ففي شرم الشيخ انعقدت قمة جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووليّ عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
وفي النقب، وعلى أراضٍ فلسطينية محتلَّة أقيمت عليها مستوطنة سديه بوكير، جمع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد يوم أمس وزراء خارجية 4 دول عربية هي مصر والإمارات والبحرين والمغرب، بالإضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
إسرائيل تقود الحراك
ومن المحزن أن يجتمع أكبر عدد من الدول العربية حتى الآن مع قادة الاحتلال، وفي مستوطنة عاش فيها مؤسس الكيان الغاصب ديفيد بن غوريون آخر سنوات حياته على أنقاض أراضٍ شُرّد أهلها الفلسطينيون أو قُتلوا على يد عصاباته، كأن الكيان يريد أن يمارس أقصى وسائل الإذلال والإهانة للمجتمعين العرب الذين بعثوا بدورهم برسالة خذلان إلى الشعب الفلسطيني، خصوصاً مع الإدانات التي صدرت في الاجتماع لعملية الخضيرة، وتحويله إلى منتدى دائم ليذكّر الفلسطينيين بالخذلان العربي!
ولا عجب أن يصف إعلام الكيان هذه القمة بأنها "قمة سياسية تاريخية" رغم أنها ليست إلا استكمالاً لقمَّة شرم الشيخ، وأن "أهميتها تكمن بمجرد انعقادها"!
وحسب الصحافة العبرية وما صدر من تصريحات، فقد ناقشت قمة شرم الشيخ التعاون الإقليمي ضدّ إيران وبشكل خاص كل ما يتعلق بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ الباليستية، وقرب التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى العظمى.
وحاول بينيت تسويق خطة لمنظومة دفاع جوي إقليمي تنشره إسرائيل في دول المنطقة ممثلاً بصواريخ إسرائيلية متوفرة حالياً أو صواريخ موجهة بالليزر يعمل الكيان على تطويرها، فضلاً عن المسيرات الهجومية، وذلك بذريعة التصدي للمسيَّرات والصواريخ التي قد تأتي من إيران أو حلفائها في سوريا والعراق واليمن.
وسيقوم الكيان بالطبع بتشغيل هذه المنظومات بطواقم إسرائيلية (يعملون على جمع المعلومات غالباً) وجنود، ولن يسمح لهذه الدول بتشغيلها تحت حجة عدم وقوعها بأيدٍ معادية، مع أن وجود هذه المعدات والطواقم الأمنية بالقرب من إيران سيشكّل استفزازاً خطيراً لها، بما يحمله ذلك من احتمالات المواجهة التي تتحاشاها دول الخليج أصلاً!
لا شك أن الكيان يحاول استغلال سخط الإمارات والسعودية من ضعف التصدي الأمريكي لطائرات الحوثيين المسيَّرة التي استهدفت مصالح حيوية في البلدين، وقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن وقف الدعم لحرب السعودية في اليمن.
تخوُّفات واستغلال إسرائيلي
وشكّلَت القمة الأولى رسالة احتجاج مشتركة بين الأطراف المشاركة للإدارة الأمريكية، والتخوُّف من تداعيات الاتفاق النووي الذي سيؤدي إلى زيادة نفوذ إيران من خلال زيادة عوائد نفطها، فيما شكّل اللقاء الثاني طرح هذه التخوفات على الإدارة الأمريكية.
ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز عن مصادر أن دول الخليج ستكون مستعدَّة للتعاون مع الإدارة الأمريكية "لو عالج الرئيس بايدن مظاهر القلق الأمني، وتحديداً إيران وتهديدات الحوثي".
ولكن الدور الإسرائيلي هنا يلعب على الحبلين، فهو يدّعي مشاركة هذه الدول تخوُّفاتها، ويحاول مقايضة خطته الأمنية بابتزاز الإمارات ومن خلفها السعودية للقبول بالمطالب الأمريكية بزيادة ضخ النفط لتعويض النقص الناتج عن حرب أوكرانيا، لكبح جماح ارتفاع أسعاره، وتأثير ذلك السلبي في اقتصادات أمريكا والغرب.
ويسوّق الكيان أنه يستطيع التوسط لإعادة تطبيع العلاقات الأمريكية-الخليجية، وإعادة العمل بصفقات التسليح، والمصالحة مع محمد بن سلمان، وتلبية المخاوف الخليجية من تَخلِّي واشنطن عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وبحثها حالياً مطلب إيران برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية.
