كانت مواقف ماكغورك متعارضة مع مواقف أنقرة، فضلاً عن دعمه وتسليحه مليشيا PYD، الذراع السورية من مليشيا PKK الإرهابية.
لقد ساهم ماكغورك من خلال تسليح PYD في زيادة التوتر مع أنقرة، حتى إن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو قد دعا في 2017 إلى استبدال شخص آخر ببريت ماكغورك، متهماً إياه بدعم المقاتلين الأكراد.
وفي 2017 أيضا كان لبريت ماكغورك دور مهمّ في تشجيع إدارة إقليم شمال العراق على التوجه نحو الاستفتاء على استقلال إقليم شمال العراق، وقد اعتبرت تركيا آنذاك هذه القضية قضية أمن قومي ورفضت الاعتراف بنتائج الاستفتاء، وذهبت إلى حدّ القيام بإجراءات عقابية. كما دعا الرئيس أردوغان إدارة الإقليم أن تعود إلى رشدها. وبالفعل تراجعت الإدارة بعد ذلك عن هذا المسار بخاصة مع رفض تركيا وإيران والعراق له.
لم يقتصر الاستياء التركي من ماكغورك وسلوكه على التصريحات، بل قام المدعي العام التركي في 2017 بإصدار مذكرة توقيف بحق ماكغورك وذلك لقيامه بدعم منظمة إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم في تركيا هي حزب PKK، كما طلب المدعي العام من الجيش التركي اعتقال ماكغورك إذا وُجد في سوريا أو العراق لعرضه على المحكمة التركية.
لم يكن عمل ماكغورك فقط متعارضاً مع تركيا، فحتى استقالته من عمله كمبعوث للتحالف الدولي في 2018 كانت رداً على قرار الرئيس ترمب سحب القوات الأمريكية من سوريا بعد تفاهم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اتصال هاتفي. وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير 2019 بعض تفاصيل قرار الانسحاب من سوريا.
بعد ذلك انتقد ماكغورك اقتراح ترمب إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا بعرض 20 ميلاً، إذ اعتبر أن هذا المقترح غير مناسب، علماً أن مطلب المنطقة الآمنة في شمال سوريا هو مطلب تركي قديم، وقد تفاوض أردوغان مع ترامب حوله، ولكن ماكغورك يعتقد أنه لا توجد قوة مؤهلة لتولي المسؤولية في هذه المنطقة، واعتبر أن قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا سوف تعمل على تهجير آلاف الأكراد وتهديد المجتمعات المسيحية الضعيفة على حدّ قوله في تلك المنطقة، ومن المعلوم أن هذا الطرح ليس طرحاً منطقياً.
واستمرّ ماكغورك بعد تركه للمنصب في انتقاد تركيا، فقد كتب ماكغورك في يناير 2019 مقالاً في صحيفة واشنطن بوست اعتبر فيه أن تركيا ليست شريكاً موثوقاً به لأمريكا، وأن الدور التركي في سوريا يخلق الفوضى والتطرف، وقد ردّ الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على ما كتبه ماكغورك واتهمه بإعادة دعاية PKK، مشيراً إلى دور تركيا في إنقاذ حياة الآلاف من الأكراد والعرب في شمال سوريا.
قد لا تكون منطقة شمال سوريا والعراق هي حالة الإشكال الوحيدة بين تركيا والولايات المتحدة في حال كانت مواقف ورؤى ماكغورك مؤثرة في سياسات الأمن القومي الأمريكي القادمة في عهد بايدن، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد علاقات تركيا مع الناتو من جهة، وقد يؤثر وجود ماكغورك في إنشاء ضغوط على تركيا في ليبيا وشرق المتوسط وفي المنطقة عموماً، بخاصة أن مهمة ماكغورك الجديدة تشمل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي أوسع من مهمته السابقة المتعلقة بمكافحة داعش.
قد يشار إلى أن ماكغورك هو شخص واحد ولا يمكنه التأثير بكل هذا القدر في علاقة بلدين كتركيا والولايات المتحدة، ولكن من جهة أخرى لا ننسى أن بايدن نفسه لديه العديد من الرؤى السلبية تجاه تركيا، كما أن فريق بايدن الجديد يشمل شخصيات أخرى تشاركه نفس الآراء تجاه المنطقة.
بعبارة أخرى، فإن تعيين بايدن لماكغورك في إدارة ملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي هو أحد المؤشرات الواضحة على سياسة بايدن تجاه المنطقة وبالتأكيد على العلاقات مع تركيا.
ولعل تركيا قد قامت منذ إعلان فوز بايدن وحتى هذه اللحظات التي يستعدّ فيها لدخول البيت الأبيض بإرسال أكثر من رسالة وفي أكثر من مناسبة بيّنت فيها استعدادها للتعامل مع إدارة بايدن وحرصها على التعاون، ولكن لم تبد إدارة بايدن حرصا على مقابلة هذه الرسائل بنفس الوتيرة من الحرص على التعاون بشكل مباشر، وهذا مؤشر آخر ينبغي اعتباره، وربما يؤكد هذا ما ذكرناه أعلاه من وجود أكثر من شخصية مؤثرة في فريق بايدن لا تنظر إلى العلاقة مع تركيا بدفء، وإن كان بعض هذه الشخصيات يعتبر أن كسب تركيا بجوار واشنطن في سياستها الجديدة في عهد بايدن سيكون مفيداً.
من المهم أن تكون أنقرة محتاطة جيداً للفترة القادمة التي يشارك فيها أشخاص مثل ماكغورك في توجيه القرار الأمريكي في الشرق الأوسط، الذي يدافع عن فكرة إنشاء كيان كردي شمال سوريا، ويحمل فكرة سلبية تجاه تركيا عموماً، كما أن من المنطقي أن تعمل أنقرة على تعزيز التواصل مع الشخصيات الأكثر اعتدالاً نسبياً مثل وزير الخارجية القادم أنطوني بلينكن.
ما من شك في أن فترة إدارة ترامب أحدثت الكثير من الأمور وخلقت واقعاً مختلفاً، ولعل هذا سيصعّب المهمة على بايدن وفريقه في الشرق الأوسط، وسيكون من الحكمة الانتظار حتى رؤية سلوك بايدن العملي. وعلى الأغلب ستجد أنقرة صيغاً للتعامل مع إدارة بايدن، وسيكون ذلك أكثر سهولة كلما ساهمت إدارة بايدن في إشراك تركيا مع الدول الأخرى في ترتيبات المنطقة، ولكن أنقرة لن تتراجع في القضايا التي تعتبرها جزءاً من قضايا أمنها القومي.
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.