هل يتكرر سيناريو سقوط كابول في إثيوبيا؟
مغرية تبدو المقارنة بين تسارع الأحداث في كل من إثيوبيا وأفغانستان، وهو إغراء يتجاوز على ما يبدو المحللين والمتابعين إلى صانعي القرار ولا سيما في واشنطن، التي سارعت إلى تنبيه رعاياها إلى خطورة الأوضاع  وهو ما يمكن تفسيره بـ"أثر اللحظة الأفغانية".
صورة (AFP)

"أثر اللحظة" المذكورة تردد صداه في عواصم أخرى وجهت دعوات مماثلة إلى مواطنيها، رغم أن مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحلفائهم من الأورومو كانوا على بُعد قرابة 400 كيلومتر من العاصمة حينها، وهو ما فسرته الحكومة الإثيوبية بمحاولة خارجية للضغط عليها.

وفي هذا الإطار يوضع احتمال سقوط أديس أبابا السريع والمفاجئ نتيجة هجوم كاسح من قبل قوات التغراي وحلفائهم ضمن حزمة سيناريوهات أخرى تحاول تلمس المسار الذي ستسلكه الأحداث في بلاد الحبشة، مستنداً إلى بعض ملامح التشابه ميدانياً، حيث الصراع المحتدم بين الطرفين، وتقهقر القوات الرسمية في العديد من المعارك، وسيطرة المعارضة على مواقع استراتيجية في الطريق إلى العاصمة.

كما يضاف إلى ذلك تمتع مقاتلي التغراي بروح قتالية عالية يزيدها اندفاعاً التقدم الملموس منذ يوليو/تموز الماضي والذي أدى إلى قلب موازين المعركة بشكل كامل، وفي مفارقة لافتة فقد تم في مثل هذا اليوم (17 نوفمبر/تشرين الثاني) من العام الماضي الإعلان عن انتهاء مهلة الأيام الثلاثة لاستسلام عاصمة إقليم تيغراي، وبدء غارات جوية عليها انتهت بسقوطها لاحقاً.

غير أن الجزم بهذا السيناريو لا يخلو من تجاوز لوقائع أخرى مرتبطة بتطورات الصراع ومواقف الأطراف المنخرطة فيه، فرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ما زال متمسكاً بالمواجهة العسكرية ويطالب بانسحاب قوات معارضيه من المناطق التي سيطرت عليها في إقليمي أمهرة وعفر، وهو يدرك أن هذا صعب التحقق للعديد من الأسباب، ولذا فإنه بصيغة أخرى يراهن على الحل العسكري كما فعل منذ بداية هذه الحرب.

بجانب أن حكومته تمتلك ميزة تغطية قواتها بسلاح الجو والطائرات المسيّرة، وهو السلاح الذي أدى إلى زعزعة صفوف التيغراي في الجولة الأولى من الحرب كما اعترف قادتهم بذلك، كما أنها أيضاً قادرة على الاستعانة بالحليف الإرتري الذي شارك إلى جانب الجيش الإثيوبي منذ اندلاع هذه الحرب، أو ربما تجاوزت ذلك إلى الاستعانة بروسيا التي وقعت معها اتفاقية تعاون عسكري في 18 يوليو/تموز الماضي، وقد تترجم هذه الاستعانة من خلال مشاركة روسية مباشرة أو بواسطة قوات فاغنر، وهو ممّا فُهم من إعلان أحمد أن هناك من يحاول تحويل إثيوبيا إلى سوريا وليبيا.

ويبدو أن رئيس الوزراء الشاب يستند في موقفه، بجانب ما سبق، إلى مجموعة أوراق منها الدعوة الأمريكية لقوات التيغراي إلى إيقاف التقدم نحو أديس أبابا، نتيجة التخوف من وقوع مجزرة كبرى على أعتاب العاصمة التي يسكنها ما يزيد على ثلاثة ملايين نسمة، ولا سيما عند الأخذ بعين الاعتبار التجنيد الذي يتم للسكان لمواجهة التيغراي.

