تابعنا
يُعزى الدافع وراء  النمو المطّرد للتعاملات التجارية والمصرفية بـ"تروي" خلال شهر واحد إلى حملة مقاطعة تركية لوسائل الدفع الأجنبية بخاصة الأمريكيَّتين "ماستر كارد" و"فيزا" في أعقاب الحرب على غزة.

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أطلق الشعب التركي مبادرات تضامنيّة عدّة مع الفلسطينيّين، وارتفعت أصواتٌ مطالبة بدعم سكّان القطاع، وبالضغط السياسيّ والدبلوماسي والاقتصادي على إسرائيل وداعِميها في العواصم الغربية.

يجد كثيرون في سلاح المقاطعة الاقتصادية أداة فعّالة للضغط والتعبير عن رفض السياسات الغربية المساندة لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، ويوُجِّهون سلاح الاقتصاد ضدّ مصالح شركات أمريكية وأوروبية، تنشط في قطاعات اقتصادية متعدّدة.

هكذا برزت إلى العلن وسيلة الدفع المحليّة "ترُويْ" (TROY)، كبديل للوسائل الأمريكية، وحقّقت نمواً كبيراً منذ اندلاع الحرب.

في القطاع المصرفي، قرّر ملايين الأتراك الاستغناء عن أنظمة الدفع "ماستركارد" و"فيزا"، وانصرفوا عنها إلى النظام التركي المحليِّ الذي أضحى البديل الأكثر استعمالاً في أوساط المقاطعين "الرافضين لتمويل الحرب الإسرائيلية".

يرى المقاطعون أن بوسع سلاح الاقتصاد و"العقوبات المالية" التأثير على دفّة القرار في مراكز السّلطة الغربية، ودفعها إلى التوقّف عن تقديم الدعم غير المشروط للجيش والسياسات الإسرائيليّة.

خلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أصبح الحديث عن النظام الإلكتروني للدفع والتحويل "تروي" منتشراً بشكل واسع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدَّر الوسم (هاشتاغ) "#TroyKartaGeçiyoruz" (ننتقل إلى بطاقة تروي) أكثر الوسوم المنتشرة على الصفحات الناطقة باللغة التركية.

يدعو هؤلاء إلى مقاطعة أنظمة الدفع والتحويل الإلكترونية الأمريكية، واستبدالها بالنظام المحليّ التركي -الذي تأسّس قبل سنوات، كشبَكة وطنية لدفع الأموال وتحويلها- والذي لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنظمة الماليّة الأجنبية.

"تروي" مسألة ضمير

بعد شهر من بدء حملة المقاطعة، أعلنت "تروي" أنّ عدد بطاقاتها وصل إلى 19 مليوناً، مع ارتفاع كبير في حجم تجديد بطاقات "تروي" وطلَبِها لأول مرّة في الشهر الماضي، إلى جانب ارتفاع كبير في حجم المشتريات التي تمّت عن طريق البطاقات البنكية المستعمِلة للنظام.

ويُعزى الدافع وراء هذا النمو المطّرد للتعاملات التجارية والمصرفية بـ"تروي" خلال شهر واحد إلى حملة مقاطعة وسائل الدفع الأجنبية بخاصة الأمريكيَّتين "ماستر كارد" و"فيزا".

وفي ظل الحرب الحالية على غزة، يرى كثير من المواطنين الأتراك أن مقاطعة أنظمة الدفع الأجنبية واستعمال "تروي" مسألة "ضمير"، تفرض عليهم الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، وتُبلّغ صوت احتجاجهم وغضبهم من استهداف المدنيين في القطاع.

ويوضّح هؤلاء أن الحملة تستهدف العمولات التي تحصل عليها هذه الشركات باعتبارها "وسيطاً" يحصل على عمولة مالية خلال كل معاملة مالية، وأن "هذه الأموال تصل بطريقة أو أخرى إلى إسرائيل".

ووفق وسائل إعلام تركية، فإن العمولات التي تدفعها المصارف التركية لأنظمة الدفع الأجنبية تصل سنوياً إلى نحو 130 مليون دولار سنوي، ما يعني أن الإقبال الواسع على النظام المحليّ قد يعود بالفائدة على القطاع المصرفي التركي الذي لن يكون مضطراً لدفع هذه العمولات إلى الشركات الماليّة الأجنبية.

وعن هذا الإقبال الشعبيّ على نظام "تروي" تقول أوميهان بيكر، مستشارة نفسية، إنها مثل الكثير من الأشخاص، اكتشفت "تروي" بفضل الوسم المنتشر في منصات التواصل الاجتماعي.

