الانتخابات التشريعية الفرنسية.. الرهبة وعدم اليقين
لقد أدركت الأغلبية للتو أن الانتخابات التشريعية ليست بالنتيجة المحتومة، بقدر ما هي إنذار بحلول حقبة ثقيلة على "الماكرونية".
يبدو أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى زيادة قوية إلى حد ما في عدد النواب على اليسار. (AP)

تطفو رائحة عدم اليقين، الممزوجة برائحة الخوف، فوق الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية. فمن المتوقع، وفق ما أفاد به مراقبون، حدوث انخفاض كبير في عدد النواب المنتمين إلى الأغلبية المنتهية ولايتها.

فرغم أن هزيمة فاليري بيكريس والنتيجة الكارثية لآن هيدالغو، في الانتخابات الرئاسية، كانت تبدو كأنها تخدم إيمانويل ماكرون أكثر، فإن النتيجة الممتازة التي حققها جان لوك ميلينشون هي التي تسببت بعد ذلك في إعادة توزيع الأوراق.

لن تكون الانتخابات التشريعية مجرد إجراء شكلي. فقد عززت فرنسا المتمردة وحلفاؤها ديناميكية حقيقية في هذه الانتخابات، في حين تمتنع مارين لوبان عن حشد جميع قواتها، معتبرة أنه، وكما أعلنت سابقاً، سيكون لماكرون، على أيّة حال، الأغلبية. ويقتصر بالتالي كل طموح لوبان على مجرد الحصول على أكثر عدد ممكن من النواب لتشكيل كتلة برلمانية، وفي هذا الجانب تبدو الفرص لديها أقوى من فرصة "الاسترداد" لإريك زمور.

أما من ناحية الأغلبية، نحن في حالة اضطراب. فبالكاد جرى تشكيل الحكومة الجديدة، التي كان عليها أن تواجه العديد من المحاكمات التي شوهت صورتها. فاتهامات الاغتصاب الموجهة ضد داميان آباد، الرئيس السابق للكتلة البرلمانية من اليسار إلى اليمين، لم تتوقف بعد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الفوضى التي شهدها ملعب فرنسا، خلال نهائي الدوري الأوروبي، لم تساعد في استعادة صورة وزير الداخلية، كما زاد من عدم خضوع الشرطة إلى قيادة متسقة أيضاً، في حالة الارتباك.

ويلخص مثال "ملعب فرنسا" العلل والمشاكل الفرنسية، التي لا تقتصر بدورها على الشرطة فقط، وإنما على جميع الخدمات العامة في البلاد. وبالتالي فإن كل هذا يجعل من حالة الركود السائدة، لدى الأغلبية، غير مفهومة إلى حد ما.

يسود انطباع بأن ماكرون لا يريد الاستثمار في أي حملة. بل يعتقد أنه يمكنه الفوز بمجرد التمسك بالموقف الذي جرى اعتماده خلال الانتخابات الرئاسية. ولكن الطبيعة تأبى الفراغ، فقد تمكن ميلينشون من التسلل إلى هذه المساحة التي تركها ماكرون وأنصاره شاغرة.

في الآونة الأخيرة، حاول "الماكرونيون"، شيطنة ميلينشون، وذلك عبر إطلاق حملة تحمل شعار "لسنا أغبياء". فميلينشون، سيكون، على حد زعمهم "نهاية المدرسة، وعذاب العلمانية، وتراجع الجمهورية". باختصار، إنها الفوضى.

هذه المحاولات للتشويه من خلال استخدام الإهانات والرسوم الكاريكاتورية والاختصارات والكليشيهات، هي الأكثر إثارة للفضول، من حيث إنها لا تشترك في أي شيء مع العقلانية التي يدعيها ماكرون ورفاقه.

وهكذا لا يتردد كاتب افتتاحية صحيفة "لوفيغارو" في الادعاء بأن ميلينشون، يغوي "السكان الأصليين والإسلاميين". فإذا توحد اليسار حول ميلينشون، وفاز في الانتخابات التشريعية، فسيكون ذلك، وفقاً لما قاله الكاتب "نهاية العالم" التي تنذر بشروق الشمس "شمس بوليفارية فوق حمام سباحة بلدي مغطى بالبوركيني".

