وسط تصاعد الأوضاع في غزة.. ما أهمية زيارة فيدان لمصر؟
ورغم تراجع العلاقات الثنائية بعد "الربيع العربي" فإنّ البلدين الرئيسيين في المنطقة لم ينكرا أهمية أحدهما للآخر، وانتعشت العلاقات مجدداً خلال المحادثات بين وزراء خارجية البلدين بعد تصافح رئيسَي مصر وتركيا في أثناء مونديال قطر.
وسوف يفتح لقاء هاكان فيدان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجالاً للعمل المشترك حول حل الوضع الإنساني في غزة أولاً، بجانب العمل على وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ومن ثم تخفيف التوتر بشكل عام في المنطقة والسعي إلى تسوية نهائية،/ صورة: Reuters (Reuters)

يجمع تركيا ومصر تاريخ طويل من العلاقات المشتركة، فقد استوطن الأتراك المشرق العربي حتى قبل الأناضول والبلقان، بدايةً من الدولة الإخشيدية حتى العثمانية مروراً بالمماليك.

ويعزو البطل القومي المصري الشهير مصطفى كامل تفكك الدولة العثمانية إلى رغبة الإنجليز في الاستقرار بمصر بشكل دائم بعد أن احتلوها، ففور انهيار الدولة العثمانية استقرّ البريطانيون في مصر وفلسطين، حيث يتمتع البلَدان بموقع مميز بين قارتَي آسيا وإفريقيا، ويمثلان نقطة التقاء مهمة بين البحرين الأحمر و​​المتوسط.

وحاولت مصر سدّ الفجوة التي نشأت في المنطقة بعد الدولة العثمانية، فيما ركزت الحكومة التركية في ذلك الوقت على علاقاتها بالغرب، ما جعلها غير مهتمة بالمشكلات الإقليمية مثل قضية فلسطين.

لكن بعد تحرير قبرص والحظر النفطي بدأت تركيا تدرك مدى أهمية علاقاتها مع الشرق الأوسط، وفي عام 1980 زاد اهتمام حكومة تورغوت أوزال بالشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى كان هناك كثير من الفرص لكي تنفتح تركيا على المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة مطلع التسعينيات، إلا أنّ عدم استقرارها السياسي حينها، بالإضافة إلى محاولات تصدّيها للإرهاب المتفشي، شكّل عقبة كبيرة أمام تلك الخطوة.

وفي الحقيقة لعب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك دوراً مهماً في ذلك الوقت لإثناء النظام السوري عن دعم عبد الله أوجلان مؤسس تنظيم PKK الإرهابي.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين زاد اهتمام تركيا بالشرق الأوسط وبدأت علاقتها مع مصر تتقدم بشكل كبير، وإضافةً إلى العلاقات الاقتصادية والاستثمارات المتبادلة برزت أيضاً الروابط الثقافية، وافتتحت تركيا مركزها الثقافي "يونس إمرة".

ورغم تراجع العلاقات الثنائية بعد "الربيع العربي" فإنّ البلدين الرئيسيين في المنطقة لم ينكرا أهمية أحدهما للآخر، وانتعشت العلاقات مجدداً خلال المحادثات بين وزراء خارجية البلدين بعد تصافح رئيسَي مصر وتركيا في أثناء مونديال قطر، وتُوِّجت العلاقات بتعيين السفراء بين البلدين.

أما اليوم فيشهد العالم والشرق الأوسط أزمات خطيرة، تعني مصر وتركيا على حدّ سواء، وفضلاً عن قضية اليمن والسودان وسوريا فإنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي يُعَدّ المشكلة الأساسية في المنطقة يهمّ الطرفين بشكل وثيق.

وبعد الهجوم الذي شنّته حماس رداً على الاعتداءات المتكررة لإسرائيل، جمعت البلدَين مخاوف مشتركة إزاء عدم الاستقرار في المنطقة، إذ ينذر الوضع بمأساة إنسانية كبيرة.

فمن ناحيةٍ تقصف إسرائيل غزة قصفاً مروّعاً، ومن ناحية أخرى تقطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، وتحكم على الأهالي هناك بالجوع والبؤس. وقد بدأت دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا في سحب مواطنيها من إسرائيل، ما يرجح بأن الأزمة سوف تتفاقم أكثر في القطاع.

ومن ناحية أخرى أرسلت الولايات المتحدة وإنجلترا سفناً محملة بالأسلحة إلى المنطقة، ما يشير إلى استمرار إسرائيل في موقفها المتطرف والعدواني القديم.

إنّ ما يحدث وما سيحدث في فلسطين يثير القلق لدى حكومات دول المنطقة، كما يدمي قلوب شعوبها، وعلى رأس هذه الدول مصر والأردن بسبب قربهما الجغرافي.

ورغم أنّ الحوار بين تركيا ومصر مع الطرفين يدعم فرصة منع تفاقم الأزمة، فإنّ من الجهة المقابلة سيؤثر مستوى الدعم والضغط الذي تمارسه الدول الغربية على إسرائيل في النتيجة النهائية.

وفي هذا السياق تُعَدّ زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لمصر في هذا التوقيت غاية في الأهمية، فالتشاور والعمل المشترك بين البلدين يمكن أن ينتج عنه أثر فعال في أزمة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فحجم البلدَين ومكانتهما في المعادلة الإقليمية وعلاقتهما الوثيقة بفلسطين تستدعي ذلك.

وسوف يفتح لقاء هاكان فيدان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مجالاً للعمل المشترك حول حل الوضع الإنساني في غزة أولاً، بجانب العمل على وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ومن ثم تخفيف التوتر بشكل عام في المنطقة والسعي إلى تسوية نهائية، وإنْ بدا أنّ مصر تتصرف بتردد بسبب وضعها الاقتصادي والسياسي، فإنّ لديها هامشاً للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، مصر مركز للجامعة العربية، وبإمكانها قيادة العرب إلى العمل معاً بشأن القضية الفلسطينية، كما أنّ الشعب المصري أيضاً حساس للغاية تجاه القضية الفلسطينية، ومن غير المتوقع أن تبقى الحكومة صامتة، خصوصاً أنّ الانتخابات الرئاسية على الأبواب.

من ناحية أخرى من الممكن أن يسعى البلَدان إلى مزيدٍ من التعاون في الملف الليبي المشترك، كما أنّ تعاون البلدين في أزمة السودان، التي تقلق مصر كثيراً، سيسهم في استقرار المنطقة بشكل أكبر.

لقد أظهرت الأزمة الأخيرة أنّه من الصعب تحقيق الاستقرار في المنطقة من دون حل حقيقي للقضية الفلسطينية، إذ إنّها تُعَدّ المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط، فهي نقطة التقاء القارات الثلاث من الناحية الجغرافية، ويتعيّن على تركيا ومصر أن تقودا زمام الأمر معاً في تهدئة الوضع وبناء شرق أوسط أكثر أماناً، وإلا فإنّ الفوضى الناجمة عن ذلك ستُخلّف أضراراً جسيمة لدول المنطقة، وعلى رأسها مصر وتركيا.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

نقله من اللغة التركية: سمية الكومي

TRT عربي