بعد إعلان كبرى شركات الشحن البحري العالمية تعليق رحلاتها البحرية في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، ردّاً استهداف جماعة الحوثي السفن العابرة لمضيق باب المندب، سواء تلك المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، من المقرر أن تعلن الولايات المتحدة عن إطلاق قوة حماية بحرية موسعة تضم دولاً عربية لمكافحة هجمات الحوثيين المتكررة بشكل متزايد، حسبما نقلت الغارديان.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه من المقرر أن يعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن القوة، التي تحمل اسم "عملية حارس الرخاء" مؤقتاً، عندما يزور الشرق الأوسط. وكما هو الحال مع فرقة العمل 153 التي تعمل بالفعل من البحرين، فإن قوة الحماية الأكبر حجماً مصممة لتوفير الطمأنينة لشركات الشحن التجارية بأن هجمات الحوثيين سيجري وقفها، وأن البحر سيظل آمناً للشحن التجاري.
وفي حين أن هجمات الحوثيين بدأت تترك آثاراً سلبية في التجارة العالمية، لا تقتصر بالضرورة على إسرائيل التي تعتمد بشكل أساسي على النقل البحري، فمن شأن التحالف الذي تستعد واشنطن لقيادته لوقف هذه الهجمات أن يوسع مسرح الحرب إقليميّاً ويكون سبباً في نقل الحرب بين إسرائيل وحماس إلى مستوى دولي خارج عن السيطرة.
خنق التجارة العالمية
ومنذ أن بدأت جماعة الحوثي اليمنية تنفيذ وعودها عمليّاً باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ردّاً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، توقع الخبراء أن لا تهدد عمليات الاستيلاء المتتالية في وقتها الشحن الإسرائيلي فحسب، بل تهدد حركة المرور بأكملها في البحر الأحمر، الذي يعد أحد أكثر طرق الشحن ازدحاماً في العالم.
وكما توقع الخبراء تماماً، كانت عمليات الاستيلاء بداية سلسلة من الهجمات البحرية في مضيق باب المندب ومنطقة جنوب البحر الأحمر المهمة للتجارة العالمية، حيث تعرضت الجمعة سفينة مملوكة لشركة هاباج-لويد لأضرار جراء "هجوم جوي" على بعد 50 ميلاً بحريّاً شمالي ميناء المخا اليمني، فيما نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين أن وصول السفن إلى ميناء إيلات الإسرائيلي توقف بشكل شبه كامل بسبب هجمات الحوثيين.
ووفقاً لآخر الإحصائيات، يمر عبر مضيق باب المندب نحو 12% من إجمالي حجم التجارة العالمية، وقرابة 30% من حركة الحاويات العالمية. فيما أدت التغيرات الجيو-سياسية في السنوات الأخيرة إلى زيادة أهمية البحر الأحمر، الذي يعد ممرّاً للبضائع القادمة من شرق آسيا.
ولأن إسرائيل لا تمارس أي تجارة عن طريق البر، كما تفعل أوروبا على سبيل المثال، فإنها تعتمد بشكل كبير على موانيها البحرية التي يمر عبرها أكثر من 98% من تجارة البضائع الإسرائيلية، حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية. ومع تحول بوصلة التجارة العالمية شرقاً، تحولت تجارة إسرائيل هي الأخرى إلى دول شرق وجنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة، مما يعني أن تجارتها باتت تعتمد أكثر على الخطوط البحرية التي تمر عبر مضيق باب المندب وقناة السويس.
ففي عام 2006، وصل نحو 191 ألف حاوية بضائع إلى الشواطئ الإسرائيلية من شرق آسيا، بينما جاءت 268 ألف حاوية من أوروبا الغربية، ولكن بحلول عام 2019، جرى تفريغ ما يقرب من 278 ألف حاوية قادمة من آسيا في مواني أسدود وحيفا، بينما انخفض العدد من أوروبا الغربية إلى نحو 260 ألف حاوية، وفقاً لما نقلته هآرتس.
عمالقة الشحن خارج البحر الأحمر
مع انخراط الحوثيين بشكل أقوى في مناصرة حماس، التي تتصدى لأشرس عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد حدة الهجمات، التي تستهدف السفن المرتبطة أو المتوجهة إلى المواني الإسرائيلية، في مضيق باب المندب، أعلنت ثلاث من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم تعليق رحلاتهم البحرية في البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وأبرز هذه الشركات تمثلت في ثلاث تُصنَّف بأنها أكبر شركات شحن الحاويات عالميّاً، وهي: شركة MSC، وشركة إيه.بي مولر-ميرسك، إلى جانب شركة CMA-CGM. والشركات الثلاث تشكل أكثر من 40 بالمئة من سوق شحن الحاويات بحراً حول العالم، حسب بيانات "STATISTA"، ولديها مئات السفن التجارية العاملة، وفقاً للأناضول.
وعلى ضوء ذلك، تتصاعد حدة المخاوف العالمية من احتمالية إعلان شركة أخرى تعليق حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، ما يعني تذبذباً في سلاسل الإمدادات العالمية بين الشرق والغرب، وبالتالي عودة التضخم مجدداً.
هل تتوسع الحرب؟
في الوقت الذي تُجري وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" مباحثات من أجل تأسيس "قوة مهامّ بحرية" تضم 39 دولة لصد هجمات جماعة الحوثي اليمنية "على السفن التجارية في البحر الأحمر"، هددت جماعة الحوثي بأن أي تحرّك عدائي ضد اليمن "ستكون له عواقب وخيمة".
وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحدث عن التهديد الحوثي مع الرئيس بايدن وقادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وقال لهم إن "إسرائيل تمنح العالم الوقت لتنظيمه ومنعه". وقال للقناة 12 الإسرائيلية: "إذا لم توجد منظمة دولية –لأن هذه مشكلة عالمية– فسنعمل على إزالة الإغلاق البحري"، ولم يرد على سؤال حول ما إذا كان يشير إلى العمل العسكري.
وحتى الآن، أسقطت البحرية الفرنسية والبريطانية والأمريكية الطائرات دون طيار والصواريخ التي يسيطر عليها الحوثيون. وفي زيارة إلى إسرائيل، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إن هجمات الحوثيين "لا يمكن أن تُترك دون رد".
بالمقابل، قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني إن أي قوة عمل متعددة الجنسيات ستواجه مشكلات غير عادية في أثناء محاولتها حماية الملاحة في البحر الأحمر. وأضاف: "إذا أجرت الولايات المتحدة مثل هذه الخطوة غير العقلانية، فسوف تواجه مشكلات غير عادية.. لا يمكن لأحد أن يتحرك في منطقة نسيطر عليها"، وفقاً لما نقلته الغارديان.