انتهاكات حقوق اللاجئين.. هل باتت أوروبا غاضبة من اليونان؟
لو حدث أن نطق البحر الفاصل بين تركيا واليونان لباح بكثير من الحكايات التي روتها له قرابينه في أثناء رحلاتهم باتجاه أرض الأحلام الأوروبية بحثاً عن فرص نجاة جديدة، ولأنه أصبح من المستحيل أن نعرف حكاياتهم الآن نكتفي بروايات مَن شهد تلك الوقائع.
مهاجرون يشتبكون مع الشرطة اليونانية في ميناء ميتيليني في جزيرة ليسبوس شمال شرق بحر إيجة، اليونان. (AP)

لو حدث أن نطق البحر الفاصل بين تركيا واليونان لباح بكثير من الحكايات التي روتها له قرابينه في أثناء رحلاتهم باتجاه أرض الأحلام الأوروبية بحثاً عن فرص نجاة جديدة، ولأنه أصبح من المستحيل أن نعرف حكاياتهم الآن نكتفي بروايات مَن شهد تلك الوقائع.

الحكايات الأكثر غرابة قد نسمعها إذاً ممن كانوا محظوظين واستطاعوا عبور المسافة ووصلوا إلى الشاطئ بأمان، معتقدين أنهم نجوا من الموت المحقَّق وأن تلك الرحلة تستحقّ كم العذابات التي عاشوها للوصول إلى أرض الأحلام، وبدء حياة جديدة في بلاد يُشهد لها باحترام حقوق الإنسان.

هذا الانطباع الأوّلي أو الخيال المحض للمهاجر لا يلبث أن يصطدم بأولى خيباته في أول لقاء مع خفر السواحل اليونانية، ويتبعه يوميات بائسة في مخيمات الاحتجاز في العاصمة أثينا، ومحاولات حثيثة للفرار وإن كان السبيل أن يسلك اللاجئ طريق العودة، مقابل أن لا يبقى محتجَزاً في ظل ظروف غير إنسانية مهينة من طرف السلطات اليونانية.

منذ النزوح الكبير في عام 2015 كان الخوف الأكبر لدى من يعبرون البحار أن تلقي السلطات اليونانية القبض عليهم، لأن أقلّ ما قد يحصل حينذاك هو إعادة مراكبهم قبل أن ترسو أو محاولة إغراقهم في أحيان كثيرة، وفي أحوال أسوأ فإن اللاجئين يُسجنون في ظروف أقلّ ما يقال عنها أنها غير إنسانية، بعد معاناة منقطعة النظير في البلاد الأم أو في بلدان العبور وفي رحلة بحرية قد يكون ثمنها حياة كاملة.

تثبت التقارير في المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون بشكل مستمر، وتؤكد أن بعض المتضررين لجأ إلى القضاء لمحاكمة وكالة الحدود الأوروبية وخفر السواحل "فرونتكس" التي يُعتقد أنها شاركت في الانتهاكات بعدم إنقاذها لهم في حالات محددة. أكّدت تلك المزاعم الزعزعة التي حدثت في الهيكلية بعد استقالة مديرها الذي كان يزاول مهمته لمدة طويلة، الأمر الذي تنفيه وكالة الحدود الأوروبية وتتعهَّد عبر مسؤولها الجديد بالتصدي لكل حالات انتهاك حقوق الإنسان وتكثيف وجود الدوريات للمراقبة وعمليات الإنقاذ، وتصبّ اللوم كاملاً على خفر السواحل وشرطة الحدود اليونانية وتطالبهم بالتعويض للمتضررين، وعرضت في سبيل ذلك خدماتها بمشاركة عناصرها في حماية الحدود، بخاصة بعد وصول عدد غير مسبوق من اللاجئين إلى أوروبا في عام الهجرة، الأمر الذي كلّف الاتحاد الأوروبي ميزانية كبيرة.

تنصّ حقوق الهجرة بشكل نظري على المعاملة بشكل إنساني واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية وواجب اتباع أصول التحقيق الرسمية لمنح طالب اللجوء الحماية وفق أسس وقواعد منطقية، مع محاولة البت في القرار بشكل سريع بهدف منحهم الاستقرار الذين قدموا طلباً له، الأمر الذي لا يبدو أنه يتحقق أو ينال حقه من الإجراءات في بلاد مثل اليونان، فهي بتصريح مسؤول حقوق الإنسان في وكالة الحدود في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مزيد من الفحوص لاستكشاف طرق إدارتها لشؤون المهاجرين الذين يتجهون نحو أوروبا.

نشرت صحيفة الغارديان تقارير متواترة تحدثت فيها على لسان شهود من اللاجئين عن المآسي التي عاشوها في رحلات الرعب التي اضطُرُّوا إلى خوضها، وكيف كانت السلطات اليونانية وخفر السواحل تحاول إغراق مراكب اللجوء المتجهة نحو السواحل اليونانية لإعادتهم أدراجهم من حيث أتوا، بصرف النظر عن وجود مرضى أو نساء وأطفال، وكيف كان خفر السواحل التركي هو من يسعى لإنقاذهم بعد أن تمتلئ مراكبهم بالماء.

كذلك نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً أظهرت فيه أن قوات الحدود اليونانية تحتجز مجموعات من اللاجئين والمهاجرين بأسلوب عنيف وبصورة غير قانونية، ثم تعيدهم إلى تركيا على الفور، مما يخلّ بالتزاماتها إزاء حقوق الإنسان بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي، ويركز التقرير على العمليات غير المشروعة التي تجري في منطقة إيفروس على الحدود البرية بين اليونان وتركيا وعلى إعادة اللاجئين قسراً، بحيث أصبحت الانتهاكات عادة راسخة وليست حدثاً عارضاً، وتؤكد أن فرونتكس على علم بتلك الانتهاكات لأنها تحصل في أماكن تمركز قواتها.

يبدو من الأخذ والصدّ بين الطرفين أن انتهاك حقوق الإنسان أمر واقع، وهو أمر حدث بالفعل ومُثبَت بأكثر من رواية، إنما تكمن المشكلة في محاولة تحميل طرف المسؤولية وإخلاء مسؤولية الطرف الآخر، فمحاولة فرونتكس الظهور على أنها حامي حقوق اللاجئين وتحميلها اليونان المسؤولية، لا تتطابق مع روايات الناجين التي تؤكّد عدم مشاركتهم في الإنقاذ في كثير من الأحيان وتجاهل نداءات استغاثاتهم.

في الوقت نفسه تبدو إشادة المفوضية الأوروبية النظرية بجهود اليونان لصد القادمين الجدد من الوصول إلى القارة الأوروبية مشوبة، لأنها تتغاضى عن شكل الصد وطريقته، وبصرف النظر عن الإشادة بسلوك اليونان لأنها تعد درعاً في وجه طالبي اللجوء ونجحت في صد المهاجرين غير الشرعيين عن أبواب القارة العجوز، إلا أنها تواجه اتهامات جدية بانتهاك حقوق الإنسان.

لا يبدو أن هذه المشكلة تقتصر على حماية حقوق اللاجئين ومنع الانتهاكات بحقهم، بقدر ما يبدو أن الهدف الحقيقي يتمحور في منعهم من الوصول إلى مبتغاهم، فعلى الرغم من جلسات البرلمان الأوروبي في إجماع واتفاق الأعضاء على مراقبة الحدود الخارجية لليونان عبر فرونتكس واتخاذ أساليب أكثر صرامة من أجل الحد من تلك الانتهاكات، ترفض حكومة اليونان حتى اليوم هذا الأمر جملة وتفصيلاً، ذلك أنها تعرف بما لا يدع مجالاً للشك أنه في حال أُثبتت تلك الروايات بطريقة قانونية قد يؤدي ذلك إلى خطر خروجها من الاتحاد الأوروبي بسبب وجود انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان.

وفي هذا أيضاً فإن الأمر الذي يثير غضب اليونان على الأكثر أن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع اليونان على أنها درع في وجه القادمين الجدد، في حين أنه يلوّح دائماً بالمحاسبة لليونان بسبب تدفق القادمين أو بسبب انتهاكات معينة على الرغم من غياب سياسات التضامن وما تتكبده اليونان وفقاً لمزاعمها في التصدي لتلك المهمة.

في خضمّ تبادل الاتهامات بين الجهات المعنية ومحاولة تحميل المسؤولية لطرف معيَّن، تبقى سياسات الهجرة الأوروبية بحاجة حقيقية إلى إعادة النظر أو إعادة هيكلة حقيقية للعناصر والمنظمات العاملة على الحدود، وفي هذا الصدد تؤكّد فرونتكس أن لديها فريقاً جديداً متمكناً لمراقبة الحدود ومكلَّفاً تحديد انتهاكات حقوق الإنسان من طرف اليونان في تعاملها مع المهاجرين، خصوصاً مع تمنُّع وعدم تعاون من طرفهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي