول العالم. وتدعم هذه الطائفة تل أبيب، نظراً لاعتقادهم الديني القائل إن عودة المسيح إلى الأرض رهينة باستحواذ اليهود على أرض فلسطين.
أكبر داعمين لإسرائيل
يبلغ تعداد الإنجيليين حول العالم نحو 617 مليون نسمة، ينتشر أغلبهم في الولايات المتحدة، إذ يشكلون نسبة 25%. وتمثل هذه الطائفة خزان الأصوات للجمهوريين واليمين المتطرف في العالم، إذ صوت 85% لمصلحة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، كما مثلوا معظم مناصري الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو.
ويعد المسيحيون الإنجيليون أكبر الطوائف المسيحية الداعمة لإسرائيل، وفي الولايات المتحدة لهم إحدى أكبر المنظمات التي تعمل في هذا الصدد، وهي "منظمة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل" (CUFI)، التي يرأسها القس جون هاغي، وشعارها "من أجل صهيون". وتضم هذه المنظمة وحدها نحو 11 مليون عضو.
وبحسب مقال لمؤسسة "المركز العربي" في واشنطن، فإن "الدعم المسيحي الصهيوني (لإسرائيل) يتجلى في التصويت الهائل وقوة الضغط (...) وفي تدفق الأموال الإنجيلية إلى المستوطنات، إذ يوجه الكثير منها إلى منظمات مثل الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود".
وخلال الأسبوعين الماضيين، تعهد اللوبي الإنجيلي الأمريكي بتقديم مساعدات فورية بقيمة خمسة ملايين دولار لإسرائيل، في أعقاب الهجوم الذي شنته المقاومة. وفي أيام قليلة بعد الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول، جمع صندوق جوشوا، الذي أسسه المؤلف المسيحي الصهيوني جويل روزنبرغ، أكثر من 685 ألف دولار من التبرعات لمصلحة إسرائيل.
وقبل هذا، وفق ما كشفت تحقيقات سابقة لصحيفة "هآرتس"، فإن الإنجيليين استثمروا خلال العقد الأخير نحو 65 مليون دولار في مشاريع لدعم المستوطنين، بما فيها تنظيم رحلات للمسيحيين من أجل العمل في حقول استولى عليها المستوطنون من أصحابها الفلسطينيين، وتسليح المستوطنين ببنادق وسترات واقية ضد الرصاص.
بالإضافة إلى هذا، يقوم مكتب السفارة المسيحية بالقدس (منظمة إنجيلية)، ببرامج لتشجيع هجرة اليهود إلى المستوطنات، بما فيها منح كل مهاجر راتباً يعادل 1300 دولار، وفق مقال آخر لـ "هآريتس".
وهو ما وصفه ديفيد وايلدر، المتحدث باسم مستوطني الخليل، قائلاً: "هناك العديد من الأشخاص الذين ليسوا يهوداً، لكنهم يحبون دولة إسرائيل كثيراً، ويحبون أرض إسرائيل، ويفهمون ضرورة وجود اليهود هنا، ويعبرون عن هذا الحب بطرق مختلفة. إحداها هو المال".
وفي خطاب له أمام آلاف الحاضرين في المؤتمر السنوي لمنظمة "CUFI" في واشنطن، عام 2017، شكر نتنياهو المنظمة الإنجيلية، قائلاً: "أنتم موجودون دائماً من أجلنا. ليس لدينا أصدقاء أفضل منكم على وجه الأرض".
لماذا يدعم الإنجيليون إسرائيل؟
ويقوم هوس الإنجيليين بدعم إسرائيل على تفسير متشدد لآية العهد القديم التي يقول فيها الله لإبراهيم (حسب معتقدهم): "أبارك مباركيك ولاعنك ألعنه". كما سعياً لتحقيق نبوءة سفر الرؤيا من العهد الجديد، والقائلة بضرورة سيطرة اليهود على أرض فلسطين من أجل قيام معركة هرمجدون ونزول المسيح ليخلص البشرية.
وليس هذا المعتقد مرتبطاً فقط بأتباعه من العامة، بل كان يعتنقه عدد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين. وهو ما يؤكده مدير النشر السابق لصحيفة "لو جورنال دي ديمونش" الفرنسية، جان كلود موريس، إذ يحكي واقعة اتصال هاتفي دار بين جورج بوش الابن والرئيس السابق جاك شيراك، دعاه فيها لخوض الحرب على العراق من أجل تحقيق النبوءة الإنجيلية.
وقال موريس: "خلال هذه المحادثة الهاتفية التي هدفت إلى إقناع نظيره الفرنسي بالانضمام إلى التحالف، استخدم جورج بوش الابن حجة فريدة، مؤكداً أن "يأجوج ومأجوج يعملان في الشرق الأوسط" وأن "نبوءات الكتاب المقدس على وشك أن تتحقق ويجب استيفاؤها" (...) في ذلك الوقت، كان جاك شيراك مذهولاً ولم يصدر منه أي رد فعل".
ويتخذ الإنجيليون الأمريكيون هذا المعتقد لتبرير دعمهم المالي لإسرائيل، إذ تصف منظمة "الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود" نفسها بـ"الوزارة الأكبر والأكثر فاعلية التي توفر للمسيحيين فرصاً لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس من خلال دعم إسرائيل والشعب اليهودي بالمساعدات المنقذة للحياة".
وينظم الإنجيليون بشكل مستمر رحلات دينية إلى القدس والأراضي الفلسطينية، تتخللها زيارات إلى جبل مجدون، إذ يقوم قساوسة بسرد حكايات ومواعظ عن الحرب المنتظرة والنبوءة التي عليها أن تتحقق.