أخيراً وبعدما تركه يتصبّب عرقاً لشهور طويلة، قرّر الرئيس الأمريكي جو بايدن، دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى لقاء قريب في الولايات المتحدة دون تحديد أين ومتى بالضبط، كما قال الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي. فيما أشار بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى عمل المعنيين من الجانبين على التفاصيل المتعلقة باللقاء.
بدايةً، وقبل الخوض في خلفيات وحيثيات الدعوة وما الذي يريده بايدن من نتنياهو لا بدّ من الإشارة إلى التناقض الّلافت فيما جرى بالضبط في أثناء الاتصال الهاتفي مساء الاثنين 17 يوليو/تموز الحالي بينهما، حيث قال بيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنّ الرئيس الأمريكي قدّم دعوة إلى لقاء قريب في المكتب البيضاوي، لكن دون تحديد موعد معيّن.
وقال البيت الأبيض إنّ اللقاء بين الاثنين سيكون على الأراضي الأمريكية في وقتٍ ما خلال الخريف، حيث أشارت مصادر أخرى إلى احتمال عقده في مدينة نيويورك على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول القادم.
ملفات إسرائيلية شائكة
وبدت تفاصيل الاتصال الهاتفي مثيرة للجدل أيضاً، حيث أشارت مصادر مطّلعة إلى تعهّدٍ من نتنياهو بتجميد الاستيطان، ومنع شرعنة بؤر استيطانية في الضفة الغربيّة المحتلة حتى نهاية العام، وهو ما نفاه شكلاً فقط مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عبر مسؤول مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي أوضح أنّ الأمر يتعلق بإصدار تصاريح لبناء 11 ألف وحدة خلال الشهور الماضية، ولا توجد خطط لبناء أو شرعنة بؤر استيطانية جديدة حتى نهاية العام الجاري.
جاءت دعوة اللقاء أيّاً كان شكله ومكانه وزمانه على وقع تصاعد الاحتجاجات ضدّ خطة الإصلاح "الانقلاب القضائي" في إسرائيل، حيث دعا بايدن إلى أوسع تفاهم سياسي وحزبي ممكن حولها في الدولة العبرية، وهو ما تساوق معه نتنياهو ولو شكلاً كما جرى الحديث المعتاد عن حلّ الدولتين مع السلطة الفلسطينية، والتطبيع مع الدول العربية والإسلامية، وبالطبع الملف النووي الإيراني، مع تأكيد التنسيق والعمل المشترك لمنع طهران من حيازة سلاح الدمار الشامل.
إلى ذلك، بدا بايدن حريصاً على توجيه الدعوة للقاء نتنياهو قبل يوم من استقباله نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ -يتمتّع بسلطات وصلاحيات شرفية- في واشنطن للمرة الثانية خلال عام، فيما لم يجد نتنياهو حتى الآن الفرصة لزيارة البيت الأبيض، وهو على عكس الشائع والتقليدي في العلاقات الأمريكية مع الدولة العبرية.
وجرت العادة أن يدعو الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأيام وحتى الأسابيع الأولى من تسلّمه مهام منصبه، فيما مرّت الآن ستة أشهر على تسلّم أو عودة نتنياهو إلى منصبه.
وتأتي الدعوة كذلك بعد أيام فقط من نشر الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان، القريب ووثيق الصلة بالإدارة الأمريكية، مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز"، أشار فيه إلى تفكير البيت الأبيض في إعادة تقييم العلاقة مع إسرائيل، وهي خطوة نادرة حصلت ثلاث أو أربع مرات فقط خلال سبعة عقود تقريباً.
ويبدو أنّ الإدارة الأمريكية تعمّدت تأخير لقاء نتنياهو على الأراضي الأمريكية، وسط نقاش عاصف في تل أبيب حول تدهور العلاقات مع واشنطن بما ينعكس سلباً على مصالح وأمن واقتصاد ومكانة إسرائيل، وهو ما لم يقدّره أو يأخذه نتنياهو على محمل الجد، وفق تعبير إيتان غلبوع، الخبير الإسرائيلي البارز بالشؤون الأمريكية.