من جانبه، يعلق برنارد هنري ليفي، على المشهد على النحو التالي: الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES" هو "شافيز الذي يتوافق مع جان جوريس". و يصف برونو لومير، بدوره أيضاً، ميلينشون بأنه "جاليك شافيز" ويعتبررجلاً "استبدادياً". فيما يقول ميلينشون بأنه "يريد أن يجعل الناس سعداء من أجلهم" كما سيكون لديه مفهوم "جماعي" عن الاقتصاد.

أما بالنسبة لرئيس الجمهورية السابق، فرنسوا هولاند، فقد هاجم البرنامج الاقتصادي للاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES" على أساس أن التقاعد في سن الستين، والذي دعا إليه وطبقه فرنسوا ميتران، سيكلف باهظاً، تقريباً 65 مليار يورو.

لا شيء يجد استحساناً في نظر فرنسوا هولاند؛ لا الزيادة بنسبة 10٪ لموظفي الخدمة المدنية، ولا إنشاء 300 ألف وظيفة جديدة ودخل مضمون، كما دعت إليها فرنسا المتمردة. ولكن هل سيكون من القسوة للغاية تذكير فرنسوا هولاند بأن هذه الإجراءات التي يندد بها باستهزاء، كانت منذ فترة طويلة جزءاً من برنامج الحزب الاشتراكي التابع لهولاند؟

يبدو أن المراقبين وكتاب الافتتاحيات، قد لاحظوا "ضربة المعلم" لميلينشون، من حيث حشد اليسار المنقسم، وإقناع المترددين، وإشراك بعض الممتنعين عن التصويت. وبالتالي فإن هذا هو ما يدفع المعلقين لإطلاق الصرخات المدوية. ولكن مع ذلك، يبقى لمثل هذه الوسائل من الاتصال، فرصة ضئيلة لإثارة إعجاب الناخبين الذين هم على وشك إعطاء أصواتهم للاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES"، أولاً لأنها تأتي بعد فوات الأوان، وثانياً لأن ماكرون "مثقل" بميزانيته العمومية.

ويفسر هذا المناخ حالة الذعر التي تعتري الغالبية، والتي فقدت صفاءها، وبدت تبدو عليها كل بوادر القلق. لقد أدركنا للتو أن الانتخابات التشريعية ليست معدة مسبقاً، بقدر ما هي إنذار بحلول حقبة ثقيلة على "الماكرونية".

نذير شؤم

مانويل فالس، المرشح من الأغلبية الرئاسية، أبعد من طرف ستيفان فويتا، المرشح المنشق عن "الماكرونية"، التي حاولت الحفاظ عليه، بينما رفض ماكرون ترشيحه لصالح رئيس الوزراء السابق فرنسوا هولاند.

بعض الألسنة اللاذعة تؤكد، أن ماكرون، لمجرد التخلص من فالس المغامر للغاية، قام بدفع الميكافيلية، لتكليفه بدائرة انتخابية جعلت من فالس سيئ السمعة والصورة بطريقة لا تمكنه من الفوز. والأسوأ من ذلك، كان فوز رينو لو بيري، مرشح الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES"، بالمركز الأول بنسبة 27.24%، متقدماً على ستيفان فويتا، مرشح "معاً" (%25.39) والفانوس الأحمر مانويل فالس (%15.8).

يبدو أن استطلاعات الرأي الأخيرة، لا سيما تلك التي نشرها " IFOP" ، تشير إلى زيادة قوية إلى حد ما، في عدد النواب من التيار اليساري. وبالتالي فإنه، قبل أقل من أسبوع من الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، يكاد يكون اليسار الموحد على قدم المساواة مع الأغلبية الرئاسية، بينما بقي الحزب الجمهوري الوطني في الخلف.

فيما ستذهب 25.5% من الأصوات إلى الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES"، وسيختار 26.5% من الناخبين ماكرون وحلفاءه. وهكذا، سوف يزداد الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد "NUPES" في صفوفه نحو مائة نائب، في حين أن الماكرونيين سيفقدون حوالي 37 مقعداً.

إذا تحققت هذه التنبؤات، فلا أحد يستطيع أن يتخيل المصاعب التي سيواجهها ماكرون طوال فترة رئاسته، في الوقت الذي يبدو فيه "الميلينشونيون"، وبقية خصومه، مصممين على معارضة سياسته.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي