لا يمكن لأحد منّا تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصتا تيك توك ويوتيوب، دون أن يجد مقاطع تقنية ASMR المنتشرة بكثرة، التي تهدف إلى "الاسترخاء من خلال تحفيز الاستجابة الحسيّة لقنوات الجسم المستقلة"، وفق تعريف المراجع العلمية لهذه التقنية.
ويوجد ما يفوق 5 ملايين مقطع يعرض هذه التقنية على يوتيوب، وآلاف صنّاع المحتوى المتخصصين فيها، ما نتج عنه انتشار التقنية بأنماط عديدة ومختلفة، منها ما يعتمد على التحفيز السمعي، وأخرى تعتمد على التحفيز البصري أو الحسي.
ما تقنية ASMR؟
مصطلح ASMR هو اختصار "Autonomous Sensory Meridian Response"، التي تعني "تقنية استجابة القنوات الحسية الذاتية" أو "الاستجابة الإدراكية الحسية"، وهي ظاهرة قديمة جداً، إذ جرى وصفها في الأدبيات الكلاسيكية للشعور بالاسترخاء من قِبل الروائية الأمريكية سيلفيا بلاث، والإنجليزية فيرجينيا وولف، وآخرين.
وتقنية ASMR عبارة عن استجابة حسيّة إدراكيّة على شكل شعور بالتنميل والوخز اللطيف في مؤخّرة الدماغ والجلد، ويبدأ عادة شعور الوخز في فروة الرأس ومن ثم يمتد ليجتاح كامل أجزاء الجسم وقد يصل إلى الأطراف كشعور مماثل للتدليك أو الإبر الصينية أو حتى التنويم المغناطيسي. وتعتمد التقنية على التعرض لمحفزات عصبية معينة للوصول إلى هذه الاستجابة الحسية التي تختلف درجتها من شخص إلى آخر.
وظهر الفهم الحالي لتقنية ASMR عام 2007 عندما بدأ بعض الأشخاص في منتدى عبر الإنترنت مناقشة تجاربهم في هذا المجال دون وجود مصطلح واضح حتى عام 2010، حينها صاغت اليوتيوبر الأمريكية جينيفر ألين أول اسم رسمي لهذه التقنية، كما أنشأت أول صفحة متخصصة بهذه التقنية على فيسبوك في عام 2010، التي أصبحت لاحقاً واسعة الانتشار بشكل كبير.
أكثر الأنماط شيوعاً من هذه التقنية يعتمد على التحفيز السمعي، وهو نمط الهمس أو الأصوات الفموية الذي يمنح المشاهد شعوراً يماثل وجود شخص قريب منه يتحدث معه بصوتٍ ذي تردد منخفض (الهمس)، وغالباً ما يكون الهمس بكلمات غير هادفة، وقد يرتبط بنمط تقمّص الأدوار كتقمّص دور طبيب أو محاكاة لموقفٍ تمثيليّ متكامل عن طريق الهمس بين شخصين، أحدهما يمثل المختص بالتقنية والآخر هو المشاهد ذاته.
ولا يقتصر التحفيز السمعي على نمط الهمس، بل هناك أنماط عديدة أخرى مثل النقر، والاحتكاك، والخدش، والتقطيع، أو التكسير مثل تكسير الزجاج، أو بعض المواد مثل مساحيق التجميل، إضافة إلى نمط صوت مضغ الطعام بأصنافه المختلفة وتناول المشروبات، إذ يتناول المؤدي أصنافاً معينة من الطعام والشراب مع ظهور صوت المضغ فقط في الفيديو.
أمّا التحفيز البصري فمن أكثر الفيديوهات انتشاراً تلك المتعلقة بالعناية الشخصية مثل التدليك أو علاج البثور والرؤوس السوداء في البشرة، وفيديوهات أخرى عديدة ذات نمط بصري غير محدد كمشاهدةِ ترتيب الملابس أو الزراعة أو تكسير الزجاج أو قطع التركيب، الأحجيات و"الليغو"، أو الرسم.
هل لتقنية ASMR مرجعية علمية؟
وحسب مقال نُشِر في موقع "ستاندردز" البريطاني، يمكن القول إنّ التقنية لا تزال قيد الدراسة، إذ لم يجرِ تقديم أي إثبات علمي لكيفية عمل التقنية وكيفية تأثيرها في الأشخاص، ولا يزال عدد الدراسات حول التقنية قليلاً جداً.
وتبعاً للمختصّة والمحاضرة في علم النفس الدكتورة جوليا بويريو (Jiulia Poerio) في جامعة Essex البريطانية في حديث لها مع "ناشيونال جيوغرافيك"، فإنّ الدراسات تواجه تحديات عديدة، أهمها القدرة على تحديد الاستجابة الحسية في ظروف مخبرية، وكذلك عدم تأثر الأشخاص بنفس الدرجة في المختبر مقارنة بدرجة تأثرهم بالحياة الطبيعية، إضافة إلى عدم القدرة على إيجاد عدد أشخاص كافٍ لم يتعرضوا من قبل لتقنية ASMR كعينة للدراسات لتسجيل ردود فعل حقيقية للتقنية.
وأضافت خبيرة علم النفس بأنّ الأشخاص الذين وصلوا إلى شعور الوخز أو النشوة الدماغية لديهم استجابة عصبية وفسيولوجية للمحفز، ولكن ما حدث داخل الدماغ أو المستقبلات للوصول إلى هذا الشعور لا يزال غير واضح.
وكشفت دراسة نُشرت عام 2018 عن نتائج مبكرة مثيرة للاهتمام، إذ إنّ صورة الرنين المغناطيسي لعشرة أشخاص من الذين سبق لهم التأثر بتقنية ASMR خلال مشاهدتهم لمقاطع الفيديو أظهرت أن فترات الوخز نتج عنها ظهور نشاط في مناطق معينة في الدماغ مرتبطة بالفكر المتصل بالذات وكذلك المناطق المرتبطة بالتحفيز والشعور بالنشوة والمشاعر العاطفية.
وعلى الرغم من أوليّة هذه النتائج وارتكازها على عينات دراسة قليلة، فإنّها قد تشير مبدئياً إلى أنّ التقنية ينتج عنها حالة سيكولوجية معقدة ترتبط بالتحفيز الدماغي العاطفي والسلوكيات المرتبطة به كالاسترخاء والشعور بالراحة وتأثيرات أخرى مثل انخفاض معدل نبضات القلب والتوتر.
وحسب دراسة جرى نشرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 فإنّ الاهتمام العالمي بتقنية ASMR يتزايد، إذ يمكن للأشخاص الحصول على الاستجابة الحسية الإدراكية من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو التي تحتوي على أصوات وصور محفّزة للدماغ، وفي الدراسة أبلغ الأفراد الذين تعرضوا لتأثيرات ASMR عن شعورهم بإحساس الوخز في الرأس والرقبة، إضافة إلى تحسن الحالة المزاجية والشعور بالنشوة والاسترخاء.
ونتج عن الدراسة أنّ الآلية أو الكيفية الأساسية لهذه التقنية وتأثيرها في الأشخاص ليست واضحة تماماً، ولكن الأدلة الفسيولوجية المبلغ عنها من قِبل المتأثرين بالمحفزات والمشاركين في الدراسات تشير إلى نتائج إيجابية، وتدعو الدراسة إلى ضرورة تثقيف مقدمي الرعاية الصحية حول هذه التقنية ودراسة إمكانية وضعها ضمن تطبيقات علاجية.
وبالنتيجة فعلى الرغم من أنّ الدراسات العلمية قليلة ولا تزال بحاجة إلى مجموعات دراسة أكبر وتقنيات مستحدثة، فإنّها مبشرة لتكون تقنية ASMR ضمن التطبيقات العلاجية النفسية والسيكولوجية مستقبلاً.
صناع محتوى ASMR في العالم العربي
ورغم أنّ تقنية ASMR نشأت وانتشرت في الغرب، فإنها كغيرها سرعان ما بدأت بالانتشار في العالم العربي من خلال روّاد وصنّاع محتوى متخصص بأنماط معينة من التقنية، الذين بدؤوا غالباً من موقع يوتيوب الذي يُعتبر الموقع الرئيسي لانتشار هذه التقنية قبل التوسّع لمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى وعلى رأسها تيك توك الذي ساعد على زيادة أعداد صناع محتوى ASMR بشكل كبير.
وتقول دانيا حناوي، وهي من رواد صانعي ASMR في العالم العربي، إنّها انتقلت من محتوى التعليق الصوتي (Voice Over) إلى محتوى ASMR بعد طلب من عديد من متابعيها بسبب طبيعة صوتها، وبعد تجربة عدة فيديوهات من باب الفضول وجدت أنّ المحتوى مؤثر جداً وأن المتابعين له بأعداد كبيرة، مما دفعها إلى البدء بالبحث بشكل جادّ حول التقنية والأنماط الخاصة بها.
وعن المرجعية العلمية لـASMR تؤكّد حناوي في حديث لها مع TRT عربي أنّها ومن خلال متابعتها للدراسات العلمية حول التقنية فإنّ الأبحاث قليلة ولكنّها تتزايد بشكل لافت، وتتناول الدراسات عدة جوانب، منها تأثير التقنية في الصحة النفسية وتأثيرها في النشاط الدماغي.
وتشير حناوي إلى أنّها واجهت عديداً من الصعوبات باعتبارها صانعة محتوى ASMR عربي، وفي مقدّمتها الحرب مع الضجيج الذي يُعتبر مُعوِّقاً لتسجيل الفيديوهات أو تقديم محتوى صافٍ خالٍ من الضوضاء، إذ إنّ استعمال الميكروفونات عالية الحساسية يجعل من كل صوت ولو كان بسيطاً تحدياً حقيقياً لصانع المحتوى، واصفة ذلك التحدي بمصطلح "حرب مع عزل الصوت".
وتلفت إلى أنّ من أهم التحديات الأخرى هي التعليقات السلبية وإساءة فهم المحتوى في المجتمع العربي، الذي بدأ بالتحسن تدريجياً مع انتشار التقنية، إذ انتقلت ردود فعل كثير من المتابعين لمحتواها من الرفض إلى الإيجاب بعد إدراكهم واكتسابهم الوعي والثقافة حول هذه التقنية والهدف منها وتأثيرها في الحالة النفسية وخصوصاً الأرق.
وتعتقد الشابّة أنّ التحدي الأكبر لهذا المحتوى هو كونه غير مُجْدٍ مالياً في الفترة الحاليّة، ويُعتبر إدراج الإعلانات ضمن فيديوهات ASMR محدوداً لعدم إدراك المعلنين مدى إمكانية الاستفادة من هذا النوع من المحتوى في التسويق.