ما يزيد من قلق واشنطن وأطراف مختلفة في المجتمع الدولي ما قد يترتب على هذا السقوط المفاجئ من رفض من قبل العديد من القوميات الإثيوبية لعودة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى سدة السلطة نتيجة مظالمهم من الممارسات الاستبدادية التي قامت بها إبان حكمها البلاد بين عامي 1991-2018، وهو ما قد يهدد بتفكك إثيوبيا وانزلاقها إلى حروب أهلية لن ينجو منها الإقليم، ولن تنجو الولايات المتحدة وحليفاتها في المنظومة الغربية من تحميلها عبء فشل الحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية أخرى، بعد اتهامها بالإخفاق في مأساتي رواندا والبوسنة.

وهكذا يبدو منع معركة أديس أبابا أو تأخير ذلك على الأقل مصلحة لأطراف متعددة خارج وداخل إثيوبيا، فهي تمنح مبادرات الوساطة الجارية فرصة لمحاولة العمل على وقف إطلاق النار حالياً كبداية لإطلاق عملية انتقال سياسي آمن بالبلاد، كما أنها تفسح من جهة أخرى للقوى الإثيوبية المعارضة الوقت لترتيب الأوراق والخروج بتوافقات على خريطة طريق لمرحلة ما بعد آبي أحمد، في بلد يعاني مشاكل شديدة التعقيد والتداخل بين السياسي والعرقي والتاريخي والجغرافي.

وهنا يمكن موضعة التحالف الأخير الذي لم يكن مستغرباً الإعلان عن إنشائه في واشنطن بين 9 قوى معارضة إثيوبية (زاد العدد لاحقاً)، وهو ما أثار حفيظة أديس أبابا وزاد من تحفظاتها على الوساطة التي يقودها المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان ما قادها إلى الفشل، وألجأت واشنطن إلى دعم وساطة الاتحاد الإفريقي بقيادة مبعوثه إلى القرن الإفريقي أولسون أوباسنغو، والتنسيق مع المبادرة الكينية التي يقوم بها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا.

ولا يبدو السلوك الميداني لقوات التيغراي بعيداً عن هذا التوجه، فضبابية المشهد العسكري في إقليم أمهرة يقابلها توجه واضح من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للاستيلاء على مدينة ملي في الإقليم العفري، وبالتالي السيطرة على الشريان الحيوي الرابط بين جيبوتي وأديس أبابا، ومنع الإمدادات الحيوية عنها، وهو ما يعني الخنق البطيء للمدينة، ودفع الحكومة إلى القبول بالشروط التفاوضية.

بجانب هذا السيناريو تظل قدرة الوساطات بين أطراف الصراع على إحداث اختراق حقيقي في جدران الأزمة الحالية واردة، وإن كان ما تواجهه من عقبات يخفض من مناسيب التوقعات الإيجابية منها.

فالسقوف العالية لكل من مقلي وأديس أبابا تزيد مهمة الوسطاء تعقيداً، فبينما تطالب الأولى بانتقال آمن للسلطة والبلاد إلى مرحلة ما بعد آبي أحمد، يصر الأخير للموافقة على وقف إطلاق النار على انسحاب قوات التيغراي من الأراضي التي سيطرت عليها خارج إقليمها، في حين تطالب هي بانسحاب قوات الأمهرة من منطقة غرب تيغراي التي سيطروا عليها بعد اندلاع الحرب، وهو ما يرفضه الأمهرة الذين يعتبرون هذه الأراضي جزءاً تاريخياً من إقليمهم وهذا ينازعهم فيه التيغراي مدعين العكس.

وهذا مجرد نموذج لمدى التعقيدات التي تكتنف جهود الوساطة في إثيوبيا، وهو ما يدفع بسيناريو آخر إلى واجهة الاحتمالات ويتمثل في قيام ضباط في الجيش بالانقلاب على رئيس الوزراء الإثيوبي، وهو احتمال تم تداوله سابقاً في أوساط مقربة من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ويشجع على هذا أن القارة السمراء شهدت العديد من الانقلابات في الفترة الأخيرة، وأن هناك انقساماً حيال التعامل مع اليتغراي في المؤسسة العسكرية.

رغم ما ذُكر فقد حملت الحرب في بلاد الحبشة عبر مراحلها المختلفة العديد من المفاجآت، وهو ما يقود إلى القول إن فوهات البنادق قد تصنع مساراً مختلفاً عن كل ما سبق من سيناريوهات، ليبقى الثابت الوحيد في الحرب الإثيوبية أنها ستقود الهضبة إلى حقبة جديدة أياً كان اتجاه هذا المسار.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي