هل يغرق الجيش الإسرائيلي في جحيم غزة؟
تمكنت حماس وبشكل بطولي وأسطوري من الحدّ من تأثير التباين في ميزان القوى في معركة غير مُتكافئة لصالح إسرائيل بشكل مطلق، من خلال معنويات مقاتليها واستبسالهم وعقيدتهم القتالية
جنود إسرائيليون يحتمون أثناء إنذار بهجوم صاروخي بالقرب من الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة / صورة: AFP (AFP)

منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى الآن، استمر قصف الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة لمدة ثلاثة أسابيع، قبل البدء بعمليّته البرية على القطاع المحاصر.

تآكلت استراتيجية الردع الإسرائيلية والنتيجة أن حلّت مكانها القوة العسكرية الأمريكية الضاربة لمساندة وحماية الكيان الإسرائيلي الغاصب ومصالحه الحيوية وأمنه.

حرب مؤلمة

تتبنى إسرائيل مبدأ منطق القوة المسخ المبني على الإكراه الاستراتيجي للإقليم بأسره، في ظل صمت معظم الدول العربية والإسلامية.

اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ الحرب التي تخوضها بلاده ضدّ حماس وفصائلها المسلحة صعبة ومؤلمة، رغم تحقيق كثير من الإنجازات المهمة فيها على حدّ تصريحه.

تمكنت حماس وبشكل بطولي وأسطوري من الحدّ من تأثير التباين في ميزان القوى في معركة غير مُتكافئة لصالح إسرائيل بشكل مطلق، وذلك من خلال معنويات مقاتليها واستبسالهم وعقيدتهم القتالية ومهارة اختفاء مقاتليها داخل شبكات الأنفاق تحت الأرض.

حرب غزة لم تنتهِ بعد، وقد يكون الطريق دموياً وطويلاً، ولكن إسرائيل وحليفها الاستراتيجي "الولايات المتحدة" يستعجلان نهايتها، بسبب الخسائر الفادحة وغير المسبوقة في وحدات الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً خسائر وحدات النخبة والتأثير المضطرد على معنويات العسكريين الإسرائيليين والمجتمع الإسرائيلي، وكلما طالت مدة الحرب زادت تعقيداتها وتداعياتها.

إنّ استمرار الحرب يزيد الاحتقان والغضب الشعبي في المجتمعات واستعداء الحكومات من قبل شعوبها في المنطقة، بالإضافة إلى ضغوطات المجتمع الدولي التي تنادي بإنهاء هذه الحرب المجنونة الظالمة السادية الانتقامية المأساوية التي أظهرت وحشية بربرية غير مسبوقة لا يضاهيها شيء في تاريخ البشرية من إبادة شعب، قصف للمدنيين الأبرياء العزل، استهداف الجرحى، المستشفيات سيارات الإسعاف، المدارس، المساجد والكنائس.

تنتهك إسرائيل وحليفتها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية باستخدام القنابل والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً، وبأسلوب وحشي يعكس روحاً انتقامية يائسة.

فشل استخباري

فشلت المنظومة الاستخبارية لإسرائيل وحلفائها الدوليين وأصدقائها في المنطقة من التنبؤ بنية حماس أو معرفة قدراتها القتالية الحقيقية، إذ تتعرض وحدات الجيش الإسرائيلي -وخصوصاً قوات النخبة- في عملية التوغل البرية إلى المفاجأة والتهديد المتواصل والصعوبات الكبيرة في تحديد مصادر التهديد لمقاتلي حماس من خلال الكمائن، والأنفاق والخنادق الدفاعية، وأسلحة مقاومة الدروع والعبوات الناسفة، وطائرات مُسيّرة انتحارية وألغام وقناصة.

تشكل صعوبة التزويد بالذخيرة وكذلك صعوبة إخلاء الإصابات عائقاً أمام تقدم القوات الإسرائيلية خلال عملية التوغل البري.