وفي هذا الإطار أيضاً يتكامل الاجتماع الذي استضاف فيه الملك عبد الله الثاني في العقبة في 25/3 كلّاً من السيسي وبن زايد إلى جانب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وممثِّلاً عن السعودية، مع الإطار الذي بادر إليه قبل أكثر من سنة الرئيس المصري السيسي ويسمى "إطار بغداد". وضم مصر والأردن والعراق، وتأسس بهدف مساعدة العراق وجذبه عن النفوذ الإيراني.
وقد يتسنى للسيسي أن يربط بين إطارات بغداد وشرم الشيخ والنقب، بما سيشمل على الأغلب التنسيق على مستويات سياسية وأمنية واستخبارية وربما عسكرية أيضاً، وهو أمر سيُلحِق الضرر بالمنظومة العربية واستقلاليتها، وسيوسع إطار التطبيع بين الكيان والدول العربية، وربما الأخطر من هذا كله، أنه قد يشمل مساعدة الاحتلال على احتواء مقاومة الشعب الفلسطيني، وهو بلا شك أدنى درجات السقوط للمنظومة العربية المتداعية أصلاً.
ولذلك طرح الكيان على الاجتماعين خشيته من تصعيد أمني في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 خلال شهر رمضان الذي يتزامن في جزء منه مع عيد الفصح اليهودي، طالباً المساعدة على احتواء تداعياتها المحتمَلة، كما قام العاهل الأردني عبد الله الثاني بزيارة لرام الله لنفس الغرض.
كما طُرحت في الشرم محاولة استمالة سوريا وإخراجها من الخط الإيراني، ونتائج زيارة بشار الأسد لأبو ظبي، وما قد تحققه هذه الخطوة -في حال نجاحها، وهو أمر مشكوك فيه- من استفادة للكيان عبر تحييد سوريا في الصراع مع إيران.
وتناول اللقاء تداعيات الأزمة الأوكرانية على مصر التي تسعى للحصول على 3 مليارات دولار لتحاشي وقوع اضطرابات شعبية في ظلّ ارتفاع أسعار القمح عالمياً، إذ يشكّل استقرار نظام السيسي مصلحة إسرائيلية ولبعض الدول العربية.
تداعي المنظومة العربية
إن خطورة هذه القمم أنها تحاول تغيير موقع الكيان من عدوّ للأمة إلى عامل استقرار للإقليم، وجعله في موقع مركزي في المنطقة.
كما أنها تعزِّز تفكك المنظومة العربية، وتمهِّد الطريق لاختراقها صهيونياً، وجعلها رهينة للكيان أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.
ونتساءل هنا: ما المصلحة من جر المنطقة العربية إلى استعداء إيران بدلاً من السعي للتفاهم على حلول سياسية تبدأ في اليمن؟! ألا يصبّ هذا التحرك أساساً في مصلحة الكيان الذي يسعى ليُستبدل بالعداء معه عداء مع إيران، وتخفيف الضغوط الأمريكية عليه لاتخاذ موقف واضح ضدّ روسيا؟
وهل تحتاج الدول العربية إلى إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية وكمدخل للولايات المتحدة؟ وأين دور مصر المغيَّب في هذا الاتجاه؟ وهل تستطيع إسرائيل حمايتهم وهي التي فشلت في حماية نفسها من صواريخ بسيطة للفلسطينيين؟ ثم لماذا لا تحاول الدول العربية التفاهم مع تركيا سياسياً وعسكرياً لإحداث التوازن المطلوب مع إيران؟
إن أخطر ما أسفرت عنه القمم أنها عززت التطبيع مع الكيان، وعزل هذه العملية عن القضية الفلسطينية، تنفيذاً لصفقة القرن وما تبعها من تطبيع مع عدد من الدول العربية. ويؤكّد الكاتب الإسرائيلي إسحق ليفانون في صحيفة "معاريف" في 25 آذار/مارس 2022 أنه "لا يتحول الحراك الإقليمي ليصبح شرق أوسط جديداً فقط، بل هو شدّ للمنظومات وتعزيز للأساسات التي وضعتها اتفاقات إبراهام. ويحمل الآن التعاون الإقليمي مع إسرائيل إلى ذُرىً جديدة لم يحلم بها أحد من قبل".
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.