وتبين بيكر في حديثها مع TRT عربي، أنها اعتمدت النظام التركي لـ"مقاطعة إسرائيل، ولأنها تريد دعم العلامة التجارية المحلية".

وأضافت أن اتخاذ قرار بهذا الخصوص "أصبح سهلاً، فالقمع ضد فلسطين يشغل بالي منذ فترة طويلة، وبالنظر إلى الوضع الحالي، فإن حقيقة أن ماستركارد وفيزا تدعمان إسرائيل هو سبب كاف، فضلاً عن ذلك فإن كون "تروي" علامة محليّة عزّز اختياري".

بدورها، تشرح فريدة كاراتاس، فنانة مقيمة في إسطنبول، أنها أصبحت "بعد ما وقع في غزة من مجازر"، مؤمنةً أن "قطع مصادر التمويل عن إسرائيل مسألة ضمير".

وأضافت كراتاس لـTRT عربي: "لدي طفلان، ولا أستطيع مشاهدة الأطفال الفلسطينيين يعانون خائفين ومرتجفين، ويبكون بلا حول ولا قوة وحدهم. لهذا السبب أنا وأصدقائي نحاول فعل كل ما بوسعنا بضمير".

كيف تطوّر نظام تروي؟

أُطلق نظام الدفع والتحويل الإلكتروني التركي "تروي" عام 2016، بفضل تكتّل بين مؤسسات بنكية محليّة عدة، ويُستعمل حالياً من طرف 19 بنكاً تركياً، وتنخرط فيه 55 مؤسسة.

ووفق الموقع الرسمي، فإنه "نظام دفع بالبطاقة أُنشئ ويُشغّل بواسطة مركز البطاقات بين البنوك 'BKM' الذي حصل على ترخيص البنك المركزي التركي في 31 مارس/آذار 2016".

وفي عام 2020، أصبح البنك المركزي التركي مساهماً رئيساً في النظام، ليعمل على تطوير وتسريع وتيرة انتشاره.

يمكن استعمال بطاقات الدفع في المعاملات المالية والإلكترونية في تركيا مجاناً، وعبر الهواتف من خلال خدمة الرسائل القصيرة.

وخلال السنة الحالية، توسّع حجم التعامل بالنّظام بشكل كبير، وانتقلت التعاملات ببطاقة "تروي" من 3.6 مليار ليرة تركية إلى 48 مليار ليرة (نحو 1.68 مليار دولار)، وفق أرقام نشرتها إدارة نظام الدفع "تروي".

ورغم أن النظام كان يشهد نمواً إيجابياً مستمراً منذ يناير/كانون الأول من العام الحالي، فإن شهر أكتوبر/تشرين الأول، الذي وافق بداية الحرب على غزة ودعوات مقاطعة البطاقات الأمريكية، شهد طفرة كبيرة في نظام الدفع "تروي".

وانتقلت المعاملات خلال شهر واحد من 30.5 مليار ليرة (نحو 1.06 مليار دولار)، إلى نحو 48 مليار ليرة (1.68 مليار دولار تقريباً)، ما يدلّ على إقبال أكبر على استعماله خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول.

أفراد ومؤسسات مقاطعة

من ضمن المستعملين الجُدد للنظام مواطنون أتراك يرفضون التعامل مع العلامات التجارية الغربية التي أرسلت إشارات داعمة لتل أبيب، أو قدّمت مساعدات ماليّة لها في السنوات الأخيرة، وخلال الحرب على غزّة.

ولا يتوقفّ انتشار استعمال نظام الدفع "تروي" في أوساط الأفراد والمنظمات المناصرة لفلسطين فقط، بل أضحى ينتشر أيضاً في أوساط الشركات الخاصة وحتى الحكوميّة.

وقرّرت مؤسسات حكومية وجامعات ونقابات وقف التعامل عبر أنظمة الدفع الأجنبية، ودعت أعضاءها إلى استعمال بطاقات محلية تعتمد نظام "تروي"، فيما قرّرت مؤسسات دفع رواتب موظفيها عبره.

ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن رئاسة الشؤون الدينية التركية قرّرت الانتقال إلى النظام المحليّ.

وقرّرت بلديات عدّة في تركيا دفع رواتب موظفيها بـ"تروي"، من ضمنها بلدية جوموشهانة، التي قال رئيسها على موقع "X" (تويتر سابقاً)، إن قراره جاء رداً على "القمع الإسرائيلي"، مؤكداً بالقول: "نستبدل بطاقات الخصم والائتمان التي نستخدمها مع جميع زملائنا بنظام "تروي" طريقة الدفع المحلية الأولى والوحيدة في تركيا. دعونا نختَر ولا نكن أداة للقمع".

TRT عربي
الأكثر تداولاً