تعيش أوروبا خلال الصيف الجاري أوضاعاً مناخية متطرفة / صورة: AP (Emilio Morenatti/AP)
تابعنا

حالة استثنائية من القيظ الشديد تلك التي عاشها العالم هذا الصيف، وهو ما يؤكده مرصد "كوبرنيكوس" التابع للاتحاد الأوروبي في دراسته الأخيرة، موضحاً أن موجة الحرارة التي يشهدها الكوكب بلغت مستويات قياسية تاريخية. كما حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بلاغ سابق لها، من أن النصف الشمالي للعالم يختنق تحت وقع أحوال طقس متطرفة هذا الصيف.

وتُعزى هذه الأحوال الجوية القاسية إلى ما يُسمَّى بظاهرة "القباب الحرارية"، التي تنتج بسبب ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العليا، وهو ما يؤدّي إلى حبس الهواء الساخن المتصاعد من البحار والمحيطات في الطبقات السفلى على شكل قباب عالية الحرارة.

وكانت أوروبا أحد أكثر المتضررين من هذه الأحوال الجوية، متأثرة بالقبة الحرارية الكبيرة التي تشكلت فوق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما تسبب في موجة حرارة شديدة في جنوب أوروبا، التي أطلق عليها اسم "خارون". بالإضافة لمستويات الجفاف الكبيرة بسبب شح التساقطات المطرية وانخفاض صبيب الأنهار ومياه السدود.

فيما لا تهم أزمة المياه هذه مترفي البلدان الأوروبية، وفي وقت لجأ فيه عدد من المدن الأوروبية إلى العمل بنظام حصص المياه لعموم سكانها، استمرّ الأغنياء في إضاعة كميات هائلة في تلبية وسائل رفاهيتهم: كملء المسابح وسقي الحدائق وغسل السيارات. وهو ما يحيل إلى فجوة طبقية شاسعة بين مواطني الدول الأوروبية، تزيد الأزمة المناخية الحاصلة تكريسها.

أزمة المياه في أوروبا

بلغت معاناة أوروبا من الجفاف، هذا الصيف، أقصى مداها بفعل قلة التساقطات خلال الشتاء الماضي وفصل ربيع حارّ وجافّ، فيما أتت أحوال الطقس القاسية خلال الصيف، وموجات الحرارة القاتلة، لتكمل البقية وتنال من مستويات مياه الأنهار والسدود.

وشهدت مياه السدود في دول الضفة الشمالية للمتوسط انخفاضاً كبيراً، بخاصة في إيطاليا حيث بلغت مستويات المياه أقلّ مستوياتها، مما يهدّد الإنتاج الزراعي للبلاد. في حين اندلعت الاحتجاجات عنيفة على نقص المياه في كل من فرنسا وإسبانيا.

وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية التي حلّلها باحثون من جامعة غراتس النمساوية في بداية العام، أن الجفاف في أوروبا يسير في نطاق أوسع بكثير مما توقعه الباحثون سابقاً.

ووفق تقرير أخير للمفوضية الأوروبية، يعاني جنوب أوروبا جفافاً مطولاً، ولكنه بدأ التعافي تدريجياً بفضل هطول الأمطار في الآونة الأخيرة. مع أن هذه المطار لم تكُن كافية لموازنة النقص الكبير في المياه في شبه الجزيرة الإيبيرية. فيما يتزايد الجفاف في مناطق جديدة كبحر البلطيق والدول الإسكندنافية والمملكة المتحدة وأيرلندا وألمانيا، وهو ما يثير مخاوف بشأن نمو المحاصيل.

فيما هي خلاصات تؤكّدها بيانات "المرصد الأوروبي للجفاف"، التابع لمركز كوبرنيكوس، إذ تتحدث عن أن الجفاف يؤثر في 48.1% من القارة، و99.9% من أراضي التشيك، و95% من أراضي بولندا، و77.6% في سويسرا، وفي ألمانيا 88% من الأراضي تعاني شح المياه.

وفي ظلّ هذا الواقع أصبح عدد من الدول الأوروبية يعتمد إجراءات قاسية للمحافظة على المياه. ومنذ عام 2022 بدأت العاصمة الإيطالية روما في العمل بنظام محاصصة المياه، مع حظر ملء المسابح الخاصة وغسل السيارات بالخراطيم، كما حظرت أجزاء من جنوب فرنسا بيع حمامات السباحة في مساعٍ منها لمنع إهدار الماء.

الأغنياء يواصلون تبذير المياه

وعلى الرغم من هذه الأزمة التي تعيشها الدول الأوروبية، وإجراءات الحفاظ على الماء، يستمرّ أغنياء القارة في إهدار هذا المورد الثمين على مسابحهم الخاصة وحدائقهم وسياراتهم الفارهة، وهو ما يسلّط الضوء عليه تقرير أخير لموقع "بوليتيكو" الأمريكي.

وأشار التقرير إلى أن فيلا واحدة في مدينة كونيغشتاين الألمانية، المعروفة بساكنيها من أصحاب الثراء الفاحش، تستهلك نحو 80 ألف لتر من المياه يومياً، وهو ما يعادل 625 ضعفاً لمتوسط ​​الاستهلاك اليومي لأسرة صغيرة متوسطة الدخل في ألمانيا.

ويقطن في كونيغشتاين نحو 98 شخصاً فقط ممن يتعدّى دخلهم السنوي مليون يورو، من أصل 16 ألفاً و700 نسمة من سكان المدينة.

وحسب لودفيج هيلم رئيس بلدية كونيغشتاين، في حديثه مع "بوليتيكو"، فُرضَت قيود على أوقات ومدد ملء المسابح وري الحدائق الخاصة من أجل الحفاظ على المياه، لكن "هذه الإجراءات غير مجدية في الغالب، لأن الأثرياء يتجاهلونها والسلطات المحلية تفتقر إلى القدرة على تطبيقها".

والحال نفسه في بلدان أخرى من القارة، يرى الأغنياء فيها أنفسهم منزهين عن إجراءات الحفاظ على المياه، فيما يعاني الفقراء ساعات انقطاع هذه المادة الحيوية. وهو ما سبق أن أشارت إليه صحف فرنسية، مثيرة قضية أثرياء بلدة شاتونوف-غراس القريبة من مدينة كان المعروفة ببذخها، الذين يستهلكون أكثر من 200 ألف لتر في الأسبوع.

هنا أيضاً تُثار قضية ضعف العقوبات الزجرية في حقّ مهدري المياه، وتتمثل في فرنسا في غرامة قدرها 1500 يورو، وهو ما يؤكده إيمانويل ديلموت، عمدة شاتونوف-غراس، في تصريحاته لصحيفة "لو فيغارو": "لديّ عدة طائرات هليكوبتر خاصة في بلديتي. لن يتضرر أي شخص يمكنه تحمُّل تكلفة وقود طائرة هليكوبتر بعقوبة دفع غرامة قدرها 1500 يورو وضِعف ذلك في حالة العود".

في المقابل يقترح عمدة كونيغشتاين الألمانية، زيادة أسعار الماء على شرائح الاستهلاك العالية، وهو ما قد يؤلم في نظره أثرياء بلدته ويحجّمهم عن الاستمرار في إهدار المياه.

TRT عربي
الأكثر تداولاً