إنّ تنفيذ مقاتلي حماس عمليات الإنزال خلف خطوط وُجود القوات الإسرائيلية يعرقل حركتها، ويجعل خطوط إمدادها غير آمنة، ويحدّ من قدرتها على السيطرة على الأراضي التعبوية، أو جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات الإنقاذ للأفراد والمعدات والآليات.

إنّ وجود الأنفاق تحت أرض قطاع غزة يثير مخاوف عميقة لدى الإسرائيليين من المجهول، ويؤثر في جميع جوانب العملية العسكرية، إذ تتحدد إمكانية القوات الإسرائيلية في الحصول على الإسناد الجوي القريب من سلاح الجو حال دخول وحداتها المناطق المبنية وحال الاشتباك القريب مع مقاتلي حماس والفصائل المسلحة.

تعاني القوات الإسرائيلية من الخوف والتوتر والإجهاد العصبي بسبب زيادة عدد القتلى والجرحى وتدني المعنويات، لا سيّما بعد الصدمة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي بتدمير مدرعة النمر ودبابة "الميركافا" بصواريخ ومقذوفات مضادة للدروع صنعتها وطورتها حماس، أو باستخدام بعض الأسلحة الأخرى التي حصلت عليها من الخارج.

وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على الكفاءة العملياتية والروح المعنوية وإرادة القتال للإسرائيليين في مواجهة مجاهدي المقاومة في المناطق المبنية وداخل المدن، ومن المؤكد أنّ الهجوم البري سيكون بطيئاً وصعباً للغاية.

جحيم التوغل البري

نشرت إسرائيل جميع وحدات المدفعية التابعة لها باستخدام عملياتي يعتبر الأكبر لهذه الوحدات منذ حرب 1973، وذلك لقصف جميع منظومة الأهداف المدنية والعسكرية باستخدام سياسة الأرض المحروقة والتدمير الممنهج للمباني والتجمعات السكنية؛ بهدف إجبار المدنيين على النزوح القسري إلى مناطق الجنوب تمهيداً لإقامة منطقة عازلة.

تستخدم إسرائيل حالياً كامل قدراتها القتالية بالأسلحة التقليدية والحديثة والذخائر المحرمة دولياً وبمساعدة حلفائها، تتقدم القوات الإسرائيلية ساعية إلى تحقيق أهداف تكتيكية ببطء؛ بسبب المقاومة المسلحة الباسلة لعناصر حماس الجهادية.

تخسر إسرائيل ما معدله 12 آلية ما بين دبابة ومدرعة يومياً تقريباً منذ بدء العملية البرية في غزة، والذي يشكل استنزافاً للقدرات التعرضية للجيش الإسرائيلي ويؤثر سلباً على كفاءتها القتالية ومقدرتها على الاستمرار في إدامة زخم عملياتها في الهجوم والتوغل البري.

يحاول نتنياهو تحقيق نصر عسكري سريع ضدّ حماس والفصائل المسلحة في غزة، ساعياً إلى أن يُنعش آفاقه السياسية المتدهورة، لكنّه لا يدرك بأنّه في غطرسته وساديته هو ومتعصبيه اليمينيين المتطرفين وحلفائه، يقودون إسرائيل وجيشها إلى جحيم مستنقع غزة، والذي قد لا يستطيعون الخروج منه.

إنّ نار الروح الجهادية أشعلت في أمتنا ولن يستطيع الأعداء والمتخاذلين من الأمة إخمادها، كما أنّ تصرفات إسرائيل الهمجية ستشكل حتماً خطراً كبيراً على قواتها ومواطنيها وعلى الفلسطينيين الأبرياء في غزة، وعلى السجناء المحتجزين لدى حماس والفصائل المسلحة، فإنّ نتائج الحروب لا تقاس بعدد القتلى ومستوى التدمير، والنصر قادم لا محالة.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي