هل جرّبت مؤخراً محاولة الدخول إلى موقع نيويورك تايمز أو رويترز أو إحدى منصات شركة ميتا من خلال تويتر، وكان الانتقال إليها بطيئاً؟
قد تظنّ أنّ الخلل في الإنترنت أو في جهازك، لكنّها مشكلة عامّة، يبدو أنّها أحد ردود فعل إيلون ماسك على تلك المواقع، لكنّ الأهمّ من هذا ليست هذه التفصيلة تحديداً، وإنّما الطريقة التي يتعامل فيها ماسك مع منصة تويتر (إكس حالياً)!
هل يضيق الخناق عليهم؟
يبدو أنّ هذا الأمر أثار انتباه العديد من مواقع الصحافة العالمية، إذ أفادت التقارير في منتصف أغسطس/آب الماضي، أنّ روابط عدّة لمواقع كثيرة في منصة إكس، أبطأت سرعتها مؤقتاً، في البداية، بدا الأمر تقنياً بحتاً، لكنّ ما يجمع هذه المنصات جميعاً أنّها إما كانت منافسة مباشرة لماسك أو أنّها اتخذت موقفاً عدائياً تجاهه.
المستخدمون الذين نقروا على رابط يؤدي إلى منصات ثريدز أو بلوسكاي أو نيويورك تايمز أو رويترز، أُجبروا على الانتظار قرابة خمس ثوانٍ قبل الوصول إلى صفحات الويب، حسبما ذكر تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
ومع ذلك، بعد أن نشرت الصحيفة قصتها على الإنترنت الأسبوع الماضي، وجد الصحفيون أنّ الوصول قد عاد إلى السرعات الطبيعية ولو مؤقتاً.
وتعدّ منصتا بلوسكاي وثريدز من المنافسين المباشرين لـمنصة إكس، إذ يجد الكثيرون أنّها بديل مناسب لها، وسبق أن تعرّضت صحيفة التايمز ووكالة رويترز للسخرية المباشرة من ماسك الذي وصف التايمز بأنّها مملوءة بالدعايات الكاذبة وأنّ منشوراتها أشبه بالإسهال.
ويؤكد المتحدث باسم التايمز تشارلي ستادتلاندر وجود انخفاض واضح في الوصول إلى الصحيفة من خلال منصة إكس، وهو ما يؤيد المزاعم حول هذا الموضوع.
في العادة، تنفق الشركات عبر الإنترنت ملايين الدولارات لضمان فتح مواقعها الإلكترونية في أسرع وقت ممكن، مع العلم أنّه حتى التأخير البسيط يمكن أن يؤدي إلى انخفاض حركة المرور الخاصة بها، إذ ينفد صبر المستخدمين مع التأخير، ويذهبون إلى مكان آخر.
وقد وجدت دراسة أجرتها غوغل حول حركة مرور الهاتف المحمول في عام 2016 أنّ 53% من المستخدمين يتخلّون عن موقع ويب إذا استغرق تحميله أكثر من ثلاث ثوانٍ، وقال شخص مطّلع على عمليات التايمز إنّ المؤسسة الإخبارية شهدت انخفاضاً في حركة المرور من منصة إكس منذ بدء التأخير.
هذه الخطوة -إن ثبت أنّها متقصّدة- تضاف إلى سلسلة من الخطوات الفردية التي اتخذها ماسك منذ استحواذه على المنصة، فمنذ شرائه أسهمَ منصة إكس كافة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أجرى تحركات مختلفة تهدف على ما يبدو إلى مهاجمة أولئك الذين يكنّ لهم العداء .
ففي ديسمبر/كانون الأول 2022، مثلا حظرت منصة إكس حساباً يُدعى (Elon.Jet) كان يتتبع الرحلات الجوية الخاصة بماسك، على الرغم من أنّ الحساب لا يزال نشطاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يملكها، كما حظر بعض الصحفيين مؤقتاً، بما في ذلك دوني أوسوليفان من شبكة سي إن إن وصحيفة نيويورك تايمز رايان ماك وآرون روبار، وهو مراسل سابق لفوكس نيوز، من المنصة بعد أن أبلغوا عن أخبار غير سارّة عنه.
وعندما أنشأت شركة ميتا منصة وسائط اجتماعية منافسة بهدف واضح هو الاستيلاء على سوق إكس، تحدّى ماسك علناً الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرج في معركة مصارعة مفتوحة، وقد قبل الأخير هذا التحدي، لكن يُزعم أنّ ماسك رفض الموافقة على المعايير.
وبالإضافة إلى مهاجمة الأعداء، اتّخذ ماسك العديد من القرارات الأخرى التي لا تحظى بشعبية منذ استحواذه على تويتر، بما في ذلك فرض حدود على عدد المنشورات التي يمكن للمستخدمين مشاهدتها أو عدد الرسائل المباشرة التي يمكنهم إرسالها في يوم واحد وعلامات التوثيق، ومؤخّراً أعلن أنّ منصّته تنوي إلغاء خاصية حظر الأعضاء غير المرغوب فيهم، وهو ما يثير مخاوف حول إمكانية استخدام المنصّة في نشر الكراهية والعنصرية.
هل يحاول ماسك تدمير المنصة؟
قد تتفق أو تختلف مع ما يقوم به الرجل في منصة إكس، لكنّ المؤكّد أنّ الأمور لا تسير هناك بالشكل الصحيح، ويجادل الكثيرون بأنّ ماسك يعرف ما يفعله بالتأكيد، إذ إنّ تاريخ الرجل وإمكانياته قد تخرس المنتقدين أو حتى ذوي الخبرة في هذا الشأن من الصحفيين والتقنيين والحجة في ذلك واحدة: "هل نحن أبرع في إدارة منصة تواصل اجتماعي أكثر من الرجل الذي صنع تسلا وأطلق الصواريخ إلى الفضاء؟".
لكن من الواضح أنّ هذه حجة غير منطقية، والدليل هو التخبّط في قرارات ماسك حول المنصّة منذ أن أعلن عزمه على شرائها، وعن ذلك يقول الكاتب والصحفي تشارلي وارزيل الذي أجرى تحقيقاً حول طريقة إدارة إيلون ماسك خلال السنوات الخمس الأخيرة أنّ قرار شراء منصة تويتر نفسه كان متسرعاً وغير مدروس.
ويضيف وارزيل: "كان من الواضح أنّ ماسك قد حُفّز واستُفز نحو شراء المنصة من خلال جرح مشاعره من الرئيس التنفيذي السابق لتويتر. كان القرار متسرعاً لدرجة أنّه حاول التراجع عنه ثلاث مرات، قبل أن يحسم الأمر في النهاية ويقرر شراءها، وهي عملية تمت بطريقة خاطئة بدورها، بعد أن أثقل كاهل شركاته بجبل من الديون لإكمال عملية الاستحواذ في أكتوبر".
ويستعرض التحقيق الذي أجراه وارزيل أداء ماسك بعد استحواذه على المنصة، إذ يوضح كيف أنّ ماسك نشر نظريات المؤامرة التي لا أساس لها، على تويتر حينها وأبعد المعلنين؛ وقبل أيام من هذا الحادث، استقال قائد التسويق المسؤول عن إدارة شراكات العلامة التجارية لتويتر.
بعدها، رفع ماسك بسرعة الحظر عن أفظع منتهكي قواعد تويتر؛ ثم طرد معظم الموظفين، بمن فيهم المسؤولون عن المهام الفنية؛ وأفسد عملية إطلاق نظام التحقّق المدفوع على تويتر قبل أن يغيّر اسم الموقع نفسه إلى إكس، ومقارنة بالعام السابق، انخفضت إيرادات إعلانات تويتر في الولايات المتحدة للأسابيع الخمسة التي بدأت في الأول من أبريل/نيسان بنسبة 59%.
وفي الآونة الأخيرة، كانت استراتيجية ماسك العلنية لتحويل شركته تتمثل باستمرار التغريد عن نظريات المؤامرة والتقرّب من السياسيين اليمينيين المتطرفين.
ثم أطلق دعوته الشهيرة إلى مارك زوكربيرغ لمصارعة مفتوحة، والنتيجة لذلك أنّ مصداقية إكس تدهورت بشكل كبير في عهده، وملأت المنصة بالمتعصبين والرسائل العشوائية، وأبعدت العديد من مستخدميها الأقوياء، وكانت الضربة الأخيرة دخول المنصّة في صراع مع كبرى الوكالات الصحفية العالمية بتأخير الوصول إليها، أو قتل الوصول إليها بعبارة أخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه، لا يمكن لأي نجاح حققه ماسك في مجالات الفضاء أو السيارات الكهربائية إخفاء ما هو واضح لأيّ شخص، بأنّه أخفق في إدارة تويتر.
ويطرح هذا الأمر تساؤلات حول صورته كصاحب رؤية تقود مشاريع عدّة، بينها طموحاته حول استعمار المريخ، انطلاقاً من سمعته باعتباره عبقرياً، سمعة يستغلها لإخفاء ما يظهر عنه من تهوّر في تويتر، ورغم ذلك يطرح الكثيرون سؤالاً: "هل يمكن لشخص فشل في إدارة موقع إلكتروني أن يدير مستعمرة في المريخ؟".
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.