أبرز مطالب بايدن
وبالعودة إلى سؤال حول ما يريده بايدن من نتنياهو، فالإجابة تتضمن عدة مطالب، في مقدّمتها إيقاف خطة الإصلاح أو "الانقلاب" القضائي، فالرئيس الأمريكي الذي يتصرف كصديق وداعم قوي لإسرائيل، يسعى لإنقاذها من نفسها واتجاهها نحو الاستبداد والانقسام، وحتى الدخول فعلاً في الحرب الأهلية، كما قال الرئيس الأسبق لجهار "الشاباك"، نداف أرغمان.
وفي السياق ذاته، يتحدّث بايدن عمّا يصفها بالقيم الديمقراطية المشتركة مع إسرائيل التي من دونها سيكون من الصعب الحفاظ على العلاقات والمصالح المشتركة ومظلة الحماية الأمريكية لتل أبيب، ومن دونها تتحول هذه الأخيرة إلى دولة صغيرة وضعيفة ومحدودة القدرات، وفق ما كشفت عنه دراسة لمركز أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب.
إلى ذلك، يبدو الرئيس الأمريكي قلقاً من الوضع بالضفّة الغربية وغزّة والسياسات والممارسات العسكرية والاستيطانية، مطالباً بإبقاء الأفق مفتوحاً ولو نظرياً أمام حلّ الدولتين، وعدم توريط أمريكا أكثر في قضايا المنطقة في ظل انشغالها بملفات ضاغطة أخرى إقليمية ودولية.
كبح نتنياهو وحكومته
يعتقد بايدن كذلك أنّ سياسات حكومة نتنياهو الأكثر تطرّفاً تجاه الفلسطينيين تصعّب وتعقّد الجهود والمساعي الأمريكية لتوسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية في سياق الانكفاء عن المنطقة والحفاظ على التهدئة فيها، وضمان عدم انفجارها بتحديّاتها وأزماتها في وجهها.
إضافةً إلى ما سبق، يطالب الرئيس الأمريكي بإحاطة مستمرة من تل أبيب، وعدم مفاجأته تجاه إيران، أو التشويش على الجهود السياسية والدبلوماسية الساعية إلى تحقيق الهدف المشترك المتمثّل في منع طهران من حيازة السلاح النووي.
في العموم، تبدو إدارة بايدن مشغولة ومستنزَفَة بعدة ملفات إقليمية وأممية، ولا تريد تحمّل أعباء إضافية من حليفتها، عبر كبح نتنياهو وحكومته الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، كما قال الرئيس الأمريكي حرفيّاً منذ أيام قليلة في مقابلته مع قناة CNN.
في السياق الأمريكي الداخلي، لا خشية لدى بايدن وحزبه الديمقراطي من الاصطدام مع نتنياهو -على عكس ما قد يظن هذا الأخير- وحكومته المتطرّفة على أبواب الاستحقاق الانتخابي العام القادم، كون اليهود الأمريكيين مؤيّدين وداعمين بغالبيتهم العظمى للحزب الديمقراطي، ومعارضين لنتنياهو وخطة الانقلاب القضائي والسياسات والممارسات الاستيطانية في فلسطين، والابتعاد عن حل الدولتين وتحويل إسرائيل إلى دول فصل عنصري.
ووجّه بايدن الدعوة إلى نتنياهو على مضض وفي سياق احتوائه وكبح جماح حكومته المتطرفة وسياساتها المؤذية والضارّة. علماً بأنّ بايدن قد يكون آخر رئيس ديمقراطي داعم لإسرائيل، حسب تقدير توماس فريدمان، وذلك وفق تغيير التركيبة السكانية والحزبية في الولايات المتحدة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.