تحل اليوم الذكرى الرابعة للحرب اليمنية، وهو التاريخ الذي يسجل تدخّل المملكة العربية السعودية عسكرياً على رأس حلف عربي قيل حينها إنه تشكَّل على عجل لدعم السلطة الشرعية التي هُددتْ بشكلٍ عميقٍ في عاصمتها المؤقتة عدن، بعد تنفيذ الطيران الذي أقلع من مطار صنعاء الدولي ضرباتٍ جويةً على مقر الرئيس في قصر المعاشيق بمدينة عدن.
في ذلك الوقت كانت إمكانيات الدولة اليمنية الاقتصادية والعسكرية بشكل كامل قد آلت إلى حلف انقلابي يهيمن عليه الحوثيون، على الرغم من أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح كان أحد الأطراف الرئيسية التي دبرت هذا الانقلاب، لأنه كان لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في أوساط الجيش والأمن، وكان يُمنِّي النفسَ، استناداً إلى تلك المعطيات، في استعادة السلطة المفقودة.
يبدو الانقلاب في اليمن وما نتج عنه من تفاقم للصراع كأحد التجليات الفاضحة للدور السعودي الإماراتي في الساحة اليمنية.
حينها اعتقد صالح أن اللعب على ورقة التضامن الجهوي (صنعاء ومحيطها) والمذهبي (الزيدي) يمكن أن يؤمّن وقود حرب خاطفة ومتحللة من القيود الأخلاقية، من شأنها أن تجبر قوى ثورة التغيير على الرضوخ لمعطيات الواقع الجديد، بعد أن ضخت دول نفطية كالسعودية والإمارات ملايين الدولارات لعملية هدفت إلى الإطاحة بربيع اليمن، وإن بواسطة الحوثيين المحسوبين تقليدياً على إيران.
وهكذا يبدو الانقلاب في اليمن وما نتج عنه من تفاقم للصراع، كأحد التجليات الفاضحة للدور السعودي الإماراتي في الساحة اليمنية، لذا نجد أن الحرب في اليمن ليست تلك التي حددت ساعةَ الصفر فيها الرياض عبر تدخلها العسكري، بل بدأت قبل ذلك بعدة أشهر، بإيعاز من الرياض وبتمويل منها أيضاً، على الرغم من أنها كانت تبدو حرباً داخلية خالصة، أحد أطرافها جماعة الحوثي، وفي الطرف الآخر مسلحون جرى وصفهم بأنهم تابعون لحزب الإصلاح أو مسلحون قبليون تابعون لمشائخ حاشد من آل الأحمر الذين أيضاً يحتفظون بصلة تضامن سياسي مع حزب الإصلاح وهذا الأخير بات هدفاً ذا أولوية لما يمكن وصفه بدول الثورة المضادة، ونعني بها تحديداً السعودية والإمارات ومصر.
وتحت مظلة الدعم السعودي الذي اتجه جزء منه إلى الخزينة الخاصة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، حيَّدَ هذا الرئيس منصبه ودوره الدستوري وحيد معه كل مؤسسات الدولة والجيش منذ أوائل 2014، إزاء معركة انطلقت من صعدة، واتجهت لتقويض وجود القوى السياسية وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح التي أوصلته إلى السلطة في عملية استفتاء على رئاسة كان هو المرشح الوحيد فيها، أملاً منها أن ذلك سيطوي عهد صالح إلى الأبد.
وضمن هذا المخطط بقي أحد أقوى الألوية العسكرية (اللواء 310) التي كانت تقف كحائط صد للدفاع عن العاصمة صنعاء وحيداً في مواجهة الهجمات التي شنها المسلحون الحوثيون مدعومون من قوات نظامية تابعة لصالح في مدينة عمران.
وكان الرئيس هادي وبتأثير من التطمينات السعودية، يعتقد أن بالإمكان تصفية قوى ثورة الحادي عشر من فبراير/شباط اليمنية وإضعافها، والمضي بهدوء في عملية انتقال سياسي تبقيه رئيساً، فيما يجري تغيير الأدوات السياسية وإحلال المؤتمر الشعبي العام بديلاً كاملاً منها، خصوصاً أن حزب السلطة السابق هذا، كان لا يزال يهيمن على أغلبية برلمانية.
لكن الأمور مضت بغير ما أراد الرئيس والسعودية والإمارات والقوى الدولية التي ما رغبت يوماً في أن ترى اليمنيين يفرضون خيارهم ويؤسسون دولتهم الديمقراطية بما يشكل حالة قطع كاملة مع الدكتاتورية، خصوصاً أن قوى التغيير في اليمن تضم مكونات سياسية إسلامية تتطلع مثل غيرها إلى التغيير والحرية.
فقد سلك الحوثيون خطاً منفصلاً في معركتهم التي حددوا لها أهدافاً عسكرية وسياساً جعلت منها نسخة من الثورة الإسلامية في إيران، كما أقرت بذلك وسائل إعلام وشخصيات سياسية ودينية إيرانية.
خلال أربع سنوات تراجعت إلى حد كبير سيطرة الحوثيين على الجغرافيا اليمنية لكن المساحة المستعادة لم تصبح جاهزة بعد لممارسة السلطة الشرعية لنفوذها لأن الإمارات عملت على بناء تشكيلات مسلحة حلت محل الدولة اليمنية.
ترسخ نفوذ الحوثيين كقوة مرتبطة بإيران إلى حد ضعفت أمامه فرص شريكهم الأهم على عبد الله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، في استعادة زمام المبادرة، وتم ابتلاع الجيش النظامي (السابق) عبر سلسلة من العمليات المعقدة التي شملت دورات تأهيل ثقافي وعقائدي للجيش وعبر استخدام المال واستغلال حاجة منتسبي الجيش السابق إلى المال، إلى حد تحول معه ذلك الجيش إلى كتائب عقائدية عمياء وأداة باطشة بيد حركة طائفية غاشمة.
وخلال أربع سنوات من الحرب، تراجعت إلى حد كبير سيطرة الحوثيين على الجغرافيا اليمنية، لكن المساحة المستعادة لم تصبح جاهزة بعد لممارسة السلطة الشرعية لنفوذها، لأن التحالف وبالأخص الإمارات عمل على بناء تشكيلات مسلحة حلت محل الدولة اليمنية، وشكلت مصدر تهديد حقيقي لها، خصوصاً أنها باتت رديفاً عسكرياً لجماعة سياسية تدعو للانفصال وتمارس العنف من أجل تحقيق هذا الهدف تحت المظلة الإماراتية.
بات الرئيس هادي وحكومته والأحزاب التي تشكل جزءاً من معسكر الشرعية هدفاً مباشراً لخطاب سياسي وإعلامي يفتقد إلى المروءة، تعبر عنه وسائل إعلام تابعة للسعودية والإمارات، والأسوأ منه هذا القدر الذي لا يحتمل من الاستخفاف وعدم الاكتراث لمكانة الحكومة ورموزها.
لم يحدث أن شهد تحالف بين أطرافٍ جمعها تهديد مشترك ما يشهده تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي انتهي في بعض منعطفاته إلى مواجهة سياسية وعسكرية بين أطرافه.
فيما استمرت على الأرض المحاولات الحثيثة للاستحواذ على الجزر والأراضي اليمنية عبر السيطرة العسكرية التي مارسها التحالف على نحو ما رأينا في أرخبيل سقطرى على المحيط الهندي، وفي محافظة المهرة الواقعة في الطرف الجنوبي الشرقي للبلاد.
ولا يزال الرئيس ومعظم حكومته موجودين في الرياض بانتظار تحسن الشروط السياسية لعودتهم، وهي شروط مرتبطة بشكل أساسي بتحالف الرياض-أبو ظبي.
لم يحدث أن شهد تحالف بين أطرافٍ جمعها تهديد مشترك، ما يشهده تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي انتهي في بعض منعطفاته إلى مواجهة سياسية وعسكرية بين أطرافه، مثل تلك التي شهدناها في يناير/كانون الثاني 2018 في العاصمة المؤقتة عدن.
فبعد أربع سنوات من الحرب، تبدو خطوط المواجهة ثابتة وجامدة وتبعث على اليأس، ومعظم الجبهات التقليدية خصوصاً تلك القريبة من العاصمة صنعاء، باتت مسرحاً لتبادل الاتهامات بين أطراف التحالف بالخذلان أو الخيانة.
أما الجيش الوطني فقد بات على يقين أن مهمته العسكرية انتهت تقريباً، وباتت السعودية نفسها تعتمد على مقاتلين يعملون بالوكالة تستدعيهم من محافظات يمنية عدة، للقتال في المناطق المتاخمة لحدودها الجنوبية، في مسعى للتقليل من التأثير العسكري للحوثيين الذي لم يتوقف حتى اليوم.
وفيما يمتلك الحوثيون هامشاً للمناورة ينفّذون عبره هجمات خاطفة في معظم الجبهات، يبقى الجيش الوطني رازحاً تحت قيودٍ هائلة يفرضها التحالف، وتحُول دون أي تقدم عسكري قد يحققه في اتجاه الأهداف السياسية للمعركة وهي دحر الانقلاب واستعادة الدولة والديمقراطية في البلاد.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.